عندما تكحل عيناك رسومات تمام بقلم: عبد القادر سطل

يا الله ما أجملها من زيارة. درساً عفويا وغير مخطط له .في بيت السيدة الفاضلة ابنة يافا تمام أحمد الأكحل . بنت البلدة القديمة المطله على ميناء يافا الاسطورة. زوجه الفنان الشهيد المناضل والمثابر الذي سهر على فلسطين وآلامها المرحوم إسماعيل شموط. أعلمكم مسبقا أن كل ما سأكتب من كلمات وسطور لن تعبر عن مدى حبي لهما وعشقي لفنّهما الراقي والمميز. بل يمكن القول بدون تردد أن هناك مدرسة في الفن التشكيلي يجب أن تسمى مدرسة الأكحل وشموط. ريشة تمام وإسماعيل مشهود لها عالميا فهما اثنان من أشهر عشر رسامين تشكيليين في العالم. رغم حبي للفن بشكل عام ولفن تمام وإسماعيل إلا أنني اخترت أن أتناول زاوية أخرى من حياة تمام. هذه الزاوية لها مكان واسع في حيّز رسوماتها . أناملها تكشف جزء من سرّها بل أسرارها. الالوان تشع من بين الخطوط والأفكار. ورموز كثيرة تجعلك تغوص في فن مميز وعشق لتفاصل فلسطين الحبيبة وشعبها أينما كان. في الحقل والهجرة والمخيم والبحر . وفي المواسم والأزمات. وفي فصول السنة الأربعة. لا أجزم إن قلت أن من يريد أن يتابع قضية فلسطين لا بد أن يمر على لوحاتهما , ففيها من المعلومات والتفاصيل ما لا نجده بالمجلدات والصحف والمسلسلات الطويلة والعريضة.

كان اللقاء في مهرجان يافا الذي أقيم بمناسبة يوم الأرض الخالد في عمان بمبادرة من إتحاد الكتاب الاردنيين وجمعية يافا للتنمية الاجتماعية. كنا في غاية الفرح والسعادة بلقاء أبناء يافا في عمان وزادنا شرفاً أن نرافق السيدة الفاضلة تمام الأكحل إلى بيتها الذي تحوّل لمعرض دائم لرسوماتها ورسومات المرحوم إسماعيل شموط . جلسنا معا لنتناول وجبة عشاء فلسطينية من اللبنة والزعتر على أنواعه والفول والاجبان ومربى الخشخاش. جلسنا حول الطاولة وعيوننا تراقب كل كلمة تقولها وآذاننا تعشق ما تسمع من تفاصيل عن فلسطين وقضية فلسطين. موضوع الحديث هو مذكرات تمام ولكن المضمون يتحدث عنها في الحيّز الفلسطيني ما بين يافا والشتات. ما بين بيروت والقاهرة. ما بين الغربة في أوروبا ومحاولة التقرّب من فلسطين من خلال التواجد في عمان. ولكي أكون صادقا مع نفسي ومع القارئ أقول بصراحة أن بعض ما ذكر في المقال كان من لقاءات سابقة أيضا. ولكن ما شدنا هو أن تمام تتحدث عن مذكراتها وكأنها تقف وراء حجاب. وحجابها فلسطين. ولباسها فلسطيني ولهجتها يافاويه فلسطينية وتفاصيلها كذلك الأمر. حديثها هو عبارة عن لوحات فنية فيها تفاصيل القضية وملامحها. وكأنها ترسم أمامنا المعاناة والألم وطريق الآلام التي مرّت بها برفقة زوجها وأولادها. تمام هي أم وزوجه وفنانه وهي أيضا سفيرة يافا وفلسطين تطوعاً. ما بين الجلسة معها على طاولة العشاء وغرفة عملها تتناثر الأفكار وتتوارد المعلومات وكأنها تقلّب صفحات العمر أمامنا . ويسرد تاريخ شعب أراد العيش بكرامة داخل وخارج فلسطين. هنا رسم لمخيم برج البراجنه وهناك لوحه لطفل يحمل والده الشهيد ويحمل ما هو فوق طاقة كل طفل. وهناك بيارة وعرس فلسطيني. وأنا أتنقل في البيت وأغوص في كل لوحة فيها تعابير شعبنا الفلسطيني. وسار بنا الليل نحو الفضول والمعرفة. وغمرنا حب سيدة فلسطين وأناملها وحديثها عن عشقها لهذا الشعب. من بيروت الى القاهرة فنانه واعده تتعرف على اسماعيل ويكون أول معرض لهما في القاهرة برعاية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. زيارة ليافا وصدمة عائلة فينكلشتين التي رفضت إدخال تمام إلى بيتها في البلدة القديمة في يافا ولكنها أصرت على الدخول وكان مفتاح البيت ريشة صغيرة رسمت البيت واخترقت النوافذ لتشرف على ميناء يافا . رسم الميناء يبكي الصخرة الصماء. فيها من الألم ما لا تحتمله شعوب. فيه من الغضب ما لا يتصوره عقل. وفيه هجرة قصرية نحو المجهول. الماء يتحوّل لنار تحرق الرصيف. وتكاد ترى صوت طلقات الرصاص من تل أبيب . تسمع في ألوان الرسم أنين الأطفال وصوت الموج يقول لا.

تركنا البيت العامر بالحب والفن لمتابعة برنامجنا الحافل في عمان. ولكن عقلنا وقلبنا بقي هناك. مع هذه الإنسانه الرائعة والمميزة والرائده. ويا ليتنا نعود قريبا الى هناك لنعيش مع تمام أحمد الأكحل لحظات. تنقش في عقولنا كما تخرق حبات الماء الصخرة الصماء وتترك في الذاكرة مزيجا من الحب والمعاناة لشعب أراد الحياة على أرض فلسطين الغالية .

عبد القادر سطل وعمر سكسك وجابي عابد وطارق عبد.

يافا ربيع 2014