مشهد "الضاحية" أو "الأرض المحروقة" هو المشهد الذي ارتأت الدولة العبرية" الديموقراطية" تقديمه هدية لمواطنيها، تسترضي به الداخل الإسرائيلي ممن شكك بقدرة الجيش والساسة في حسم معركة مع العدو العربي!! وبالتالي رفع رصيد القادة الإسرائيليين سياسيا.!
مصطلح "الضاحية" احدثته الالة العسكرية الإسرائيلية في حربها على لبنان في سنوات الثمانين، من خلالها سويت الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت بالأرض .واستباحت المدنيين والمنشآت المدنية وقتل الصغار والمسنين بدعوى ملاحقة المقاومين والإرهابيين لأنهم يتترسون بالأبرياء،محدثة حالة من الدمار والقتل والتشريد ، مشهد لم يألفه التاريخ المعاصر ،فيه غابت معالم الضاحية الجنوبية ،وغاب معها الضمير الانساني والأخلاقي ،كل هذا بعد أن عجز الجيش الإسرائيلي حسم المعركة لصالحه وفشله في القضاء على المقاومة هناك،لتخلق الدولة معادلة جديدة في منظومة الردع العسكرية.
مشهد الدمار المريع يحبه الإسرائيليون، يشتري الساسة بذلك سعادة وتأييد المواطن الإسرائيلي، يتم تقديمه كإنجاز بطولي حققته العقلية الاستعلائية " للجيش الذي لا يُقهر"،إلا أنه علامة على إخفاقه في حسم المعركة، علاوة على كونه وسمة عار في جبين أكثر الجيوش "أخلاقيا" في العالم....
هذا المشهد يعتبر سمة سوداء في سجل تاريخ العقلية الإسرائيلية،التي تدعو إلى بث الخوف والذعر، لا لشيء سوى إحداث الدمار واستنزاف الضعفاء وترجيح دفة المعركة وحسمها وجعل الخصم يستسلم في أول جولة له وجعل المعركة غير متكافئة وعديمة الفائدة وبالتالي خطف الجولة التالية وجعل المطالبة بالحق مغامرة غير محسوبة .
.حي المنشية في يافا عام 48 شاهد على أبشع أنواع التدمير والخراب، بعد ان عجزت العصابات اليهودية عن تحقيق نصر على المقاومة الفلسطينية المتمركزة في محيط مسجد حسن بيك ( مذكرات مناحيم بيغن) حينها شُنت عمليات إبادة بدأت من حي البلدة القديمة في يافا وصولا إلى حي المنشية وحرق بيوت المواطنين والقاء براميل المتفجرات على رؤوس الابرياء.....
والمشهد يتكرر في أعوام 1982 في العدوان على لبنان ثم عام 2006 وترسيخ المصطلح البطولي لدى عقلية الساسة وجنرالات الجيش الاسرائيلي عُرف ب"الضاحية" وإيقاع مجازر يندى لها جبين الإنسانية (صبرا وشتبلا ومجزرة قانا ووو).
! وعندما عجز الجيش في كسر شوكة المقاومة في جنين (انتفاضة عام 2000) نفّذ الجيش الإسرائيلي نفس السياسة عُرفت بالضاحية او (الأرض المحروقة) حتى وصف القائد الراحل ياسر عرفات مدينة جنين وصمود رجالها بـ (جنين جراد)
والمشهد يعيد نفسه في حرب " الفرقان" و " العصف المأكول" على قطاع غزة الشهباء عام 2012 و 2014 ،حيث ارتكبت الدولة العبرية أبشع الجرائم في التاريخ المعاصر ودمرت وخربت كل من وقف في طريقها من حجر او بيت او إنسان.
في اولى لحظات معركة العصف المأكول استوعب الجيش الإسرائيلي انه لن يحقق ولو هدفا واحدا من اهداف المعركة،وأن الجيش يراوح مكانه وانه يمنى بهزيمة قاسية أمام صمود وقتال بطولي غير مسبوق وانه يقاتل أشباح لا يمكن رؤيتهم على حد وصفه، وان الهزيمة النكراء حليفه كون خسائر الجيش فاقت التوقعات بنقتل عشرات الحنود وجرح المئات، علاوة على الخسائر الاقتصادية والتي قدرات بمليارات الدولارات ، حينها أرادت العقلية الاستعلائية لدى ساسة الدولة ان لا تكشف خسائر الجيش وتقهقر عملياته العسكرية وبالتالي الحفاظ على الرصيد السياسي العريض التي تحظى به حكومة بنيامين نتنياهو،ومن هذا المنطلق نفّذ "الجيش الذي لا يُقهر" نفس السياسة (الأرض المحروقة) أو "الضاحية" في كل من جباليا والشجاعية وخزاعة ورفح وتدمير البنية التحتية للقطاع، من مستشفيات ،ومدارس الإيواء وشركة الكهرباء حتى أطفال غزة الرضّع كانوا جزء من بنك أهداف الطيران الحربي الإسرائيلي..
يعيش الجيش الإسرائيلي منذ عام 2006 حالة من الهستيريا، محاولا إعادة هيبة او قوة الردع المسلوبة، بعد سلسلة من الهزائم التي منيت بها الحكومة وقوات النخبة أمام عناد وجراءة المقاومة الفلسطينية .
ما أقرب اليوم بالبارح، وما أبشع هذا الوجه للدولة "الديموقراطية"،مشهد دمار المنشية في يافا يحاكي نفس المشهد في جنين والشجاعية وجباليا وخان يونس ورفح بغزة...
67 عاما نفس المعركة ونفس المصير ونفس الوجه القبيح ....
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]