سقوط السيسي
قبل أسبوعين نشرت الصحف الرسمية المصرية، وكذلك الفضائيات الداعمة للانقلاب، أن صحيفة "التايم" الأمريكية قد اختارت الفريق السيسي ليكون رجل العام 2013، وأنه قد حاز المرتبة الأولى متقدمًا على غيره، وكل ذلك بفضل نجاحه في الانقلاب على الرئيس الشرعي محمد مرسي واختطافه ومواجهته لجماعة الإخوان المسلمين وأنصار الشرعية.
ولم تمض سوى أيام قليلة وإذا بصحيفة "التايم" تعلن أن رجل العام بالنسبة لها هو البابا فرانسيسكو بابا الفاتيكان الأرجنتيني الأصل. وعادت الصحف والفضائيات والمواقع الاجتماعية المصرية الداعمة للانقلاب وخرست وملئت أفواه مُذيعيها ماءً بعد خيبتها وفضيحتها.
ليس أن السيسي قد سقط في سباق التنافس في مسابقة رجل العام في صحيفة "التايم" الأمريكية، وإنما هو الذي سيسقط بإذن الله بإرادة الشعب المصري من قاموس وذاكرة المصريين، وإن حقبته السوداء هذه وانقلابه هو وزمرته إلى بوار وإلى مزابل التاريخ.
إنه الفارق الكبير بين من يسقط عن أول درجات السلم يريد الصعود عليه، وبين من يصل إلى آخر درجات السلم ثم يسقط عنها!!
وإنه الفارق الكبير بين من يسقط من شباك إحدى الشقق في الطابق الأول في عمارة، وبين من يسقط من شباك شقة في الطابق الخامس عشر في نفس العمارة!!!.
وإنه الفارق الكبير بين رجلٍ رث الثياب فقير الحال يسقط في حفرة مليئة بالطين، ينظر إليه بعض المارة من الناس، وبين رجل عظيم ذي شأن يلبس أبهى الثياب وهو في مركبٍ وحوله بطانة وحاشية وأنظار كثيرين من الخلق مشدودة إليه، وإذا به يسقط ويتعثر على مرأى من كل هؤلاء.
إنه الفريق السيسي؛ هذا الذي احتقر مروءته قبل أن يحتقر ويهين بدلته وشرفه العسكري بما فعله من انقلاب ونقضٍ للعهد ونكث لليمين، ثم بما ارتكبه من مجازر قتل فيها آلاف المصريين، وطبّل له الإعلام المأجور وزمرت له الصحف المملوكة لرجالات النظام البائد الفاسد؛ نظام حسني مبارك وهتف باسمه علماء ومشايخ وقساوسة سال لعابهم لبعض عطاياه، أو أنه نفّس لهم بعض أحقادهم وكيدهم على المشروع الإسلامي.
وأصبح السيسي لا يُرى إلا كالطاووس منتفشًا يتحدث بعنجهية ويهدد بعصا المارشالية، وقد ظن نفسه أنه فعلًا من كبراء هذا الزمان ورجالاته المعدودين، رغم أنه لم يخض معركة عسكرية واحدة اللهم إلا قيادته مجزرة ميدان رابعة العدوية يوم 14/8/2013. إنه الغرور الذي أصاب السيسي لما رأى كثرة السحيجة والمصفقين؛ بدءًا من الشيوخ والقساوسة، وانتهاءً بالممثلين والراقصات، ومرورًا بأصحاب المال ورجال الأعمال. وماذا سيكون حال المغرور؟! عن هذا السؤال أجاب المرحوم الشيخ مصطفى السباعي لما قال: (الطاغية يتزوج الغرور، فيلد ثلاثة أولاد: الحمق والحقد والجريمة).
لقد ارتفع واشتهر اسم الفريق السيسي بعد الانقلاب العسكري الدموي الأمريكي، ونادى وقال إنه فعل هذا من أجل مصلحة الشعب، وهكذا هي الانقلابات العسكرية دائمًا، كما قال الدكتور السباعي: (الانقلاب العسكري سلب حقوق الشعب باسم الشعب)، وكما قال في حكمة أخرى من حكمه: (الانقلاب أن تتكلم البندقية بدلًا من اللسان، ويقنع المدفع بدلًا من البرهان، ويجتمع السياسيون في السجن بدل البرلمان، وتتحكم الأحذية الغليظة في العقول والأذهان).
نعم! لقد ارتفع نجم السيسي ومجدّه الأمريكان والإسرائيليون، وحاول قادة الغرب مساعدته عبر استقبال وزير خارجيته نبيل فهمي في عواصمهم، وعبر زيارة ممثلة الاتحاد الأوروبي آشتون له واجتماعها معه لإعطائه اعترافًا رسميًا، ولكن هذا لن يغني عنه من شعب مصر العظيم، ولن يمنعه من السقوط المريع.
وإنها تلك القصة التي ذكرناها مرارًا، ولكن في سياقات مختلفة والتي تتحدث عن صحيفة "الفضول" اليمنية، والتي كان رئيس تحريرها الأستاذ عبد الله عبد الوهاب نعمان، وكانت نصف شهرية، وكان ذلك زمن حكم الإمام أحمد.وقد صدر عددها الأول عام 1948. وفي يوم من الأيام نشرت الصحيفة في صفحتها الأول عنوانًا هو "انقلاب عسكري في مدينة تعز". وأشغل العنوان الناس فأقبلوا على الصحيفة يقرأونها لمعرفة تفاصيل الخبر ليتبين أن المقصود ليس حصول انقلاب عسكري ضد الإمام أحمد، وإنما أن جنديًا عسكريا كان يركب على حمار فسقط عن ظهر الحمار فانقلب على رأسه. وإذا كان ذلك الجندي "العسكري" اليمني يركب على حمار يوم انقلب به فكتبت الصحيفة ذلك العنوان، ففي الحالة المصرية فإن السيسي هو نفسه الذي نفذ الانقلاب. وفعلًا فقد كتبت كثير من الصحف في عناوينها الرئيسية (انقلاب السيسي في مصر).وإذا كان هذا العنوان صحيحًا يومها فإنه اليوم القريب بإذن الله الذي فيه سيسقط السيسي وينقلب على رأسه وينقلب عليه الشعب المصري، وستكتب الصحف "انقلاب السيسي عن ظهر مصر".
وقديمًا قال الشاعر:
إذا ما الفِسقُ حلّ بأرضِ قومٍ رأيت أسودها مُسِخت قرودًا
ولما أن السيسي وزبانيته قد اعتقلوا وسجنوا وقتلوا الشرفاء ليحل محلهم فلول مبارك وكل المارقين والانتهازين والفاشلين الأمر فإن نفس الشاعر لو قدر له أن يعيش في زماننا لقال:
إذا ما الفسق حل بأرض قومٍ رأيت حميرها صارت أسودا
أليس هو الفسق والنذالة والحقارة أن يصبح خُدام تل أبيب وعملاؤها في مصر، ومن هدموا الأنفاق التي تعيش وتصمد غزة بسببها، أبطالًا قوميين، وأن يصبح ويقال عن محمد مرسي إنه خائن ومتخابر مع "حماس" ويجب محاكمته؟ أنه ليس زمن الانقلابات..إنه زمن الشقلبة!!! ولأن الشقلبة حالة استثنائية وغير طبيعية ولا تدوم، فحتمًا سيسقط نظام السيسي وحكمه بإذن الله تعالى.
وسيسقط نظام العجل
عشية عيد الميلاد المجيد، وتحديدًا يوم الخميس 2013/12/19 نشر أحد كتاب صحيفة "يديعوت أحرونوت" والمدعو "غاي بيخور" مقالة بعنوان "شرق أوسط بدون مسيحيين"، راح يذرف فيه دموع التماسيح على مسيحي الشرق الأوسط بدءًا من العراق مرورًا بسوريا ومصر وانتهاءً بالضفة الغربية وغزة، ولم ينس أبدًا أبناء شعبنا المسيحيين في الداخل الفلسطيني، وراح الكاتب يتحدث عن تناقص أعداد المسيحيين في الشرق الأوسط، ويعزو ذلك لانتشار الصحوة الإسلامية، التي زعم أنها تسعى لوجود شرق أوسط خالٍ من المسيحيين، مبينًا أن المسيحيين واليهود هم المستهدفون لولا أن الحظ حالف اليهود فكانوا أقوياء، حيث لم يعد موقع في الشرق الأوسط ليس مسلمًا "سوى إسرائيل دولة اليهود".
ويصل ذلك الفهلوي العنصري إلى استنتاج أنه في اليوم الذي تصبح فيه السيادة على القدس بيد الفلسطينيين وحيث ستندلع الحرب الدينية، فإنه لن يستطيع يهودي ولا مسيحي زيارة مدينة القدس بعدها أبدًا، وهذه هي رسالته إلى الغرب المسيحي.
إن المؤسسة الإسرائيلية - حسب زعمه - الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تعطي لسكانها من غير اليهود حرية العبادة والمساواة، وهذا ما أدركه الشبان المسيحيون - حسب قوله- الذين يسعون لإقامة تحالف مع دولة اليهود لأنهم يعلمون أن لا أحد في الخارج ينتظرهم في هذا الشتاء المسيحي البارد، قاصدًا بذلك دعوة الكاهن جبرائيل نداف الشبان المسيحيين للانضمام والتجند في جيش الاحتلال ومباركة ومؤازرة الحكومة الإسرائيلية له ومساندته وفتح مكاتبهم الرسمية لاستقباله.
إنه مضحكٌ في رحاب ذكرى مولد المسيح عليه السلام أن تسمع كاتبا صهيونيا يتحدث، مشفقًا، عن المسيحيين ونحن والمسيحيون وكل الدنيا تعلم أنهم هم من طاردوا المسيح وحاولوا قتله ورموه وأمه البتول الطاهرة العذراء بكل نقيصة، وأنه لا يذكر اسم المسيح عليه السلام على مسمع من يهودي إلا قال: (ليُمسح اسمه وذكره).
هل نسي غاي بيخور هذا المتفذلك الإسرائيلي، الذي يتباكى على مستقبل المسيحيين في الشرق الأوسط، أن أهل القدس من المسيحيين يوم فتحها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان بطريركها صفرونيوس قد طلب من عمر بن الخطاب أن تتضمن العهدة العمرية بندًا بعدم السماح لليهود واللصوص بالسكن في القدس أبدًا؟
ألا يذكر هذا الجاحد، الذي يقول إنه وخلال حكم المسلمين فإنه لن يستطيع يهودي ولا مسيحي إقامة شعائره الدينية في القدس، أن كُنس اليهود ومعابدهم ما زالت محفوظة في كثير من بلاد العرب والمسلمين، رغم عدم وجود يهود في تلك الأماكن، لأن المسلمين هم من يحترم الرسالات السماوية بمعابدها ورموزها وأشخاصها؟ أما تخصيصه للقدس فإنه صحيح مائة بالمائة، لأننا قلنا مرارًا وتكرارًا إنه لا حق لهم فيها أبدًا وأن ما يزعمون أنه حائط مبكاهم فإنه ليس إلا الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك، الذي هو حق خالص للمسلمين وحدهم وليس لليهود حقٌ ولو في ذرة تراب واحدة منه ولا فيه.
وإذا كان هذا الكاتب يتحدث عن إشفاقه على مسيحيي الشرق الأوسط من الغول والوحش الإسلامي، كما يصوره، وأن الملاذ والمنجى ليس إلا الشعب اليهودي ودولة وحكومة تل أبيب، فمن الذي اعتدى وأشعل النار في كنيسة البشارة في الناصرة قبل سنوات؟ ومن الذي حاصر وأطلق النار وأزهق الأرواح داخل كنيسة المهد في بيت لحم قبل سنوات؟ ومن الذي اعتدى على دير اللطرون؟ ومن الذي كتب العبارات البذيئة على سور الكنيسة في القدس؟ ومن الذي هدم كنيسة البصة ودنس كنيسة معلول المهجرة؟ ومن الذي شرد أهالي أقرث وبرعم؟ومن ومن؟!
وإذا كان غاي بيخور وجد ضالته المنشودة في الكاهن جبرائيل نداف، الذي يدعو بصراحة لتجنيد الشبان المسيحيين في جيش الاحتلال فإن مثَل بيخور مع نداف كالمثل القائل (التقى المتعوس مع خايب الرجا). وإن كنت هنا أؤكد على أن الأصوات المعارضة للكاهن نداف من أبناء الطائفة المسيحية يجب أن ترتفع أكثر مما هي عليه، ولا بد من مواقف شعبية وكهنوتية رسمية ضد هكذا مواقف.
وإذا كان "غاي بيخور" يعتز بقوة دولته، وهي البقعة الوحيدة غير المسلمة في المنطقة، وأنها تشكل مصدر حماية للمسيحيين فإنني أسأله عن سبب هذا التفاؤل؟ أم أنه لم يسمع بالزعماء والسياسيين المرموقين في المؤسسة الإسرائيلية الذين راح يلفهم التشاؤم من مستقبل هذه الدولة، حتى أن قائلهم قد قال: (إذا كان لنا نحن دولة فإن لأحفادنا لن تكون دولة). وإنه الأديب والكاتب الإسرائيلي "ناتان زاخ" الذي قال قبل أسابيع إن مثل إسرائيل هذه الأيام كمثل الدولة الرومانية في آخر عهدها وسنوات ما قبل زوالها وسقوطها.
نعم! إن سوء تدبير وسوء صنيع قادة تل أبيب هو الخطر الأول عليها وعلى شعبها.وإن أفكار هؤلاء على ما يبدو هي ذات أفكار أولئك الذين صنعوا العجل وأرادوا أن يعبدوه: (واتخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلًا جسدًا له خوار) (الأعراف: 148). وهي ذات أفكار الذين ساوموا موسى عليه السلام في مواصفات البقرة: (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة...) (البقرة: 67).
إن سياستهم في التعامل مع الواقع كمثل سياسة من تعاملوا مع العجل والبقرة زمن موسى عليه السلام، هم حتمًا ساقطون، وهم الذين يبحثون الآن عن البقرة الحمراء ليذبحوها، ومن رمادها بعد حرقها سيطهرون الهيكل كما يزعمون. هؤلاء لن يكونوا ملاذًا آمنًا للمسيحيين. وكيف يكون ذلك وهم الذين لن يجدوا لأنفسهم ملاذًا آمنًا بسبب سوء صنيعهم حيث محكمة التاريخ العادلة؟
وإذا كان بنو إسرائيل قد عبدوا العجل في طريق هروبهم من فرعون مصر فسقطوا كما سقط فرعون مصر يومها، فإننا على يقين بإذن الله أن نظام السيسي في مصر سيسقط، وأن نظام العجل سيسقط هنا عند الإسرائيليين. إنهم الإسرائيليون الذين استغلوا انقلاب السيسي ليدعموه ويركبوه ويمتطوه ليحقق أهدافهم في حرب الإسلاميين. إنهم عباد العجل ركبوا على ظهر السيسي وأتباعه.وكلاهما سيسقط بإذن الله تعالى.
وإننا نقول كلمتنا لأبناء شعبنا في ذكرى الميلاد ورأس السنة الجديدة: كل عام وأنتم بخير.
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديّ بالمغفرة
(والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]