كان ذلك يوم الخميس الماضي القريب الموافق 2024/8/1، عندما كنتُ أشارك في اعتصام قبالة سجن مجدو في ساعات العصر بمبادرة من لجنة المتابعة العليا ولجنة الحريات المنبثقة عنها، وكان على مقربة منا شاخصة ضوئية، وفجأة توقف سرب السيارات التي كانت مُتجهة نحو الناصرة لأن الشاخصة الضوئية كانت قد أضاءت اللون الأحمر، وحتى الآن كل شيء طبيعي لا غبار عليه، ولكن الغريب الذي حدث أن سائقًا إسرائيليًا كان يستقل سيارة وكانت من ضمن سرب السيارات التي توقفت عند تلك الشاخصة الضوئية، فنظر إليّ والتقت عينايّ بعينيه، فأخذ يُشير بأصبعه إشارات مُسيئة، فما كان مني إلا أن أخذت بهز رأسي بصمت مُبتسمًا، ثم تمادى وأخذ يشير بيده إشارات مُسيئة، فبقيت على حالي أهز رأسي بصمت مبتسمًا، فأخرج مسدسه وأخذ يلوح به، كما يشهد على ذلك الشيخ كمال خطيب الذي كان يقف بمحاذاتي، ثم لمّا أضاءت الشاخصة الضوئية اللون الأخضر أقلع بسيارته مبتعدًا عنا إلى وجهته التي لا أعرفها، وهكذا انتهى هذا الحدث ولعل البعض منا يظنه حدثًا عابرًا، وهو مخطئ، فهو ليس بحدث عابر، بل هو حدث خطير يحمل مؤشرات خطيرة ودلالات خطيرة يجب أن نقف عندها، ونذّكر بعضنا بها، قبل أن يحدث ما هو صادم لا قدر الله تعالى وقوعه، وعليه أذكر بما يلي:
1. هذا السائق الإسرائيلي الذي لوّح بمسدسه وهو يستقل تلك السيارة والذي أشار بأصبعه ثم بيده إشارات مسيئة حتى يستثير المعتصمين الذين كانوا قرابة المائتين، لعله طمع أن يصدر من واحد من المعتصمين ردًا مستعجلًا ولو كان ردًا ساذجًا عاديًا، حتى يتكئ عليه ذاك السائق الإسرائيلي، وحتى يقول فيما بعد كانت حياتي في خطر، فاضطررت أن أطلق الرصاص على المعتصمين دفاعًا عن نفسي!!، ولعله لو حدث ذلك كان سيقتل البعض منا، وكان سيجرح البعض منا، وكُنا سنتحول إلى مُتهمين رُعاع همجيين حاولوا الاعتداء على سائق إسرائيلي بريء أعزل، وكادوا أن يوقعوا عليه (لينش) لولا أنه تحلى بالشجاعة ودافع عن نفسه!!، ولعل البعض من المجتمع الإسرائيلي كان سيُطالب بمنحه وسام بطولة رسمي باسم كل المؤسسة الإسرائيلية، ولعل المعتصمين منا الذين كانوا في ذلك الاعتصام ولم يُقتلوا ولم يُجرحوا كانوا سيتحولون إلى مُتهمين، ولعل بعض الأذرع الأمنية الإسرائيلية كانت ستُطاردهم اعتقالا وتحقيقًا ومُحاكمة، ولعلهم كانوا سيفشلون بإثبات براءة أي واحد منهم، ولعله كان سيُحكم عليهم بالسجن لسنوات طويلة، وما أجواء المحاكمات على خلفية هبة الكرامة عنا ببعيدة، ولعل من حُكم عليهم من أهلنا لسنوات طويلة على خلفية هبة الكرامة أوضح مثال على ما أقول.
2. مما يؤكد ما قلته عما وقع في ذاك الاعتصام هو ما وقع في ختام المظاهرة التي كانت يوم السبت الماضي القريب الموافق 2024/8/3، بمدينة أم الفحم في ساعات العصر، والتي دعت إليها لجنة المتابعة العليا واللجنة الشعبية بأم الفحم، وقد كانت المظاهرة ناجحة وكانت رسالتها ناجحة، وحظيت بتغطية إعلامية ناجحة، واستقطبت أعدادا بالمئات من أم الفحم وخارجها، وشهد ختام تلك المظاهرة مهرجانًا خطابيًا أداره بنجاح رئيس اللجنة الشعبية بأم الفحم الأستاذ مريد فريد، وتكلم في ذاك المهرجان رئيس بلدية أم الفحم د. سمير صبحي، ثم تكلم فيه ناشطان يهوديان يرفضان الانخراط في الخدمة العسكرية الإلزامية الرسمية، ثم كان مسك ختام ذاك المهرجان كلمة رئيس لجنة المتابعة العليا الأستاذ محمد بركة، ثم انتهت المظاهرة، ولكن قبل أن يتفرق المشاركون فيها، فجأة اقتحمت قوات رسمية مُلثمة محطة المظاهرة الأخيرة بحجة اعتقال أحد المتظاهرين، دون أن نعرف السبب، ودون سابق إنذار، ولا أدري هل كان المطموع به من بعض المتظاهرين أن يعترضوا على ذاك الاعتقال الغامض، الذي وقع بأسلوب غير مُبرر؟!!، وهل كان المطموع به لدى بعض الأذرع الرسمية أن يقع ذاك الاعتراض من بعض المتظاهرين، حتى يوفر ذريعة لضرب كل المتظاهرين بالهراوات كحد أدنى، أو إلقاء قنابل مسيلة للدموع كمرحلة ثانية بحجة أن تلك القوات الرسمية الملثمة اضطرت أن تفرّق المتظاهرين والقضاء على الشغب الذي صدر منهم، ولعل البعض كان يطمع بأكثر من ذلك، ولعله كان يطمع أن تنتقل تلك القوات الرسمية الملثمة من مرحلة الضرب بالهراوات إلى مرحلة إلقاء القنابل المسيلة للدموع ثم إلى مرحلة إطلاق الرصاص على المتظاهرين بحجة أن تلك القوات الرسمية الملثمة أصبحت حياتها في خطر!!، ثم ليكن بعد ذلك قتلى وجرحى ومعتقلون!!، هل هذا ما كانت تطمع به بعض الأذرع الرسمية، وهي صناعة المبررات لتسويغ البطش بنا بلا هوادة في اعتصامنا قرب سجن مجدو، وفي مظاهرة بأم الفحم.
3. إن تعاقب هذين الحدثين خلال ثلاثة أيام فقط يدفعني أن أتساءل علانية: هل هناك البعض ممن يسعى لاستدراج جماهيرنا في الداخل والضغط عليها والتضييق عليها ومواصلة استثارتها وحصارها بأجواء احتقان وتوتر عساه أن يصدر من أفراد منها أدنى تصرف طبيعي ومشروع وموزون، حتى يعتبره هؤلاء البعض ذريعة مواتية لضرب جماهيرنا بيد من حديد، إلى حد البطش بها ومطاردتها بلا حدود، وبلا ضابط من قانون، ثم مواصلة التحريض عليها إلى حد مواصلة المطالبة بحظر لجنة المتابعة العليا ومواصلة التهديد باعتقال رئيسها وأعضائها، ونسج الملفات الموهومة ضدهم بهدف اعتقالهم في أية لحظة، ثم مواصلة محاكمتهم وسجنهم؟!، إلى جانب استغلال أية فرصة مواتية في حسابات هؤلاء البعض لإيقاع أشد أذى وضرر على جماهيرنا في الداخل إلى حد قد لا نتصوره في عقولنا!، ولا يخطر على بال أحد منا.
4. نحنُ في أجواء لم تتردد فيها بعض الشخصيات الرسمية الإسرائيلية أن تهدد أنها قد توقع علينا نكبة شبيهة بنكبة فلسطين التي وقعت على شعبنا الفلسطيني منذ الأربعينيات، فماذا وراء أكمة هذه التهديدات ولماذا الآن؟! وما سر هذا التوقيت بين الكارثة الإنسانية التي لا تزال تقع على غزة منذ أكثر من عشرة أشهر وبين هذه التهديدات التي باتت تقع علينا في الداخل!!، إلى حد أن بعض الشخصيات الرسمية الإسرائيلية باتت تنعت بعضنا بالأعداء عن سبق إصرار وترصد لتسليط سهام التحريض على المنعوتين منا بهذا المصطلح (الأعداء) لشرعنة الاعتداء عليهم في هذه الأجواء الملغومة بالعدوانية والمفخخة بالكراهية، وكأن لسان حال هذه الشخصيات الرسمية الإسرائيلية يصيح محرضًا: عليهم .. عليهم.
5. أنفي السياسي قد يُصيب وقد يُخطئ، وأسأل الله تعالى أن يكون مُخطئًا في هذه المرة، لأنه يقول لي: كأن هناك من يصنع أجواء غامضة ملغومة تُحيط بنا في الداخل لتجديد مشهد نكبة فلسطين مرة ثانية، وكأنه ما كان يكفي تهجير أكثر من خمسمائة بلدة فلسطينية خلال نكبة فلسطين في الأربعينات، وهناك من يُشاطرني هذا الشعور من قيادات سياسية من مجتمعنا في الداخل، وما تنامى هذا الشعور في داخلنا من عبث، بل هناك القرائن التي اجتمعت والتي لا تزال تزداد والتي تنذر بذلك!!، فهل نحن في سكون ما قبل العاصفة؟!، وهل نحن على أبواب عواصف عاتية وزوابع شديدة؟!، وهل نحن بين يدي مفاجآت فاجعة لن ترقب فينا إلًا ولا ذمة؟!، إن مما لا شك فيه أننا نعيش في أيام حُبالى قد تذهل فيها كل مرضعة عما أرضعت، وترى الناس سُكارى وما هم بسُكارى. اللهم ألطف.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]