قد كثر الكلام في الآونة الأخيرة حول قضية حكم تعدد الزوجات من محرم والأصح محرمات ومجيز والأصح مجيزين ، فأصبح كل رجل وامرأة لا يمتون للعلم الشرعي بصلة يحللون ويحرمون جعلوا التشريع الإسلامي الحنيف بما يوافق طباعهم يضربون بين حلال الله وحرامه .
والذي يزيد المرء استغرابا هو أن مشروعية تعدد الزوجات منصوص عليها ، قال الله تعالى في محكم التنزيل :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾[سورة النساء،آية:3] .
وجه الاستدلال من هذه الآية أن الآية الكريمة أفادت إباحة تعدد الزوجات ، فللرجل في شريعة الإسلام أن يتزوج واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ، بأن يكون له في وقت واحد هذا العدد من الزوجات ، ولا يجوز له الزيادة على الأربع ، وبهذا قال المفسرون والفقهاء ، وأجمع عليه المسلمون ولا خلاف فيه .
ولا خلاف في المسألة أيضا أن لجواز تعدد الزوجات شروط يجب أن تتوفر كي يكون تعدد الزوجات مباحا ، وقبل الشروع في الشروط ، فإن من الجدير ذكره أن تعدد الزوجات أصله الإباحة ، وقد يكون واجبا إذا خاف الرجل على نفسه من الزنا ولم تكن امرأته تفي باحتياجاته الجنسية ، وقد يكون مندوبا بحال أن كانت الزوجة مريضة مرضا مزمنا أو عقيما لا تنجب الذرية ، وقد يكون محرما إن لم تتوفر شروط تعدد الزوجات .
أما شروط تعدد الزوجات فهي:
- العدل : وذلك لقوله تعالى:﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ فأفادت الآية أن من لم يكن باستطاعته العدل بين زوجاته فلا يجوز له أن يعدد ، ويكون تعدد الزوجات في حقه محرما .
والمقصود بالعدل هنا هو التسوية بين الزوجات في النفقة والكسوة والمبيت ونحو ذلك من الأمور المادية مما يكون في مقدور الرجل واستطاعته .
وأما الأمور القلبية وهو الميل النفسي والمحبة فلا يشترط فيها العدل وهو مفاد قوله تعالى:﴿ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾[سورة النساء،آية:129] . للأسف كثير من النساء يستدللن بهذه الآية على عدم جواز تعدد الزوجات ويقلن بأن الله هو الذي قال أن الرجال لن يعدلوا فلا يجوز لهم أن يعددوا ، فقد فهمن رحمهن الله الآية فهما غير صحيحا .
- قدرة الإنفاق على الزوجات : وذلك لقوله تعالى:( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)[سورة النور،آية:33]. وجه الاستدلال من هذه الآية أن من لم يستطع الإنفاق على زوجته فعليه أن يستعفف حتى يكون بمقدوره الإنفاق.
مع العلم أنه لا يجوز للرجل أن يجمع بين زوجاته في بيت واحد بغير رضاهن ، فمن حق كل زوجة أن يكون لها مسكنا منفردا .
وأخيرا أقول لأخواتي الكريمات : أعرف "بحكمي امرأة" أنَّا نحن معشر النساء نكره هذا الموضوع وتأنف نفوسنا أن يجمع أزواجنا معنا نساء أُخر فهذا أمر فطرنا الله عليه من الغيرة ... ولكن مع هذا لا يجدر بنا أن نحرم ما أحله الله ، أو أن نأخذ بعض الرجال الذين أساءوا تصرفهم عندما عددوا قدوة ، فنحن لا ننظر إلى كثرت الهالكين ولكن ننظر إلى قلة السالكين ، فهناك بعض الرجال قد أحسنوا التصرف ، وأرضوا زوجاتهم .
وخلاصة الأمر أن مع بغضنا لهذا الموضوع لا يصح ولا يجوز لنا أن نقول بعدم مشروعيته فالحق أحق أن يقال ، نكتفي بهذا القدر لأن للمسألة فروع كثيرة من حيث : هل الأولى التعداد أم الاكتفاء بواحدة وهي مسألة خلافية بين العلماء ، وهل يشترط إذن المرأة ، أو علمها ... وإلى هذا قدر الكفاية لمن أدركته العناية .
بقلم: سماح خالد الريفي
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]