اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

كلاهما خطاب مرفوض - بقلم: الشيخ رائد صلاح

 
هما خطابان متطرفان، ولأنهما متطرفان فهما مرفوضان. أما الخطاب الأول منهما فهو الذي يقوم على خلفية دعوة الناس إلى الإسلام دون فهم أولا لأساليب هذه الدعوة التي أمر بها القرآن الكريم، وللأساليب التي لا تتفق مع هذه الدعوة، والتي نهى عنها القرآن الكريم، ثم دون التزام ثانيا بهذه الأساليب القرآنية للدعوة إلى الإسلام. فإن خطابا يفتقر إلى فهم هذه الأساليب القرآنية والالتزام بها، هو خطاب سيقود صاحبه إلى التطرف، وإن كان يحمل في داخله كل النوايا الحسنة. ولأنه سيقوده إلى التطرف فهو خطاب مرفوض.
 
ولذلك فإن القرآن الكريم لم يأمرنا بالدعوة إلى الإسلام فقط، بل أمرنا بالدعوة إلى الإسلام وحدد لنا أساليب هذه الدعوة المطلوبة، وحدد لنا في نفس الوقت الأساليب المرفوضة. وعلى سبيل المثال نقرأ في القرآن الكريم قول الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). ففي هذه الآية يأمرنا القرآن الكريم بالدعوة إلى الإسلام، ويحدد لنا الأساليب المطلوبة لهذه الدعوة وهي (.... بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)، فالمطلوب أن تكون الدعوة إلى الإسلام قائمة على (الحكمة) وقائمة على (الموعظة الحسنة) وقائمة على (الجدال بالتي هي أحسن)، وحتى تكون قائمة على هذه الأصول فيجب فهم هذه الأصول أولا في ميزان القرآن الكريم، بمعنى أنه يجب أن نفهم أولا ما معنى (الحكمة) في القرآن الكريم، ويجب أن نتمسك بها، وبذلك نكون قد دعونا إلى الإسلام بالأساليب القرآنية، وكذلك الحال بالنسبة إلى أسلوب (الموعظة الحسنة) وأسلوب (الجدال بالتي هي أحسن). فيجب أن نفهم معناهما في القرآن الكريم، ويجب أن نتمسك بهما، وبذلك نكون قد دعونا إلى الإسلام بالأساليب القرآنية. ويعزز هذه المعاني قول الله تعالى في القرآن الكريم: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين)، حيث من الواضح -وفق هذه الآية القرآنية- أن ندعو إلى الإسلام بالأسلوب الذي تحدده هذه الآية (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا) أي بأسلوب (القول الحسن) وأسلوب (العمل الصالح).
 
وكما حدد لنا القرآن الكريم الأساليب المطلوبة للدعوة إلى الإسلام فقد حدد لنا الأساليب المرفوضة. وعلى سبيل المثال نقرأ قول الله تعالى في القرآن الكريم: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي). وهذا يعني أن القرآن الكريم ينهانا عن إكراه الآخر على الإسلام، ونقرأ قول الله تعالى: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، وهذا يعني أن القرآن الكريم ينهانا عن فظاظة اللسان وغلظة القلب. ويعزز هذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لم نُبعث لعانين ولا شتامين". وهذا يعني أنه لا يمكن أن تقوم الدعوة إلى الإسلام على لعن الآخر أو على شتمه، مهما كانت غفلته أو ذنوبه أو ضلاله. ونقرأ قول الله تعالى في القرآن الكريم: (إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر)، وهذا يعني أنه لا يمكن أن تقوم دعوة إلى الإسلام على أسلوب الهيمنة والعنف والاستبداد.
 
بناء عليه فإن الدعوة إلى الإسلام جاءت رحمة للعالمين لا قسوة عليهم وجاءت نورا لهم لا نارا عليهم وجاءت هداية لهم لا غضبا عليهم.
 
وبناء عليه فإن الدعوة إلى الإسلام جاءت لتقول للناس نحن "دعاة لا قضاة"، ونحن "دعاة لا بغاة"، ونحن "دعاة لا طغاة".
وبناء عليه فإن الدعوة إلى الإسلام جاءت لتأخذ بيد الناس بحب ورفق وحنان لتنقلهم من ظلمات الضلال إلى نور الإسلام، ومن عذاب الانحراف إلى نعمة الهداية، ومن شقاوة الذنوب إلى سعادة الإيمان والتوبة والطاعة والالتزام.
 
وبناء عليه فإن الدعوة إلى الإسلام ما جاءت سوطا على ظهور الناس، بل حبل نجاة لهم. وما جاءت لتحرق الناس بل جاءت لتنقذهم من النار، وترشدهم إلى سبيل الله تعالى الذي يقود صاحبه إلى الجنة.
 
وبناء عليه فإن الدعوة إلى الإسلام ما سمحت لنفسها في يوم من الأيام أن تتبنى أسلوب تكفير الناس ولا تفسيقهم ولا لعنهم ولا توزيع صكوك الغفران أو إطلاق النيران عليهم. والمطلوب سلفا من كل من يريد أن ينذر نفسه للدعوة إلى الإسلام والذب عن حياضه –وهو مشكور سلفا – أن يتحلى بالأساليب التي أمر بها القرآن الكريم في الدعوة إلى الإسلام، وأن يتجنب كل الأساليب التي نهى عنها القرآن الكريم في الدعوة إلى الإسلام، وأن ينعكس ذلك على لسان هذا الداعية إلى الإسلام وعلى قلمه وعلى مقاله في الصحيفة وعلى تغريدته في صفحات التواصل.
 
ثم لا أتردد أن أقول: هناك في المقابل الخطاب الثاني المرفوض، وهو الخطاب الذي يقوم على خلفية مصادمة الإسلام في آدابه وأخلاقه وقيمه وحدوده ومحارمه، بلغة التصريح أو التلميح، تحت أي مبرر كان، حيث أن أي مبرر، مهما كان، يدفع بصاحبه أن يتبنى خطاب مصادمة الإسلام وأصوله بلغة التصريح أو التلميح، هو خطاب مرفوض، وهو مبرر مرفوض، وإن كان في ظاهره مبررا مزخرفا. وعلى سبيل المثال؛ لا يعقل التصادم مع آداب رمضان بادعاء إحياء ليالي رمضان. 
 
ولا يعقل استيراد قيم هجينة مصادمة لقيم الإسلام بادعاء الحداثة والتحضر والتطور.
 
ولا يعقل التنكر للقيم الفلسطينية والعربية والإسلامية بادعاء الالتزام الوطني أو القومي. سيما وأن كل حر عاقل يدرك أنه ما كان هناك في يوم من الأيام فِصامٌ نكدٌ بين الوطنية والقيم الفلسطينية، أو بين القومية والقيم العربية، وما كان هناك في يوم من الأيام فصام نكد بين الوطنية والإسلام أو بين العروبة والإسلام، بل كان ولا يزال معروفا، عند أرباب الفهم السليم، أن كل مسلم هو وطني بالضرورة. وهاكم السلطان صلاح الدين الأيوبي؛ ما كان عربيا في نسبه ولكن فهمه السوي للإسلام دفعه أن ينذر حياته للدفاع عن أرضنا وعن قدسنا وأقصانا. وهاكم الشيخ عز الدين القسام ما كان فلسطينيا في نسبه، ولكن فهمه السوي للإسلام دفعه أن يجود بروحه لمقاومة المشروع الصهيوني في بدايات تكوينه. وعليه فإن كل حر عاقل يدرك أنه لا يمكن له أن يفصل بين الوطنية الفلسطينية الملتزمة وبين القيم الفلسطينية. ولا يمكن له أن يفصل بين القومية العربية الملتزمة وبين القيم العربية. وإن كل حر عاقل يدرك أن الانتماء للوطنية الفلسطينية الملتزمة والانتماء إلى القومية العربية الملتزمة هو من مفردات الانتماء إلى الهوية الإسلامية. وهذه هي الوحدة بين كل المكونات التي نتمنى على الجميع أن يدركها سلفا. ونرجو ألا يزايد أحد على الحركة الإسلامية. 
 

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

تعليقات Facebook