اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

"إن الأمم التي تريد الحياة يجب أن تدميها المصائب": بقلم فنيار أبو حصيرة

 
قالت إحدى الكاتبات:
 
إن الامم التي تريد الحياة يجب أن تدميها المصائب, وتهذبها النائبات, والأمم الخليقة بالمجد في استطاعتها أن تتحمل الاَلام والأخطاء, حتى تصل إلى غايتها.
 
نتحدث عن الشعوب أحيانا فنقول: إن الشعب - كذا- شعب متخلف خامل, وغيره شعب حي ذكي, ولو دققنا النظر ورجعنا إلى تاريخ الشعوب لوجدنا أن الشعوب التي نطلق عليها نحن إسم الشعوب الحية, هي الشعوب التي كابدت من المصائب وصارعت الأهوال, وتحملت الويلات وتجرعت الاَلام, فصمدت لكل هذه النائبات وتغلبت على مجمل الكوارث, فما من مدرسة تفوق مدرسة الألم في النتائج, وما من مارد يقوى على مصارعة الاهوال والويلات كالإنسان.
 
الإنسان كفرد وجماعة, هو وحده سيد الأرض التي نحيا عليها, يُوقِف ثورات الطبيعة إن حاولت الطغيان والتمرد عليه, فيقيم السدود ويشق الأنفاق, ويمد الطرق ويبني الجسور, يحارب الأوبئة ويناضل ضد التخلف, وهو الذي يحقق أمنه بيده, فينظم الجيوش التي تصد هجمات المستعمرين, ويحفظ للوطن عزته وكرامته, ويسن الشرائع والقوانين التي تذود عنه الفوضى وتكفل له حقوقه, ويختار الحكام, فيبوئهم سدة الحكم, ويطلق ايديهم في مقدراته, ويقلب بالحكام العروش, ويسترد منهم السلطة إن هم جاروا وظلموا, وتتطور المجتمعات مستفيدة مما تمر به من دروس قاسية شديدة لا ترحم.
 
وهذه الدروس متنوعة, فهي تارة طبيعةٌ جبارة, زلازل وسيول, حرائق وبراكين, أعاصير وعواصف, ثلوج وأمطار, جرد وأوبئة وأمراض, جفاف وقحط, إنها دروس عملية وتطبيقات حية ليس للنظريات فيها مجال, وعلى الامم أن تتعلم من الدرس القاسي والتجربة المريرة, فتقيم السدود, وتختزن المياه, وتطور المباني, وهي قد تمر خلال ذلك بأخطاء فادحة, ولكن هذه الأخطاء لا تؤثر مطلقاً على خط سيرها, ولا تحرفها أبداً عن غايتها وأهدافها.
 
وهي طوراً, جيوش زاحفة, وسيوف لامعة, ومدافع تقذف من أفواهها حمما تتفجر, فتنثر الخراب والدمار, وتزرع الموت, فإن لم تقف الشعوب  وفي وجهها جيوشاً منظمة, وإرادة فولاذية, وسلاحا أشد وأفتك ما يكون السلاح, وكرامة تسترخص دونها الأرواح, بُيدت وانقرضت وبادت, إنها دروس قاسية ولكنها لا يمكن أن تنسى أبداً.
 
قد تكون هذه الدروس من نوع اَخر, إنها ليست منصبة من الخارج, وإنما هي نابعة من المجتمع ذاته, هذه الدروس تتمثل أحياناً فيما يصيب الأمة إذا فسدت أخلاقها وخمدت ضمائرها وتفسخت أفكارها, وقاست عن الواجب, وساد فيها الفجور والرذيلة والظلم والكسل والتبلد, فإن لم تبادر الامة بتعديل ما فسد من الأخلاق, وتوقظ ما عفا من الضمائر, وتصلح عوج المجتمع وتبعد الرذيلة, وتنشط الهمم من أجل البناء, وتقوي الفكر والعزائم, وتصمد للظلم حتى ينجلي ويزاح, وتستأصل الكسل, فإنها- إذا لم تبادر إلى ذلك كله- سائرة بخطاً حثيثة إلى الفناء والتلاشي.
 
إن الأمم التي تريد الحياة هي وحدها التي تستطيع أن تصبر وتناضل, وتنتفع بالدروس والعظات التي تمر بها, فتكون بذلك أمه حيه, خليقة بالبقاء والمجد, والأمم التي تتطلع إلى الحياة المثلى وتتسامى, هي الأمم التي تستطيع التحمل والصمود, بصبر وقوة وعزم وثبات, لا تثنيها الأخطاء, ولا يضعف من عزائمها الفشل, ولا يقف بينها وبين التقدم إلى غايتها, وبلوغ أهدافها, والحفاظ على وجودها, أي حاجز وأية عقبة مهما بلغا من الشدة والقوة.
 
وكما قال الله تعالى في كتابه العزيز:
(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا). صدق الله العظيم

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

1
الله على جمال الكلام احسنت/ي
عابر - 21/02/2018
رد
2
روعه اولا اهنئك على ما كتبتي ، اتمنى ان تكملي مشوارك الكتابي الممتع
روضه ابو عماره - 31/01/2015
رد
3
التعقيب الله واكبر ولله الحمد احسنتي اختي بالله كلام معبر وكم نحن في مدينة يافا بحاجة ان نبدأ نحوه التفكير بما ذكر أعلاه بارك الله فيك
محمد اشقر ابو غازي - 31/01/2015
رد
4
كل احترام علا كلامك ابدعي وزويدينا دوما -الله يسعدك -
عزيزه - 30/01/2015
رد

تعليقات Facebook