يوجد في مانهاتن بنيويورك تمثالا يبلغ ارتفاعه 93 مترا أطلق عليه تمثال الحرية , رمزا لشعار الحرية التي تتغنى بها أمريكا أمام العالم , لكن في الثقافة الأمريكية الشعار شيء وتطبيقه شيء آخر , في التطبيق على الأرض أمريكا تسلب الشعوب حريتها , في التطبيق على الأرض أمريكا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول , في التطبيق على الأرض أمريكا تعتدي على سيادة الدول , تحتل وتدمر وتقتل وتشرّد ملايين البشر.
في العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة المحاصرة برا وبحرا وجوا , قتلت الأسلحة الأمريكية بأيد إسرائيلية ما يزيد على ألفي مواطن , نصفهم من الأطفال والنساء , وجرحت ما يزيد على عشرة آلاف مواطن , ودمرت آلاف المباني وشرّدت عشرات الآلاف من العائلات, باتوا بين ليلة وضحاها بلا مأوى , دمرت مئات المنشات من مدارس ومشافي ومساجد وغيرها , ارتكبت إسرائيل بأسلحة الدمار الأمريكية جريمة حرب بكل المقاييس , غالبية الشعوب أدانت واستنكرت هذا العدوان الإجرامي , دول الغرب التي ترفع شعار الحريات وحقوق الإنسان لزمت الصمت , ومنها من تكلم همسا وعلى استحياء وطالب بوقف العدوان من الطرفين وعلى رأسهم الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون.
أما بلد تمثال الحرية فحمّلت المقاومة الفلسطينية المسؤولية كاملة , وبررت العدوان الإسرائيلي بقولها من حق إسرائيل الدفاع عن مواطنيها من صواريخ المقاومة , بحجة محاربة الإرهاب وباسم الحرية والديمقراطية احتلت أمريكا أفغانستان والعراق , دمرت البلدين قتلت وشرّدت ملايين البشر , وتقوم اليوم بتدمير سورية تحت شعار تحقيق الحرية والديمقراطية للشعب السوري , هذه المعايير المزدوجة في سياسة أمريكا الخارجية معلنة غير خفيّة, فهي لا تخفي دعمها وتأييدها المطلق لإسرائيل في جميع المحافل الدولية وأمام العالم , فالقيم والأخلاق لا وجود لها في أجندة السياسة الأمريكية عندما يتعلق الأمر بإسرائيل , وكذلك القوانين والمعاهدات والمواثيق والقرارات الدولية لا اعتبار لها في السياسة الخارجية الأمريكية عندما يتعلق الأمر بربيبتها إسرائيل , فموقف أمريكا المعادي للشعوب العربية وعلى رأسها الشعب الفلسطيني غير مستغرب , ولا موقف ما يطلق عليها دول الاعتدال المؤيد والداعم للسياسة الأمريكية المعادية للشعوب العربية والإسلامية بالأمر المستغرب , الأمر المستغرب حقا هو موقف الغرب المسيحي وعلى رأسه أمريكا , من جرائم داعش التي يرتكبونها بحق مسيحي العراق وسورية , من اعتداءات على الأرواح والأموال والمقدسات والرموز الدينية والرهبان والراهبات.
بتاريخ 22 نيسان 2013 تم اختطاف المطرانين بولس اليازجي ويوحنا إبراهيم قرب حلب بسورية , حتى الآن لا احد يدري ما حل بهما ؟ هل ما زالا على قيد الحياة أم قتلا ؟ قامت داعش باعتداءات وحشية على المسيحيين في معلولا بسورية , وفي نينوى والموصل بالعراق قتلوا ونهبوا وخرّبوا ودمروا وأحرقوا البيوت والكنائس والأديرة وسبوا النساء واعتدوا على الأعراض , واخرجوا وطردوا الناس من بيوتهم ومدنهم وقراهم إلى العراء , كل ذلك حدث ويحدث على مرأى ومسمع من العالم بأسره , المستغرب والمستهجن والمحيّر أن أمريكا لم يرف لها جفن حيال ما تعرّض ويتعرّض له المسيحيون في العراق وسورية على أيدي عملائهم الداعيشيين المرتزقة , أما الموقف الغربي الممثل بفرنسا وألمانيا , فأبدت كل منهما استعدادها لاستقبال مسيحي العراق على أراضيها , هذا العرض ما هو إلا إضفاء شرعية لما ترتكبه داعش من جرائم بحق المسيحيين خاصة وبحق العراقيين والسوريين عامة , رولاند الفرنسي وماركل الألمانية يبديان موافقتهما على أن يصبح مسيحيو الشرق لاجئين مشتتين في دول العالم , اعتقد أن خطة خبيثة يشارك فيها الغرب لتفريغ المشرق العربي من الوجود المسيحي , والشاهد على ذلك سكوت الغرب لما يجري للمسيحيين وتركهم لوحدهم يلقون مصيرهم في دنيا المصالح.
ليس أمام المسيحيين إلا احد خيارين لا ثالث لهما , إما أن يتركوا أرضهم وديارهم ويلجئوا أذلاء إلى بلدان خذلتهم وتقاعست عن نصرتهم , وإما أن يبقوا في أوطانهم وعلى أرضهم ويحموا أنفسهم بأنفسهم بكل الوسائل والسبل المتاحة ما داموا تركوا لمصيرهم لا ناصر لهم ولا معين , حتى يجعل الله لهم فرجا ومخرجا , عسى أن يكون قريبا.
سعيد سطل ابو سليمان
24 / 10 / 2014
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]