اغلاق
اغلاق
  ارسل خبر

" ليافا راكب الريح " تعيد ليافا ذاكرتها ..رواية جديدة ليحي يخلف بقلم "الكاتبة نافلة ذهب"

 
تنطلق أحداث رواية الكاتب الفلسطيني المتميز يحي يخلف , في يافا سنة 1795 عند ميلاد يوسف ابن أحمد آغا وزوجته بهنانة. يوسف هو الشخصية المحورية التي تحرّك الأحداث. 
 
ولد يوسف عندما غزا القائد المصري محمد بك أبو الذهب المدينة " لافتكاكها من الزعيم ظاهر العمر ," في تلك الأيام القاسية التي شهدت حربا دموية وتخريبا وخرابا". يصف المؤلف يوسف كالتالي"كان يوسف وسيما , جميل الطلعة , يمتلك عيني صقر, وحاجبين مرسومين كأنهما خطّا بقلم , وجبينا كالفضة , وشعرا كستنائيا , وأنفا مستقيما , وفما دقيق الشفتين..."ص.7( راكب الريح)
 
يضيف الكاتب " نبغ (يوسف) مبكّرا"وتعلّم اللغة والفقه والعلوم حيث أرسله أبوه , إلى حلقات الدراسة في الجامع الكبير وإلى مدرسة الراهبات لتعلم اللغة الفرنسية بيافا. ثم ولع بالخطّ وأتقنه وأحب الرسم و أتقنه كذلك.
 
اكتسب يوسف صفة " راكب الريح" منذ شبابه حيث كان يتمتع بلياقة جسمانية فائقة مكّنته من اقتحام مجال القفز. كان يقفز من أعلى أسوار يافا إلى مياه البحر العميقة. فتتوقّف حينها حركة الصيّادين وقد رفعوا رؤوسهم إلى الأعلى ,إلى السور الشاهق يراقبون صعود يوسف إلى أعلى برج يصعد " صعود النّمور ويجلس الناس و"عيونهم مشدودة"إلى هذا الصاعد إلى قمّة التلّة . عندما يبلغها..." يفرد ذراعيه على سعتهما مثلما تفعل النسور" ... ثم يثب وثبة نمر , يطير في الفراغ...ويبدو في الفضاء الهائل كقشّة.. حتى يشقّ الموج ويغطس وسط تصفير وصفير وهرج ومرج . ص9( راكب الريح)
 
سيعيش يوسف ابن أحمد آغا أو" راكب الريح "حياة مليئة بالمغامرات في عصره ذاك وسيقع في غرام " العيطموس" ( الجارية التركية المحرّرة) سيدة القصر التي سيرسمها في لوحة فنية راقية. تتوطّد علاقتهما غير أن موقع العيطموس سيجلب له المشاكل فينصحه أبوه بالسفر لتعلم فنّ المعمار و يلتحق بمدرسة الهندسة بدمشق إثر حادثة تعرّض لها.
 
يوسف بطل الرواية مهووس بركوب الريح ولركوب الريح عدّة رموز في الرواية : أحيانا يقصد الكاتب بذلك السفر والترحال كأن يقول "وعندما صحا من نومه , صحا نشيطا , فاغتسل وشرب قهوته , ثم أخذ يفكّر مليا بالرحيل والسفر وركوب الريح"... ويميل البطل إلى الترحال كثيرا .و غالبا ما يفكّر في ذلك بعد مغامرة فاشلة فيلوذ بأماكن أخرى مبتعدا عن مناخ لا يستسيغه بل يضايقه.وهنا يكون ركوب الريح أو السفر هو دواء الروح وانشراح للعين...وفي منعطفات أخرى من الرواية يعبّر ركوب الريح عن قفزات البطل عند مواجهة خطر ما : كما حدث ذلك وهو في طريقه إلى "أضنة " ينوي كتابة نسخة عربية لكتاب عن حكمة الشرق , إذ يتصدى لهجمة فهد كاد أن يفتك بحيواناتهم بقفزة هائلة " إذ داهمت السخونة جسده واشتعلت نيران بداخله , داهمته عاصفة و أثارت حوله زوبعة , نشطت حوله الريح,فقفز عاليا واعتلى الريح وطار في الهواء عاليا ...رفع السوط الذي داخله شواظ من نار عاليا و وبيد من حديد , ضرب الفهد ...وطرحه أرضا وصار يتفعفل في دمائه." ( ص. 230 ) ( راكب الريح)
 
وفي مشهد آخر من الرواية وقد عاد يوسف إلى يافا عندما علم باحتلال جيش نابوليون الفرنسي لها سيظهر قوة جسمانية خارقة في القفز إلى أعلى الجبل ودحر الجيش الفرنسي" إذ يسقط عليهم من عل , وينقضّ عليهم كالنمر , ويجهز عليهم بذراعيه..."ص. 295 ( راكب الريح)
 
يبدو يوسف من الخوارق وفريد عصره, لا يخاف الصّعاب بل يذلّلها في قفزة ذاك الذي" ذاع صيته وبسالته,ونسجت عنه القصص والحكايات ,وسموه في سيرهم وحكاياتهم يوسف اليافاوي..."ص.. 295 ( راكب الريح)
 
رواية يحي يخلف توفّق بين السّرد المحكم وجمال التخيّل دون فضفضة وإنما الالتحام في تناسق ذكي مع نوعية الرواية الخيالية/الأسطورة التي تعتمد التاريخ والترميز في آن : تاريخ يافا ومن خلاله يتجلّى تاريخ فلسطين المتجذّر في العروبة تقابله تجاذبات المستعمرين إزاء بلد جميل بخيراته وأهله ومنجزاته.في المقابل هناك يوسف رمز البطولة بطولة يفعّلها في دحر العدوّ وتحرير يافا وإعادة البناء , بناء الأسواق والبيوت ودعم الحياة الأهلية.
 
تتنزّل رواية " راكب الريح " ليحي يخلف في ثيمة الإصرار على تحرير البلاد و"تفتيق" الطاقة (نرى ذلك من خلال الطاقة الجسمانية والطاقة الفنية مثل الكتابة والتزويق بالخط والرقش)كل ذلك من أجل إعادة إعمار البلاد بعد أن خرّبها العدو والبطل متخصّص في الهندسة المعمارية . رسم يحي يخلف واقع بلاده من خلال استقراء التاريخ المتخيّل ونصب عينيه بلد ينشد الحرية ديدنه في ذلك الإيحاء في لغة شفّافة وأسلوب جميل وصور متفرّدة تنمّ عن جهد وثبات.
 
طوبى لنا بهذه الرواية .
 
تونس في 9-9-2016
نافلة ذهب

بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]

أضف تعليق

التعليقات

تعليقات Facebook