اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

"راكب الريح" لـيحيى يخلف .. رواية ترسم طريق العودة إلى يافا

 
 
يعد يحيى يخلف من أشهر كتاب الجيل الثاني من الروائيين الفلسطينيين، بعد مرحلة غسان كنفاني وأميل حبيبي، وجبرا إبراهيم جبرا، ليس بسبب روايته "راكب الريح" هذه، بل لأنه منذ روايته الأولى "نجران تحت الصفر".
 
يبدو أن بين رواية "راكب الريح"، وبين باقي رواياته السابقة، اختلاف في الأسلوب، إذ أنه هنا يعطي الفنون، والرومانسية والخيال مساحة أكبر، إذ يكتب ص 53: "كانت السيدة العيطموس تلبس ثوبا يافاويا مطرزا برسومات النجوم، وعرق الريحان وساعة الحياة، وتغطي شعرها بغطاء من الحرير بلون البحر، وتبدو حيوية وجهها مضيئة كأنما الهواء المشبع برائحة البرتقال يرسل بين الفينة والأخرى نسمة طرية إلى محياها..".
 
وعن الأسلوب المتطور لدى يحيى يخلف، نلاحظ بصمات "ألف ليلة وليلة، الرواية" الأم، إذ يكتب ص 106: "كان ياما كان، في زمن من الأزمان، قائد مغولي اسمه تيمور، بيته سرج حصان، وصديقه سيفه. هو ملك الغزاة، وفاتح البلدان" فتلاحظ القص داخل القص.
 
وفي الرواية دراما وشد وتوتر، إذ نقرأ في ص 114: "وتوقفت أسرار عن السرد قليلا، فهبت النساء هبة واحدة، وسألن: هل قبضوا عليه؟ هل فصل تيمور رأسه عن جسده؟ أشارت لهن بيدها كي يتمهلن، وأكملت".
 
ولعل أكثر صفحة أدهشتني في الرواية، قوله في صفحة 120: "لقد تعرضت للخطف من قبل الجنود العثمانيين الانكشاريين. حتى الوالي لا سلطة له عليهم. الأقدار فرضت عليّ حياة بائسة في زنزانة اسمها قصر السلطانة. زنزانة فيها من الذكور خصيان بؤساء، وفحول يصطادون الجواري، وغيرهم لا أحد. زنزانة تتعارك فيها المسجونات من السبايا من أجل الظفر برضا السجان. كل منهن تحلم بالحبل من سلطان شبق يحكم دولة، ويغرق بالملذات، ولا يعير انتباها لرعيته".
 
هذا النص أشعرني أننا نعيش اليوم، مرحلة حكم السلطان العثماني وجيشه الانكشاري الذي يبطش بالشعب الفلسطيني الأعزل، بينما الوالي لا سلطة له عليهم.
 
وفي الرواية تفصيل يوضح معرفة الروائي بمواد رسم اللوحات العالمية، إذ يكتب ص 79: "تفقّد إطار اللوحة، وقماش الدمور المشدود إليه، وأغلق مساماته بمعجون (الجيسو) حتى لا تتسرب الألوان الزيتية، وشده بقوة لكي تكون أبعاده متساوية". وهكذا يستمر يخلف بتوضيح مهنية فن الرسم، وكأنه رسام فنان محترف.
 
يكتب لنا اليوم خيالات سحرية وصراعات، حول يافا ونابليون، وكأنه يكتب عن فلسطين والصهاينة الجدد، بينما كان في رواياته السابقة يكتب بواقعية أوضح.
 
ويبدو أن يخلف استفاد لتقنيات هذه الرواية من التاريخ، وما تراكم لديه من معرفة ثقافية حضارية غنية، فتمعن في تصوير أدق تفاصيل الحياة الاجتماعية للحقبة التاريخية التي اختار أن تعيش فيها شخصيات روايته، وهي الممتدة من بين ولادة شخص الرواية الرئيس، يوسف، في يافا، لأب امتهن التجارة فخرج عن تقاليد أسرته في امتهان صيد السمك، يوم غزا القائد المصري محمد بك أبو الذهب يافا، لافتكاكها من الزعيم ظاهر العمر، وإعادتها إلى حظيرة الامبراطورية العثمانية.
 
في تلك الأيام التي شهدت حربا دموية وتخريبا وخرابا، إلى غزو نابليون لفلسطين وهزيمته المدوية بعد أن دمر يافا، وقتل جنوده بوحشية عددا كبيرا من السكان، وخربوا كل ما فيها، وعاثوا في الأرض فسادا، ليعود أهل يافا للبناء من جديد، وفي هذا وحده تعبير عن الاحتلال الذي تتعرض له فلسطين هذه السنوات.
 
يبدع يوسف في بداية مراهقته في ركوب الريح، والقفز من أعلى برج على سور يافا إلى البحر، إذ يثب وثبة نمر، ويطير في الفراغ، فيحظى بإعجاب كل سكان يافا بمن فيهم نساء حرملك الوالي العثماني، ويصبح قبلة شباب البلد الثائرين على الاحتلال، وتظهر قدراته الخارقة، عندما واجه الحوت الذي سكن أمامه هادئا محملقا فيه، فعاد أدراجه دون ان يؤذيه، فظن الوالي العثماني وأهل يافا، أنه حوت النبي يونس، وأن للفتى قدرات خارقة، وبينما هو يكبر، تجده يُظهر مهارة عالية في تعلم فنون الخط والرسم.
 
ثم تتبدى لديه قدرات جسدية خارقة للمألوف، إذ تجده يتمكن وحده من هزيمة جيش الانكشاريين، عندما تعدّوا على أهل يافا، ضمن صراع مع السلطان العثماني وواليه على يافا، فكان هذا مدعاة لنفيه، وابعاده عن "العيطموس"، المرأة فائقة الجمال، محظية شركس بك، إلى الشام لدراسة هندسة العمارة.
 
وبينما هو يبحث عن الحياة والعلم والمعرفة في الشام، تتعرج أحداث الرواية وتتشعب، فتظهر المرأة أمامه بصفتها امرأة الغواية، مما تجعله يُعتقل ويهان، ويستبعد في رحلة الى أضنة العثمانية، فيعمل لدى فريق من المتدينين الهنود في الخط وتزويق وتزيين كتاب لحكيم هندي يريد أن يوصل حكمة الشرق إلى الغرب، لعل وعسى أن يتفهم الغرب الشرق، ويتوقف عن عدوانه الشرس المستمر على الشرق.
 
ويبرع يحيى يخلف في سرد هذه الأحداث المتلاحقة، إذ يتعلم يوسف من الحكيم الهندي فنون السيطرة الإيجابية على القوة الخارقة، التي تكمن في داخله، والتي تمكنه من التحكم بها من مركز العقل والتأمل الايجابي، ويستخدم هذه القوة الخارقة حين عودته إلى يافا، حيث يشاهد الدمار يعم المدينة، ويبحث عن والديه فيعرف أنهما قتلا في الاجتياح الفرنسي الغاشم، ولكنه يجد السيدة العيطموس مريضة بالطاعون الذي ضرب البلاد، تلك المرأة التي كان حبه لها هو السبب في إبعاده إجباريا عن أرض الوطن، ولكنها بقيت حبه الأول والأخير في سكنته في حله وترحاله، فيعمل المستحيل مع الحكيم الهندي لإنقاذ حياتها، وعندما تشفى، يحصل على ثمن رسمها قبلته الموعودة، ويستخدم قوته الخارقة في قتال جنود نابليون، فيشارك بانتصاره هو ورفاقه الثوار عليهم في عودة الحياة الطبيعية إلى يافا.
 
تجمع الرواية بين الأسطورة والخيال والواقع والتاريخ، الذي يؤكد أن فلسطين تتعرض دوما للغزو والعدوان، والتدمير بغطرسة القوة، لكن لأهلها قدرات خارقة للانتصار على العدوان والنهوض من جديد.
 
ننتهي بالقول إن الروائي يحيى يخلف كان قد عمل أمينا عاما لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين عام 1980، ومديرا عاما لدائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية عام1987، وعُيّن وزيرا للثقافة في السلطة الفلسطينية ما بين الأعوام 2003-2006، ومن ثم عيّن رئيسا للمجلس الأعلى للثقافة، ورئيسا للجنة الوطنية الفلسطينية، للتربية والثقافة والعلوم، عام 2007، وترأس وفود فلسطين للعديد من مؤتمرات اليونسكو، والأليكسو. وتفرّغ للكتابة في 2012.
 
ومن مؤلفات يحيى يخلف: رواية "نجران تحت الصفر"، بيروت 1977. ورواية "تلك المرأة الوردة" عام 1980، ورواية "تفاح المجانين" بيروت 1982. ورواية "نشيد الحياة" بيروت 1983. ورواية "بحيرة وراء الريح"، وغيرها. وحديثا صدرت له رواية "راكب الريح" 2016.

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

1
نتابع - 28/02/2017
رد
2
روعه
تامر - 25/03/2016
رد
3
كل الاحترام
كرم - 24/03/2016
رد
4
الله يرحمو كان زلمة منيح
ليلي - 18/03/2016
رد

تعليقات Facebook