"ليت الرياحَ تسيرُ بما تشتهي السفن " هي صورة لما آلت إليه الأوضاع في ما يسمى الشرق الأوسط الجديد أو حتى على نطاق ضيّق يقتصر على مدننا المختلطة والمستهدفة. قد ينتبه البعض أننا ورغم كل مكونات حياتنا اليومية , إلا أننا نجد أنفسنا نبحث عن السبل والوسائل لتثبيت وجودنا كمجتمع له جذور وتاريخ عريق وحضارة ينتمي إليها ولكن هناك من يحاول نبش هذه الجذور ويعمل على اقتلاعنا من أرضنا تحت مسميات مختلفة ولكنها تصب بنفس الهدف. نقولها بصراحة وجودنا كمجتمع عربي فلسطيني في يافا مهدّد. ما يحدث حولنا لا يبشر خيراً وإن كنت أعتبر نفسي إنساناً متفائلاً. وأدخل هنا جملة اعتراضية تقول أن يافا ما زالت بخير. كلنا يعرف أن يافا ومنذ آلاف السنين هي محط أنظار الطامعين كانوا شعوباً أو مجموعات أو أفراداً. الكل يحاول أن ينهش من خيراتها وينبش في آثارها ويتعدى حتى على أمواج البحر التي أبت إلا أن تلاطف أطراف العروس.
قد يختلف معي البعض فيما قلت وفيما أقول ولكن الاختلاف لا يفسد للودّ قضية. ولندخل في صلب الفكرة والموضوع .. أولاً نحن كمجتمع عربي يافاوي شاء القدر بعد النكبة أن يفرض علينا الحكم العسكري فيما يسمى آنذاك بجيتو العجمي. هذا الحصار لم يدم طويلاً ليس حباً فينا بل لشيء ما في نفس يعقوب . وكانت النتيجة أن ضمت يافا العراقة والحضارة إلى مدينة ما زالت تعاني من أعراض الولادة , لتل أبيب. وهنا لا بد من الإشارة أنه لم يكن قبل ذلك ما يسمى تل الربيع كما يعتقد البعض لأن تل أبيب مدينة صهيونية يهودية حديثة بنيت لتكون البديل لمدينة يافا , المركز التجاري والاقتصادي والسياسي لفلسطين وهذا بالضبط ما حدث بعد نكبة عام 48. لا بد من الإشارة أيضا إلى أننا تبنينا عقلية المحتل وقررنا أن نستمر بحصار أنفسنا فيما يسمى بحي العجمي بالرغم من الفرص التي كانت متاحة لنا من حين إلى آخر لكسر هذه القيود والخروج من الجيتو ولكن ذلك حدث لاحقا ليس بمبادرة منا بل فرض علينا ترك الحي وهو من أجمل أحياء المدينة متجهين نحو الشرق أو ما يسمى بحي النزهة بعد أن قامت السلطة الإسرائيلية باقتلاعنا من بيوتنا للمرة الثانية بعد النكبة ونحن لاجئون في وطننا ومدينتنا يافا . وتم هدم أكثر من 3000 وحدة سكنية وطمر ما يقارب 130 دونما من أجمل شواطئ البلاد على الساحل الفلسطيني. وتحوّلت المئات من عائلات يافا من مستأجر محمي إلى مستأجر غير محمي بما يعني أن صاحب الملك له الحق بإخراجنا من بيوتنا حين يشاء وللمرة الثالثة.
تطالعنا الصحف العبرية هذا الاسبوع إلى نكبة جديدة في ذكرى النكبة ال 66 أننا نسكن في مبان لم تستغل فيها الأرض بالقدر المطلوب وعلينا هدم البيوت وبناء عمارات جديدة تستغل أكبر قدر ممكن من الأرض. أما نحن فمعرضون مرة أخرى للإخلاء والتنقل كالبدو الرحل من مكان إلى آخر ولكن الموضوع هذه المرة هو من الخطورة بمكان أنه لن يضمن لنا أحد أن المسكن الجديد سيكون في يافا أو ضواحي يافا. اقتراح وزير السكن ببيع المساكن الشعبية لمستثمرين معناه اقتلاع جديد. فحواه خطر يهدد وجودنا كمجتمع عربي وبالتحديد المساكن الشعبية في حي الجبلية. قد يختار البعض منا منظومة اللامبالاة, أنا لا أسمع ولا أرى. أو سياسة ما يسمى بدول عدم الانحياز وهو لا يدري أن الجرافات قادمة لمتابعة المخطط. وأن المهدد ليس جاره فحسب بل هو أيضا. لأن القادم الجديد والجار الجديد لن يرضى أن يعيش بما رضينا. هو لا يريد أن يسمعك ولا أن يسمع صوت الآذان ولا أجراس كنائس تقرع هو يريد (يافو) خالية من العرب. والسلطة تعترف أننا أصحاب حق بالسكن ولكنها ترفض قبول حل الأزمة في يافا. أعيد وأكرر وجودنا كمجتمع وأفراد مهدد. قضية تثبيت الوجود ليس أمر خيالي مأخوذ من المسلسلات التركية وواقعنا يطالبنا بالتحرّك لوقف المهزلة. ويد واحدة لا تصفق. والغريب في الأمر أن العالم ينظر إلينا من الخارج رافعاً جبينه , ما نحن فشاخصة أبصارنا نحو المجهول. وكأننا نعيش حالة من الغيبوبة التي عجز الأطباء عن معرفة سببها. يافا في خطر ليست كلمة عابرة. بل واقع نعيشه يوميا .. شو رأيكم ؟
عبد القادر سطل
يافا أيار 2014
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]