العالم الثالث مصطلح سياسي , يقصد به الدول المتخلفة عن ركب الحضارة والتقدم , وأحيانا يطلق عليها الدول النامية.
من يُلقي نظرة فاحصة على حال الشعوب العربية على امتداد الوطن العربي , وما يعتريهم من تخلف ومن ضعف , وما هم عليه من ضياع ومن ذل وهوان , يصاب بإحباط ويأسٍ يتهدد هويته ومعتقده وثقافته , ذلك لأن العالم العربي الإسلامي في القرون الأربعة التي تلت الفتح الإسلامي , أي حتى القرن العاشر الميلادي , كان الأوسع ثقافة وحضارة والأكثر تقدما , لقد شهدت الحضارة الإسلامية عصرا ذهبيا , كان فيه العالم العربي الإسلامي وريثا للحضارات السابقة ومطوّرا لها.
فقد كانت الرياضيات فيه في الغالب الأعم عربية , والطب كان عربيا , وكذلك علم الفلك وعلم الفيزياء وعلم الكيمياء والفلسفة , ظل العالم العربي الإسلامي أربعة قرون في مقدمة الركب العلمي والحضاري , وما حققه العرب في مجالات الرياضيات والفلك والفيزياء من انجازات كان هو الأساس الذي قام عليه التقدم العلمي في أوروبا , ثم بدأ التراجع والانحدار ببطء حتى القرن السابع عشر , ثم تسارع التراجع والانحدار حتى أدى إلى السقوط إلى الهاوية , ومنذ أكثر من ثلاثة قرون لم نشهد للعرب إنتاجا في مجال العلوم المختلفة.
لقد بات الإنتاج العلمي محدودا إن لم نقل معدوما , ومن بداية القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا العالم العربي يعيش ألوانا من الهزائم , وما زال يعيش من هزيمة إلى هزيمة , ومن فشل إلى فشل , ومن ضعف إلى ضعف , غالبية الدول الأسيوية والإفريقية التي تعتبر من العالم الثالث أو من الدول النامية , غالبيتها نفضت عن نفسها غبار الاستعمار ومخلفاته من الجهل والتخلف والفقر , وتسعى سعيا حثيثا نحو الرقي والتقدم الحضاري وهي في طريقها إلى القمة تكاد تصل , إلا العالم العربي يعيش في واقع يغمره الضباب , الرؤية فيه غير واضحة فلا تخطيط ولا برامج ولا مشاريع , فبدلا من أن يخطو إلى الأمام تراجع إلى الخلف إلى مؤخرة الركب , اليوم الشعب العربي من المحيط إلى الخليج يعيش على هامش الحياة عيش جهل وفقر وذل وهوان , يعيش عالة على الأمم وهو أغنى الأمم ثروة ورقعة جغرافية , هذا الحال المذل المهين سببه قيادات صنيعة الغرب , صنعتها قوى كبرى كما تصنع الآلة , قيادات لا تدري أين موقعها ولا أين تقف وأين تتجه , قيادات تحمل على أكتافها رؤوسا فارغة من العلم والثقافة , لا تفكر إلا بعقل الآخرين, ولا تنظر إلا بعيون الآخرين , ولا تتحدث إلا بلسان الآخرين , تأكل مما يزرعه الآخرون , وتلبس مما يخيطه الآخرون , فهي تفتقر إلى الفكر والنظر والتدبير والتخطيط , وتفتقر إلى الإرادة والسيادة , لها قلوب فارغة من العواطف والمشاعر والرأفة والرحمة فهي سوط بأيد الغرب يلهب ظهور شعوبها المقهورة, وسيف بيد الأعداء مسلط ٌعلى رقاب شعوبها المستضعفة الذليلة.
لذلك العدوان الغاشم على غزة , والاعتداءات المتواصلة على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية , والاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى وما يتعرض له من تدنيس المستوطنين لباحاته , وتهويد القدس وإحاطتها بالمستوطنات ,هذه الاعتداءات والاقتحامات والانتهاكات لثالث الحرمين الشريفين , لم تحدث هزة في نفوس حكام العرب , أو صدمة تحرّك مشاعرهم , هذه هي مصيبة الأمة العربية الكبرى بقياداتها وزعمائها , هذا الصمت الرهيب والبرود القاتل إزاء ما يحصل , يدل على أنها قيادات مُصنّعة خصيصا لتحقيق أهداف ومصالح الغرب في المنطقة العربية , الغرب يشعل نار الفتنة الطائفية في الوطن العربي ويخطط لتقسيم العالم العربي إلى دويلات طائفية هزيلة , الأداة المنفذة لهذا المشروع الخبيث هم قادة العرب وزعمائهم , إنها قيادات تقول ما لا تفعل , تتكلم عن الوطن وهي تخونه , تتكلم عن العروبة وفكرها ومشاعرها مع الغرب , أجسادهم مع شعوبهم وقلوبهم مع عدوهم , كما قيل للحسين بن علي رضي الله عنهما عن أهل الكوفة لما سأل عن أخبارهم ؟ قيل له : قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية.
سعيد سطل ابو سليمان
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]