إن من أعظم وأنجح وسائل التربية هو الحوار المستمر والمباشر بين الآباء والأبناء ، والذي يثمر في النهاية النجاح والتميز في المشروع التربوي ، والذي وَكَلَّنا الله به نحن الآباء والأمهات ؛ لأن حلقات الاتصال بين الأب والابن تبدأ منذ نعومة أظافر الطفل بل وهو جنين في بطن أمه ، وقمة هذه العلاقة التي تكون على أساسها التربية السليمة هي في جيل المراهقة وسن البلوغ ؛ لأن هذا الجيل هو المنعطف الخطير والفيصل الذي تبني وتصقل شخصية الابن ، والآباء في هذه المرحلة يكون دورهم الايجابي أو السلبي في بناء الشخصية ، وفي تثبيت صفات الخير ، أو في هدم الشخصية ودعم صفات الشر ؛ وذلك منوط في صلة الآباء بالأبناء وحوارهم وبناء الثقة بهم من قبل أبناءهم في مراحل التربية المتقدمة ، فالآباء والأمهات لهم التجربة والرؤية الواضحة في الحياة التي أكسبتهم الحكمة ومعالجة المشاكل يكونون في هذه المرحلة الملجأ والمفر للابن عند مواجهته أي مشكلة فيلجأ ذلك الفتى أو تلك الفتاة إلى ذلك الحصن المنيع وهو أباه أو أمه حتى يعينوهم في حل المشاكل التي تواجههم والتي قد تكون سببا لانحراف أبنائهم إن فقدت تلك الرابطة والصلة والثقة بين الآباء والأمهات .
أبناؤنا في خطر لأننا نعيش في بيئة ومجتمع صعب جدا ، ووضع خطير حيث إن الأبناء انعدمت صلتهم وثقتهم بآبائهم إلا من رحم الله ، فالابن أو البنت في مرحلة نضوجهم ومواجهتهم للحياة والتعرف عليها مع ما فيها من فساد وشبهات وظلمات وخير وحسنات ... ربما تخطلت عليهم الأمور فلا يميزوا بين الحق والباطل وربما تواجههم المشاكل والتي تكون الصعوبة في مواجهتها وحدهم أو عدم القدرة على مواجهتها أصلا وهم في جيل المراهقة ، فإلى من يكون الملجأ والتوجه إن عدمت تلك الثقة أو قطعت حلقات الاتصال والحوار مع آبائهم فهنا تكمن المصيبة ؛ فمن أبنائنا من يواجه المشكلة أو العقبة التي يقابلها وحده ، ومنهم من يلجأ إلى الشارع أو إلى صديق السوء أو إلى الجهلة فيزيدون الطين بله وتتسارع الأحداث وتتدهور الأمور فإذا الابن أو البنت يغرقوا في بحور من المشاكل مما يسبب في انحراف وضياع فلذات أكبادنا فنرى من ينحدر إلى المخدرات والمسكرات والى عالم الإجرام أو عالم العهر والزنا ظناً منه أن ذلك هو الحل والمهرب من المشاكل وفي هذه المرحلة تكون المفاجأة للآباء عندما يكتشفوا أن أبنائهم وقعوا في إدمان المخدرات أو المسكرات أو تورطوا في عالم الجريمة وقصص القتل والدماء أو أنهم أتوا بمصائب زجت بهم بالسجون وأن البنت وقعت في أوحال الرزيلة أو أنها أحبت فلان وهربت معه ...
فالآباء يتحملون المسؤولية هنا لأنهم أخفقوا في رعايتهم لأبنائهم في جانب الثقة والحوار ؛ فترى الأب لا يدري شيء عن ابنه ويظن أن التربية في الطعام والشراب والملبس والمسكن ، بل إن بعض الآباء لا يدري في أي مدرسة ابنه أو أي صف ولا يدري شيء عن تحصيله الدراسي ولا الأخلاقي ..... فيكون الجفاء بين الآباء والأبناء وتحصل المشاكل والكوارث والمصائب.
فالعلاج عندنا قبل وقوع كل هذه الكوارث وهذه المصائب هو بالعمل على بناء الثقة وقوة الاتصال بأبنائنا حتى نعينهم في مشاكلهم ومواجهتهم في الحياة ، تارة في التوجيه وتارة في النصح وتارة في الوعظ ؛ ويا ليتنا نرجع إلى كتاب ربنا وسنة نبينا فإن هناك الدواء والشفاء وأكبر مثل لنا في سورة لقمان عندما حاور ابنه وكلمه ونصحه ووعظه ووجهه إلى كل خير في دنياه وآخرته قال الله تعالى على لسانه ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ۞ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ۞وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ۞ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ۞ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ۞وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ۞ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ .
فلنحرص على هذه التربية ولنقوي صلتنا وثقتنا بأبنائنا ولنكلمهم ونحاورهم ولنجلس معهم كي نوضح لهم ونعلمهم عن هذه الحياة وهذه الدنيا ولنربطهم بخالقهم وربهم ليثبتوا على طريق الاستقامة والنجاة والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]