بعض الإخوة والأخوات اعترضوا عبر تعقيباتهم في المواقع على الاحتفال بالمولد النبوي, مدعين أن الاحتفال بالمولد النبوي غير جائز, لأنه ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, ولم يأمر به, ولم يفعله احد من الخلفاء الراشدين أو احد من الصحابة رضي الله عنهم, لذا الاحتفال بالمولد بظنهم هو من محدثات الأمور التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعليه فهو بدعه وكل بدعه ضلاله,والمعترضون أنفسهم يقولون ايضا بعدم جواز الاحتفال بما اصطلح الناس على تسميته بعيد الأم, وانه بدعه وانه تقليد للغرب, وان الإسلام أمر بالإحسان للام كل أيام ألسنه وليس يوما واحدا.
أحببت أن أوضح بعض الأمور, وأصحح بعض المفاهيم الخاطئة حول هذا الأمر, نقلا عما ورد من أقوال الفقهاء فيه, فانا لا ادعي لنفسي العلم,البدعة لغة: هو ما أحدث عل غير مثال سابق, أي إحداث شيء لم يكن موجودا من قبل.
ومعنى البدعة شرعا: هو المُحدث الذي لم ينص عليه القرآن ولا السنة, والبدعة ضربين, بدعة حسنه وهي المُحدثة الموافقة للقرآن والسنة, والبدعة الضلالة وهي المُحدثة المخالفة للقرآن والسنة, نستدل على ذلك من القران والسنة, فالدليل على البدعة الحسنه من القرآن هو قول الله تعالى في معرض ثنائه على أتباع عيسى عليه السلام: وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة, ورحمه, ورهبانية ابتدعوها, ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله, فما رعوها حق رعايتها, رهبانية ابتدعوها أي أحدثوها ما فرضناها عليهم ولا أمرناهم بها, ولكنهم فعلوها من تلقاء أنفسهم ابتغاء رضوان الله.
والرهبانية انقطاعٌ عن النساء والشهوات المباحة, فعلوا ذلك ولم يطالبهم بها الإنجيل, ولم يطالبهم بها عيسى عليه السلام, فأثنى الله عليهم كما أثنى على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله رحماء بينهم, أما قوله تعالى فما رعوها حق رعايتها, هذا القول المقصود به من جاء بعدهم ولم يرع الرهبانية حق رعايتها, أي ما قاموا بها حق القيام, ولا حافظوا عليها كما ينبغي.
أما الدليل على البدعة الحسنه من السنة, قول النبي صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنه فله أجرها واجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء, ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من وزرهم شيء رواه الإمام مسلم من حديث جرير ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه.
ومما نستدل به على أن البدعة ضربين حسنه وسيئة, أقوال وأفعال الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم, لقد أحدث الخلفاء الراشدون أشياء لم يفعلها رسول الله, ولم يرد فيها نص في الكتاب ولا في السنة, فكانوا لنا قدوة فاتبعناهم واقتفينا أثرهم, فأبو بكر رضي الله عنه جمع القرآن وسماه مصحفا, وعمر رضي الله عنه جمع الناس على صلاة التراويح على إمام واحد, وقال عنها نعم البدعة هذه, وهو الذي وضع التاريخ الهجري, وعثمان رضي الله عنه أمر بالأذان الثاني لصلاة الجمعة, وعلي رضي الله عنه أمر بتنقيط المصحف وتشكيله حفاظا عليه من اللحن, وهذا عمر ابن عبد العزيز هو الذي أمر ببناء المآذن للمساجد, كل ما ذكر لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هل هذه الأمور المستحدثة ضلاله لأنها لم يفعلها رسول الله؟ وللمزيد في هذا الشأن, يقول الإمام الشافعي رحمه الله عن البدعة: المحدثات من الأمور ضربان احدهما ما أُحدث مما يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع فهذه بدعة ضلاله, والثانية ما أُحدث من الخير ولا يخالف كتابا أو سنة أو إجماعا وهذه بدعة غير مذمومة, والإمام الشافعي اجمع المحدثون على انه المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: عالمُ قريش يملأ طباق الأرض علما, رواه الترمذي.
الاحتفال بالمولد النبوي الشريف, والرد على المزاعم التي لا تجيزه, بل وتحرمه, أولا: الاحتفال بالمولد هو مظهرٌ من مظاهر حبنا وتعظيمنا للنبي صلى الله عليه وسلم, والله تعالى امتدح في قرأنه الذين امنوا به وعزروه أي عظموه فقال: فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه أولئك هم المفلحون, وفي الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم اجتماع على ذكر الله وعلى طاعته, اجتماع على حب الله وحب نبيه, اجتماع على ذكر سيرته العطرة, والتعرّف على نسبه الشريف وعلى شمائله وصفاته وأخلاقه الحميدة, والاحتفال بالمولد النبوي الشريف مظهرٌ من مظاهر الشكر لله على أن منّ علينا بهذا النبي وجعلنا من أمته, والشكر لله يُعبر عنه بأنواع العبادات من صلاة وصيام وصدقه, فالنبي صلى الله عليه وسلم تورمت قدماه الشريفتين من القيام, فلما سألته السيدة عائشة أن يرأف بنفسه قال لها أفلا أكون عبداً شكورا.
أضف إلى ذلك الاحتفال بالمولد الشريف الهدف منه ربط المسلمين بالإسلام وربطهم بنبيهم صلى الله عليه وسلم,خلاصة القول الاحتفال بالمولد مظهرٌ من مظاهر الفرح والاستبشار بمولده صلى الله عليه وسلم, فهو بدعة حسنه ويمكن تسميته سنة حسنه لان فيه تُروى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم, وان لم يكن في الاحتفال بالمولد إلا بركة الصلاة على النبي لكفى,كذلك المعترضون على الاحتفال بما اصطُلح على تسميته عيد الأم أيضا بدعوة انه بدعه, وانه تقليد للغرب, وان الإسلام أمر بالإحسان للام طوال العام وليس يوما واحدا.
أولا كونه بدعه فهذا صحيح ولكنه بدعه حسنه, إذ انه يذكّر الأبناء بحقوق الأم عليهم, والله تعالى يقول وذكّر فان الذكرى تنفع المؤمنين, وفي هذا اليوم يلتف الأولاد حول أمهم في جو من الفرح والسرور, يدخلون السرور على قلبها, وفي الحديث الشريف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من ادخل السرور على أهل بيت من المسلمين ليس له جزاءٌ إلا الجنة, على أي بيت, فما بالك ببيت فيه أمك.
أما الإخوة الذين يحتجون بالحديث الذي رواه الترمذي عن العرباض ابن سارية رضي الله عنه, الذي يقول فيه: وإياكم ومحدثات الأمور فان كل بدعة ضلاله, وهو حديث حسن صحيح.إياكم ومحدثات الأمور, أي الأمور المخترعة في الدين, المخالفة للشريعة, فكل محدث يخالف الشريعة ويتعارض مع الدين فهذا لا خلاف ولا جدال انه ضلاله, والضلالة في النار, ولا احسب أن الإحسان للام وإدخال السرور على قلبها ولو مرّه في السنة أمرٌ مخالف للشريعة, أو معارض للدين, أما اللذين يحتجون بعدم جواز الاحتفال بعيد الأم على انه تقليد للغرب, أي ضير في تقليد الغرب في الأمور الحسنه, فجُل ما عندنا نحن العرب من منتجات صناعية في مختلف المجالات مستورد من الغرب, من ابسط شيء إلى اعقد شيء. ومن لم تكفه هذه الادله من الإخوة المعترضين, وما زال على رأيه متمسكا به, فليُلزم نفسه هو برأيه دون الآخرين,والله غالب على أمره
سعيد سطل أبو سليمان
23/3/2011
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]