نشرت صحيفة “الموندو” الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن “معسكرات العمل القسري” التي تقيمها السلطات الصينية، والتي تعتقل فيها أعدادا هائلة من الأقليات المسلمة المنحدرة من إقليم شينجيانغ، دون توجيه تهمة واضحة، وذلك بهدف غسل أدمغتهم والتخلص من قناعاتهم الدينية، وتعويضها بشعارات وأيديولوجيا الحزب الشيوعي الحاكم في الصين.
وقالت الصحيفة في تقريرها إن “الشاب الصيني المسلم، جاركنبيك أوتان، لا يزال يتذكر الكلمات التي وجهتها له الشرطة الصينية، حيث قالت له: “أنت ليست ما على يرام، وسنرسلك إلى مركز لتصحيح هذا الأمر”، وقال إنه “تعرض للضرب والتعذيب بالصعقات الكهربائية لمدة أيام، دون أن يفهم سبب ذلك”.
وذكرت الصحيفة أن “رحلة معاناة هذا الصيني المسلم بدأت عند عودته من كازاخستان إلى الصين، حيث كان أربعة من عناصر الشرطة في انتظاره في المطار، لتقييده ونقله إلى سجن يقع تحت الأرض، حيث قضى هناك أسبوعا كاملا”.
وتجدر الإشارة بحسب الصحفية إلى أنه “تم التحقيق معه على خلفية وجود تطبيق واتساب في هاتفه، ووجهت له اتهامات بالتجسس لحساب كازاخستان”.
كما وجهت له أسئلة من قبيل: لماذا لديك واتساب؟ هل أنت جاسوس؟ هل سافرت سابقا إلى الولايات المتحدة أو تركيا أو إحدى الدول العربية؟”.
ويذكر جاركنبيك أوتان أنه “بعد قضاء سبعة أيام تحت التعذيب في هذا السجن، تم نقله إلى معسكر في إقليم شينجيانغ الذي تعيش فيه أقلية الكازاخ المسلمة، وهنالك، تعرض مجددا للتعذيب وسوء المعاملة، وفهم في نهاية المطاف سبب اعتقاله.
وبحسب هذا المعتقل السابق، فإن السلطات في بكين قررت أن الديانة والثقافة الإسلامية التي يحملها أوتان يجب تغييرها، لتتناسب مع السياسات الرسمية.
وأكدت الصحيفة أن “مئات الآلاف من المسلمين الكازاخ والإيغور وأقليات أخرى تنحدر من إقليم شينجيانغ، عانوا من نفس المصير في شبكة من معسكرات إعادة التأهيل، التي أقامتها السلطات في هذه المنطقة الواقعة غربي البلاد”.
وأشارت الصحيفة إلى أنه “بعد نفي وجود هذه المعسكرات لعدة أشهر، أقر حاكم إقليم شينجيانغ، شهرات زاكير، بوجود هذه الممارسات في العام 2018، إلا أنه اعتبرها مراكز للتدريب المهني أو التكوين المهني، تهدف لمحاربة التطرف، وادعى أنها تحترم حقوق الإنسان”.
وأوردت الصحيفة أن مبعوثها إلى كازاخستان، خافيير اسبينوزا، تمكن من الحديث مع عدد من ضحايا هذه الحملة المتطرفة التي تقوم بها السلطات الصينية ضد المسلمين.
وفي هذا الصدد، أكد اسبينوزا أن “ما تعرض له هؤلاء يشبه الحملة التي حصلت في عهد الزعيم الشيوعي، ماو تسي تونغ. وعموما، يتمثل الفرق الوحيد في أن الهدف المعلن في تلك الحقبة كان “قمع انحطاط البرجوازية”، وهي الشعارات التي كانت مرفوعة حينها. في المقابل، يتعلق الهدف في الوقت الراهن بتأكيد عُلويّة الحزب الشيوعي الصيني مقارنة بالديانة الإسلامية”.
وذكرت الصحيفة أنه لتحقيق هذا الغرض، “تم إجبار الشاب جاركنبيك أوتان على حضور عملية حرق لكومة من القرآن والملابس المستخدمة في الصلاة”.
ومن جهته، قال شاهد آخر يُدعى أمنوان سيتولي، الذي اعتقل هو أيضا في هذه المعسكرات في شينجيانغ وقضى فيها شهرين: “لقد أجبرونا على تكرار 126 جملة ضد الدين، على غرار أن الدين هو أفيون الشعوب”.
وأشارت الصحيفة إلى أنه “على عكس ما تدعيه السلطات الصينية من طابع تطوعي لهذه المعسكرات، أكد جميع شهود العيان أنهم أرسلوا إلى هناك بالقوة، وعانوا من سوء المعاملة والحرمان ومن جلسات مكثفة للتلقين وغسيل الدماغ”.
ويصف أحد هؤلاء الشهود، أورنبيك كوكسيربغ، تلك التجربة بأنها كانت بمثابة جحيم. وقد قضى هذا الرجل 125 يوما في السجن، يتعلم خلالها الأغاني الحمراء، وهي الأناشيد الخاصة بالحزب الشيوعي الصيني، على الرغم من عدم فهمه لما تعنيه.
وتضيف: “كان الحراس يمتلكون طرقا خاصة بهم لتلقينه هذه الشعارات والأناشيد، وهي طرق تتسم طبعا بالوحشية والعنف، حيث يضعونه في حفرة عمقها حوالي مترين، ويصبون عليه الماء، ويتركونه ليعاني من الصقيع، خلال ليالي شهر كانون الأول/ ديسمبر”.
وذكرت الصحيفة أن تورسينبيك كابي، أحد المنحدرين من إقليم شينجيانغ الذي كان يعيش في كازاخستان، قد أخبرته السلطات الصينية خلال فترة اعتقاله بأن “دولة كازاخستان هي ضمن قائمة 26 دولة خطيرة، كلها عربية أو إسلامية، وكل من زارها أو عاش فيها قد تأثر بأفكارها الإرهابية أو المتطرفة”.
ونقلت الصحيفة رأي جيروم كوهين أحد أبرز الخبراء في النظام القضائي الصيني، حيث يرجح أن “معسكرات العمل القسري التي يعتقل فيها المسلمون في إقليم شينجيانغ الصيني، ربما تكون برنامج الاعتقال الجماعي الأكبر من نوعه في هذه الدولة الآسيوية منذ 60 عاما”.
وفي السياق ذاته، يقول الباحث الألماني المختص في شؤون شينجيانغ أدريان زين، إن “هذه المنشآت المخصصة لهذا البرنامج قد يتجاوز عددها الألف، وقد تمكن معهد السياسات الإستراتيجية في أستراليا من تحديد مواقع 28 منها، باستخدام صور الأقمار الصناعية”.
وأوضحت الصحيفة أن “ضحايا هذه المعسكرات يتحدثون عن الروتين نفسه، حيث أنهم يتم إيقاظهم في الساعة الخامسة صباحا، وبعد القيام بتمارين رياضية وتنظيف غرفهم، يتم إجبارهم على تخصيص ثمان ساعات لتعلم التاريخ الصيني وكتابة لغة المندرين الرسمية، باعتبار أن الكازاخ والإيغور لديهم لغة خاصة بهم مختلفة عن الصينية، كما يتم تلقينهم العقيدة الشيوعية”.
ويراقب المدرسون في هذه المراكز مدى استيعاب المعتقلين لهذه الأفكار. وقد ينتهي الأمر بأولئك الذين يفشلون في الاختبار إلى تصفيد اليدين والبقاء في الحبس الانفرادي. كما أن عملية غسيل الدماغ الضخمة التي تنفذها السلطات الصينية لا تقتصر على المعتقلين في معسكرات العمل القسري، بل امتدت إلى مختلف أنحاء الإقليم.
ونقلت الصحيفة عن تورسينبيك كابي، قوله إنه على الرغم من قضائه لسبعة أيام فقط في السجن، إلا أن معاناته تجاوزت العام الكامل، بعد أن تعرض لعقوبة من نوع آخر، حيث قامت السلطات بمصادرة جواز سفره، وفرضت عليه الإقامة الجبرية في القرية التي ينحدر منها، وأجبرته على المشاركة في الجهود التي تبذلها السلطات لتغيير الأفكار الدينية للسكان المسلمين.
وفي كل صباح، كان كابي وبقية المكلفين بهذا البرنامج يقومون بجمع سكان القرية، ويجبرونهم على حضور تحية العلم، فضلا عن حضور حصة ترديد أناشيد شيوعية، والتدريب على الإيمان بآيديولوجيا الحزب الحاكم.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]