يوجد كثير من المصطلحات المستحدثة عموم الناس لا يدركون حقيقة معناها ومعرفة مقاصدها إلا إذا شاهدوا ولمسوا أثرها على ارض الواقع , مثل مصطلح الفوضى الخلاقة , وتعني الفوضى الخلاقة خلق حالة من الفوضى ألمتعمّده في مجتمع من المجتمعات أو دولة من الدول , تُنتج في النهاية بزعم صُنّاعها وضعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا أفضل مما هم عليه , ينعمون في ظله بحياة آمنة مستقرة , مصطلح الفوضى ألخلاقه هو مُنتج أمريكي بامتياز , وهو في صُلب أدبيات السياسة الخارجية الأمريكية, ففي عام 2005 أدلت وزيرة الخارجية الأمريكية ريس بحديث لجريدة واشنطن بوست الأمريكية قالت فيه : إن في نية الولايات المتحدة نشر الديمقراطية في العالم العربي , والبدء بتشكيل ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد وذلك بنشر الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط عبر أمريكا , وأول انطلاقة للفوضى الخلاقة كانت على ارض العراق , شكل العراق بعد احتلاله أرضاً خصبة للفوضى الخلاقة الأمريكية.
وأول إجراء قامت به أمريكا بعد احتلال العراق لخلق الفوضى الخلاقة , كانت تفكيك الجيش العراقي وتسريح جميع ضباطه إلى بيوتهم , وتولّت المليشيات من التيارات والأحزاب والتنظيمات المختلفة مهام الجيش في المناطق والأقاليم والمحافظات العراقية , وكانت بداية الفوضى الخلاقة , وفي ظل الفلتان الأمني الذي نتج عن تفكيك الجيش باتت الحدود العراقية مخترقه , وباتت أرضه كلأ مستباحا ومرتعا للعصابات بكل أشكالهم وأصنافهم , وعلى رأس هؤلاء عناصر تنظيم القاعدة الذين قدموا من أفغانستان ومن الجزيرة العربية إلى العراق بأعداد كبيره وبالتنسيق مع الأمريكان , قدموا بحجة مقاومة الاحتلال الأمريكي , وبدلا من تصويب بنادقهم نحو المحتل الأمريكي صوّبوها إلى صدور العراقيين , ولما انتشرت الفوضى الخلاقة في معظم المحافظات والأقاليم العراقية , انسحب الجيش الأمريكي من العراق مستخلفا مخابراته هناك , ومخلفا عناصر القاعدة يعيثون في المدن والأقاليم الفساد دون مُساءلة من احد أو جهة , وقويت شوكة تنظيم القاعة في العراق تضاعفت أعدادهم , وتفرعت عنهم العديد من التنظيمات الإرهابية المتشددة مثل تنظيم داعش , وتنظيم جبهة النصرة التكفيريين وغيرها من التنظيمات جميعها ترفع راية الإسلام زورا , وترتكب أبشع الجرائم باسم الإسلام افتراء وبهتانا.
هؤلاء التنظيمات جميعا يتبنون الفكر التكفيري , يكفرون كل من خالفهم الرأي ويحكمون عليه بالرّدة والكفر وينفذون به حكم الإعدام إما ذبحا وإما رميا بالرصاص , على راس هذه التنظيمات وأشدهم تطرفا وإرهابا وفتكا تنظيم داعش , وداعش هو اختصار لاسم دولة العراق والشام , ويتضمن اسم داعش عنوانا لمشروع القاعدة المستقبلي وهو إقامة الخلافة الإسلامية , ابتداء على ارض العراق والشام وامتدادا إلى دول الجوار , وتزامنا مع انطلاق الفوضى الخلاقة في العراق , تم الإعداد لإطلاق الفوضى الخلاقة في عدد من الدول العربية , ابتداء من تونس ثم ليبيا ثم اليمن ثم مصر وانتهاء بسوريه , انطلقت الفوضى الخلاقة في هذه الدول على شكل ثورات تحت مسمى الربيع العربي , وصفق لهذا الربيع العربي المزعوم الشعب العربي كله من محيطه إلى خليجه على اختلاف انتماءاته الفكرية والسياسية والدينية.
ولكن سرعان ما تبددت الأحلام وخابت الآمال ووقع الكل في فخ الفوضى الخلاقة الأمريكية , وباشر تنظيم داعش تنفيذ مشروعه الصهيو أمريكي في العراق وسورية مستندا على فتاوى تكفيرية من بعض المحسوبين على علماء المسلمين , وبغطاء أمريكي أوروبي ودعم عربي تتولاه جامعة الدول العربية , وانطلقت مجموعات الإجرام المرتزقة التي تم استدعاءها إلى العراق وسورية من مختلف بقاع الأرض باسم الجهاد بتنفيذ مشروع الشرق أوسط الجديد , فارتكبت باسم الإسلام أبشع الجرائم لم يدعوا محرّما إلا ارتكبوه ولا منهيا عنه إلا انتهكوه, يذبحون الناس باسم الإسلام يقطعون الرؤوس باسم الإسلام , يمارسون الفواحش ما ظهر منها وما بطن تحت مسمى نكاح الجهاد، يخرجون الناس من بيوتهم إلى العراء ويستولون عليها ينهبون ويدمرون يعذبون وينكلون بالناس باسم الإسلام , لم تسلم من تدميرهم وتخريبهم دور العبادة من مساجد وكنائس وحسينيات ومقامات الصالحين حتى قبور الأنبياء لم تسلم من التدمير مثل قبر نبي الله يونس في نينوى , هذه الجرائم الوحشية تُرتكب باسم الإسلام , بفتاوى تصدر عن شيوخ لبسوا عباءة العلماء زورا , هؤلاء المرتزقة عقب كل جريمة قتل أو ذبح أو تفجير لأماكن العبادة يطلقون صيحات التكبير رافعين خرقة سوداء مكتوب عليها لا اله إلا الله محمد رسول الله , والله بريء منهم ومن أعمالهم ورسولُهُ.
والشيء المستغرب أن هؤلاء المجموعات المشبوهة التي ترعاها أمريكا وتمولها دول الخليج وعلى رأسها السعودية وقطر , لا يخفون جرائمهم إنما يظهرونها أمام العالم كله موثقة بتصوير فيديو , وتبث وتنشر في مختلف وسائل الإعلام العربية والأجنبية , مثل جريمة ذبح الصحفي الأمريكي , لقد تم تصوير الجريمة بالفيديو ونشرها عبر المواقع الاجتماعية وتم إرسال نسخة من التصوير إلى أهله , هذه الوحشية وبهذه البشاعة لم يمارسها المغول ضد المسلمين في غزوهم لبغداد ودمشق في القرون الوسطى , الوحشية صفة حيوانية يمارسها الحيوان المفترس ضد فريسته بدافع الغريزة لسد جوعته فقط وليس بدافع العدوان , أما هؤلاء الوحوش البشرية الذين تقمصوا شكل وهيئة المسلمين , يمارسون وحشيتهم بأبشع صورة باسم الإسلام افتراء وزورا , الهدف من ذلك هو عرض الإسلام للعالم بأبشع صوره , وإظهاره أمام العالم كله انه دين إرهاب , دين قتل وسفك دماء , وانه بات يهدد العالم الحر والمتحضر وبالتالي بات من الضروري أن يتحالف العالم ضده للقضاء عليه وإنقاذ العالم من شره , إنها الحرب على الإسلام هذه الحرب ستفشل سيُطفئ الله نارها , وسيُهزم الجمع ويلون الدُبُر , الأمر الخطير الذي يجب القضاء عليه واجتثاثه من العقول والقلوب , هو الفكر التكفيري الآخذ بالانتشار بين شريحة عريضة من الشباب المسلم المُضَلل , هذا أمر خطير ومخيف ويدعو للقلق , ويُحتم على علماء المسلمين المخلصين التصدي لهذا الفكر وأتباعه , لأنه يشكل الخطر الأكبر على الإسلام والمسلمين وديار المسلمين.
سعيد سطل ابو سليمان
24/ 8 / 2014
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]