في الأدبيات الأمريكية المعلنة والتي لا تخفى على احد , أن لا بقاء ولا استمرار ولا استقرار , لأي نظام عربي أو إسلامي خارج عن طوع الإدارة الأمريكية , حتى لو وصل إلى سدة الحكم بالطرق الديمقراطية عن طريق صناديق الانتخاب , والشواهد والأدلة كثيرة على امتداد العالم العربي والإسلامي , من أبرزها فوز الإسلاميين في الجزائر , وفوز الإسلاميين الممثلين بحركة حماس في الضفة الغربية وغزه , وأخرها فوز الإسلاميين الممثلين بجماعة الإخوان المسلمين في مصر في أول انتخابات نزيهة وشفافة في تاريخ مصر المعاصر ,لا شك أن فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات في مصر أقضّ مضجع أمريكا وأعوانها من الأنظمة العربية , وأرعب إسرائيل , واقلق أوروبا الاستعمارية.
لأن في تصوّر هؤلاء أول خطوة سيقوم بها الفائزون الجدد بعد تسلمهم سدة الحكم , هي إخراج مصر من الحضن الأمريكي , وإعادتها إلى محيطها العربي إلى جذورها وأصولها الوطنية والقومية والإسلامية , لتؤدي دورها القيادي في العالم العربي والإسلامي والافريقي من جديد , ولا احد ينكر أن مصر لاعب أساسي في الشأن العربي عامة , وفي الشأن الفلسطيني خاصة , وكذلك لاعب أساسي في الشأن الإفريقي , أمريكا وكل من يدور في فلكها, يعلمون علم يقين أن أحدا لا يستطيع إعادة مصر لمجدها ودورها الريادي غير الإخوان المسلمين , لِما يحظون به من تأييد شعبي واسع في الشارع المصري والعربي , ولاعتبارهم أكثر الفئات والأحزاب والحركات مصداقية بين الناس , والدفاع عن قضايا الأمة ورفض التدخل الأجنبي والارتماء في أحضانه , واسترداد الكرامة المهدورة منذ عقود.
هو على رأس أولويات عملهم السياسي , وهذا لا ينفي وجود قوى من فئات أخرى لا تقل وطنية وحرصا من الإخوان , في التحرر والاستقلال والحفاظ على الهوية العربية والإسلامية , والرغبة بوحدة الصف واجتماع الكلمة , فالوطنية والتضحية والشجاعة والاستقامة ليست حكرا على جهة دون أخرى , كما يحلو إشاعة وترويج ذلك من بعض المنتسبين لحركة الإخوان المسلمين , لا ننكر إن قضايا الأمة وهمومها وتحريرها من ربقة الهيمنة الأمريكية ومن الغطرسة الاستعمارية الأوروبية , على رأس أولويات المشروع الإسلامي الذي يتبناه الإخوان , وهذا هو المطلب الذي يتناغم مع الشارع العربي والإسلامي , الأمريكيون والأوروبيون والإسرائيليون سيحاولون إجهاض هذا المشرع قبل أن يولد بمختلف الطرق والوسائل , دبلوماسية أو عسكرية إذا لزم الأمر , سيقفون في وجه هذا المشروع ويعملون على إسقاطه , لأنه يهدد مصالحهم وأطماعهم في المنطقة , لذلك لم يتأخر الانقلاب وجاء بسرعة فاقت كل التوقعات تحت ذرائع وحجج واهية , مما أربك قيادات الإخوان ووضعهم أمام خيارين لا ثالث لهما وأحلاهما مُر , الأول التنازل عن الحكم والقبول بإجراء انتخابات مبكرة , وذلك لدرء الفتنة وتجنيب البلاد شلال دم على غرار شلال الدم السوري.
هذا الخيار له تداعيات خطيرة على المشروع الإسلامي برمته , خطوة كهذه قد تهدد بنية جماعة الإخوان في مصر والعالم بالتصدّع , ولتفادي ذلك سارعت تركيا في استدعاء التنظيم العالمي للإخوان المسلمين إلى اجتماع طارئ في اسطنبول للبحث عن مخرج من هذا النفق المظلم , واحسب المجتمعين سيخرجون من الاجتماع بخفي حنين , ولن يكون أفضل من غيره من اجتماعات القمم العربية , واجتماعات المؤتمر الإسلامي , واجتماعات جامعة الدول العربية , لأن المشاركين في الاجتماع لا يملكون آلية التغيير لأنهم هم أنفسهم مرتهنون لأجندة أجنبية , اعتقد أن حركة الإخوان المسلمين على مستوى العالم بحاجة إلى إعادة بناء من جديد , بعقلية جديدة منفتحة على العالم بأسره , وبخطاب إسلامي جديد يتلاءم مع تطور العصر بعيد عن التشنج والعصبية , وبعيد عن الغوغائية وعن الاستعلاء والاستخفاف بالأخر , وبعيد عن إقصاء وإلغاء الأخر وبعيد عن اللغة الخشبية التي عفا عنها الزمن , الخيار الثاني الثبات على الموقف والإصرار على استرداد الحق الشرعي المسلوب , وإعادة الرئيس المنتخب إلى سدة الحكم مهما كلف الثمن , وهذا لا يخلو من مخاطر منها مجابهة الجيش المدعوم أمريكيا وإسرائيليا وخليجيا , والمؤيد بشريحة واسعة من مختلف فئات الشعب المصري , هذا الخيار سيغرق مصر بحمام دم على غرار حمام الدم السوري , وأظن أن هذا ما يخطط لمصر, يُراد أخذها إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر , ولعدم الوقوع في هذا المنزلق الخطير يتحتم على قيادة الإخوان العمل بالقاعدة الشرعية التي تقول : درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
والله غالب على أمره
سعيد سطل ابو سليمان
18 / 7 / 2013
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]