حدث ذات مرة في أحد مجالس الذكر أن أحد الشيوخ قام بوعظ الناس ، وتذكيرهم بالموت واليوم الآخر ، وبدأ يرقق قلوبهم بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تذكرهم بربهم حتى هاج المجلس بالبكاء والنحيب ، وبعد أن أكمل الشيخ موعظته التفت فإذا كتابه قد سُرق ! فنظر في المجلس وإذا الكل يبكي فقال : كلكم يبكي ! فمن الذي سَرق الكتاب ؟
هذا واقعنا اليوم ، الكل يبكي على حالنا وما آلت له الأمور فنرى جماعة تبكي على ضياع الدين ، وأخرى على تشتت الشباب ، وغيرها على البيوت ، والمقابر ، والمساجد ، والعروبة ، والحياء ، والوطنية ، والمستوطنون ، وحقوق المرأة ... الكل يبكي فمن الذي اخمد شعلة الصيحة ؟! من الذي يؤخر النصر ؟!
هل هي بعض الجماعات الإسلامية التي تقاعست عن حمل مسؤولية هذا الدين الحنيف ؟ أم هي فئات من الشباب الذين يهتفون بالوطنية وهو أمر طيب ومطلوب ولكنهم ضيعوا مبادئ ديننا الحنيف ، أم هي جمعيات النساء اللواتي يطالبن بحقوق المرأة إلا أن الحقوق المطلوبة خرجت عن النطاق وطغت حتى أصبح الرجال هم الذين بحاجة أن يطالبوا بحقوقهم ، وهل السبب في ضياع قضيتنا هو الأب الذي يعتكف في المساجد تاركا ابنه يصارع مغريات الدنيا أم هي الأم التي تركت ابنتها أمام جرف هار من الفتن التي تحل في مجتمعاتنا بدافع حرية التصرف والرأي والتعبير ...
وهل السبب هو بعض ملح البلد – أهل الدعوة والصلاح – الذين أصبحوا ذريعة للذين تاهوا وضيعوا الطريق بسبب سوء أخلاقهم وابتعادهم عن الدين ؛ وقد قالت العرب : "من يُصلح الملح إذا الملح فسد" ، فابتعد الناس عن الدعاة من النساء والرجال يبحثون عن البديل الناجح وسيجدونه لا محالة فالدين لا يتوقف على أشخاص ، ومع ذلك علينا نحن الدعاة إلى الله العودة إلى خالقنا والعودة إن لم تكن بذات المبادئ الأصيلة والثوابت الراسخة فهي انتكاسة وليست بعودة .
إذاً الكل يبكي فالكل مسؤول عن تأخر النصر لأن كلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته وقد قال صلى الله عليه وسلم :( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)[أخرجه البخاري] والله عز وجل جعل تغير حال الأمة مشروط بشرط فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾[الرعد:11] ؛ فعلينا جميعا أن نغير ما بأنفسنا ونطهرها ونسير على المنهج الإسلامي الحنيف كي نستحق النصر الموعود من عند الله عز وجل ، والحمد لله حَقَّ حمده .
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]