مقتطفات من قرار محكمة العدل العليا البريطانية في الملف رقم 1936-44 الصادر يوم 1936/7/3 بالقضية التي رفعها المواطن جورج ميخائيل القصير من سكان البلدة القديمة في يافا لالغاء الامر الذي تبلغ به هدم داره في يافا القديمة : قاضي القضاة السير فرانس مكدونل : " .....المدعي في هذه القضية قد قام بخدمة عامة بتقديمه هذه الدعوى واظهار ما يجب ان ندعوه " منتهى عدم الشجاعة الادبية الفريدة في بابها " من قبل الادارة في فلسطين فيما يتعلق بهذه الحوادث . ...ولا شك انه كان مما يشرف الحكومة اكثر لو انها بدلا من ان تذر الرماد في عيون الشعب بادعائها ان الموحي لعملية الهدم هو التحسين والتجميل والعمل لتنظيم المدينة او رعاية الصحة العامة ,قالت بصدق وبساطة ان الهدم المنوي اجراؤه كان المقصود منه الدفاع عن فلسطين الذي يعني- كما يجوز ان يعتقد كل شخص – ان ذلك يقصد به التسهيل لدخول القوى العسكرية وقوى البوليس الى الاحياء الغاصة بالسكان في المدينة المذكورة ....يجب عليها ان تفعل ذلك بكل صراحة وصدق وعدم قيامها بذلك لا يمكن ان ينال الرضى بل هو موجب التأنيب ".
القاضي البريطاني الاول ماننغ :" ....ان المستر كنتروفتش (محامي الحكومة المركزي) وجد نفسه في مركز لا يحسد عليه اذ كان من الواجب عليه ان يفسر وقائع مشوهة يظهر له انه يمكن تفسيرها. اذ قال ان الحكومة سارت على سياسة الغش والخداع بغير ادب : لو قيل لسكان يافا ان بيوتهم ستهدم وفقا لنصوص امر الملك الخاص لتعذر عليهم فهم الحقيقة ولذلك كان يجب بان يقال لهم بان بيوتهم ستهدم لصالحهم ولتحسين المدينة وقد كان مجمل كلامه " لو قلنا الحقيقة لتعذر افهامهم لذلك اعتقدنا ان الافضل لهم الكذب " اما انا فلا يمكني مطلقا ان اقبل او اسمع مثل هذه المرافعة ولا يمكنني ان افهم كيف كان السكان يخدعون فيما لو قيلت لهم الحقيقة .....الحقيقة الناصعة ان الاهالي خُدعوا بصورة فظيعة ...".
خلفية نسف احياء البلدة القديمة
لقد جرت عملية نسف بيوت البلدة القديمة على خلفية اوضاع صعبة في فترة زمنية عصيبة كانت تمر على فلسطين من اندلاع المظاهرات ضد الاستعمار البريطاني والعصيان المدني بالامتناع عن دفع الضرائب وثم المقاومة المسلحة او ثورة سنة 1936 التي سميت ايضا بثورة فلسطين الكبرى .
لقد كان رد فعل الحكومة البريطانية وحشيا فقد ابتدأت فظائع التفتيش الاجرامي في البيوت على الثوار في المدن والقرى وهدم الكثير من البيوت لتخويف الاهالي مما تسبب بترك الكثير من سكان القرى بيوتهم لفظاعة رد فعل السلطة . وفرضت السلطة غرامات مجحفة على القرى والمدن , فقد فرضت على غزة غرامة بمبلغ 1000 جنيه بسبب اتلاف خطوط اتصالات ومحاولة تخريب سكة حديد. مثال آخر كان فرض عقوبة تقديم 300 دجاجة و500 بيضة وخمسة خراف على قرية عزون وغرامات اخرى على بلدات كثيرة .
وسيلة اخرى لمعاقبة الاهالي كانت نسف البيوت التي اتهم اصحابها بالمشاركة بالثورة .ومنها ثلاثة دور باللد و سبعة دور بالخليل و 11 بيتا في نابلس ودار كبيرة في اندور مؤلفة من ثلاثة طوابق مملؤة بالحاصلات الزراعية وقد كان تقدير الضرر بسبب نسف هذه الدار بما فيها مبلغ 15 الف جنيه, وستة دور في منطقة بئر السبع لعائلة الترابين , وقد وصل عدد البيوت التي نسفت المئات .
ولعل عنوان جريمة نسف البيوت هو ما حصل في البلدة القديمة بيافا يوم 1936/6/18 اذ جرى في البداية نسف 70 دارا تسكنها حوالي 150 عائلة وفي المرحلة الثانية يومي 29 و30 من الشهر ذاته تم نسف 150 دارا تسكنها حوالي 300 عائلة . اضافة لذلك نسفت الحكومة 100 تخشيبة في جبالية و300 تخشيبة في ابو كبير وغيرها وبهذا اصبح حوالي 10000 الاف مواطن من سكان مدينة يافا دون مأوى ومن ضمنهم ايضا سكان من المنشية التي نسفت بيوتهم قبل ذلك .وحتى بعد ذلك استمر نسف دور كثيرة سقطت عليها حجارة الدور التي نسفت وتضعضع بنائها كما حصل بدار جورج القصير المدعي في القضية اعلاه, الا انه في نهاية المطاف اعترفت الحكومة ان دار جورج القصير لا يشملها خطر وقوع الحجارة بالرغم من امر اخلاءه لبيته .
وعود على بدء , لقد سبق نسف البلدة القديمة توزيع مناشير على السكان لشرح اهداف النسف بانها لتنظيم ,تحسين وتوسيع المدينة لمصلحة سكانها ,الا ان السلطة اعترفت امام المحكمة في القضية اعلاه وكذلك في تقارير لاحقة ان الهدف كان كما جاء على لسان وزير المستعمرات اورمبسي غور يوم 1936/6/19 امام مجلس العموم البريطاني ان المنطقة قد نُسفت " ...... بعد ان كانت مركزا للمترصدين .وملجأ الخارجين عن القانون , لا يستطيع رجال السلطة الدخول اليها "
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]