كان ذلك في عام 2003 عندما صدر "أمر احترازي" يمنعني من السفر إلى خارج البلاد وفق "قانون الطوارئ" سيء الصيت. وفي حينه تقدمت بالتماس إلى "القضاء" لإلغاء ذاك "الأمر الاحترازي"، فرد "القضاء" التماسي ولم يقبل به، وبقي "الأمر الاحترازي" ضدي ساري المفعول!! فقال لي في حينه أحد الأهل العقلاء: (استعد للاعتقال، لأن هدف أمر منعك من السفر إلى الخارج كي تضمن الأذرع الأمنية الإسرائيلية إمكانية اعتقالك في كل لحظة). وهذا ما وقع فعلًا، فلم تمض سوى برهة من الزمن على ذاك "الأمر الاحترازي" حتى اعتقلت واعتقل عدد كبير من أبناء الحركة الإسلامية بما عُرف يومها باسم ملف "رهائن الأقصى"!!.
وقبل ما يزيد على ستة أشهر صدر ضدي من جديد هذا "الأمر الاحترازي" اللعين ومُنعت بموجبه من السفر خارج البلاد. وإلى جانب ذلك قلت في نفسي: يبدو أنني سأتعرض لاعتقال طارئ ومفاجئ شبيه باعتقالي في عام 2003. ومما قوَّى عندي هذا الاحتمال ما بدأ يردده نتنياهو وزبانيته؛ وهو الدعوة إلى إخراج الحركة الإسلامية عن القانون، فقلت في نفسي: لعل هذه الدعوة السافرة لإخراج الحركة الإسلامية عن القانون ستكون هي التمهيد لاعتقالي، وقد تكون تمهيدًا لاعتقال آخرين من أبناء الحركة الإسلامية. ثم انتهت مُدة هذه الستة أشهر ولم أتعرض للاعتقال. ثم مدد منعي من السفر إلى الخارج مدة شهر واحد فقط، فقلت في نفسي: لعل نتنياهو وزبانيته قد قرروا إخراج الحركة الإسلامية عن القانون خلال هذا الشهر، ولكن خلال هذا الشهر أعلن الإعلام العبري أن الخلاف الذي وقع بين نتنياهو وبين جهاز المخابرات الإسرائيلي الداخلي (الشاباك) هو الذي منع – في الوقت الراهن – إخراج الحركة الإسلامية عن القانون، حيث أن نتنياهو ألح على إخراجها عن القانون، بينما (الشاباك) اكتفى بالقول إنه لم يقف على "مبررات" تقود نحو إخراجها عن القانون، وسيواصل في نفس الوقت رصدها، وبالذات رصد نشاطها المالي!!
ثم قبل أن ينتهي هذا الشهر جرى تمديد منعي من السفر مدة ستة أشهر أخرى. وإلى جانب ذلك جرى تمديد منعي من الدخول إلى القدس والمسجد الأقصى المباركين مدة ستة أشهر أخرى، فعُدتُ وقلت في نفسي: هل معنى ذلك أن نتنياهو وزبانيته لا يزالون مصرين على إخراج الحركة الإسلامية عن القانون، وقد يقدمون على إخراج وتنفيذ هذه المهزلة قبيل يوم انتخابات الكنيست القريبة، بهدف أن يرفع نتنياهو أسهمه الانتخابية – المخسوفة – في المجتمع الإسرائيلي؟!
وهل معنى ذلك أن نتنياهو سيواصل بذل أقصى ما يملك من أساليب الضغط والإشاعة والاتصالات الخفية والمكشوفة مع الشاباك وغيره كيما يصل، مع هذا الجهاز (الشاباك)، إلى اتفاق لإخراج الحركة الإسلامية عن القانون قبيل يوم انتخابات الكنيست القريبة؟!
وهل معنى ذلك أنه سيحاول إشراكهم في هذه المهزلة، وسيحاول الوصول معهم إلى تبرير مشترك لماذا سيعلنون عن إخراج الحركة الإسلامية عن القانون خلال الأسابيع المتبقية على يوم هذه الانتخابات؟!
وهل سيُبنى على ذلك اعتقالي واعتقال بعض أبناء الحركة الإسلامية كما وقع في عام 2003؟!
وهل سيحاول نتنياهو التعجيل بهذه الإجراءات كورقة رابحة له في هذه المعركة المصيرية على مستقبله السياسي في هذه الانتخابات التي باتت على الأبواب؟! أم أن هذه الإجراءات سيجري ترحيلها إلى ما بعد يوم هذه الانتخابات، وإلى ما بعد تشكيل حكومة جديدة بعد هذه الانتخابات؟!
ولكن الواضح -إلى جانب كل ذلك- أن نتنياهو وزبانيته باتوا يتعاملون اليوم مع الحركة الإسلامية كأنها خارج القانون، وإن لم يصرحوا بذلك. فها هي أحكام الطوارئ سيئة الصيت باتت تطال العشرات من أبناء الحركة الإسلامي.، فقد صدر مثل هذه الأحكام خلال هذه الأيام ضدي وضد الشيخ كمال خطيب؛ نائب رئيس الحركة الإسلامية، وضد الشيخ حسام أبو ليل؛ النائب الثاني لرئيس الحركة الإسلامية، وضد د. سليمان أحمد؛ المسؤول عن مكتب العلاقات الخارجية في الحركة الإسلامية، بهدف منعنا من دخول القدس المباركة تارة، وبهدف منعنا من دخول المسجد الأقصى تارة ثانية، وبهدف منعنا من الدخول إلى الضفة الغربية تارة ثالثة، وبهدف منعنا من السفر إلى الخارج تارة رابعة. ثم ها هي الاعتقالات بدأت تقع على العشرات من أبناء الحركة الإسلامية بتهمة الرباط في المسجد الأقصى أو الاعتكاف فيه أو النفير إليه. وها هي أوامر الإبعاد بدأت تقع على العشرات من أبناء الحركة الإسلامية عن المسجد الأقصى بهدف منعهم من مواصلة دورهم المرابط في المسجد الأقصى. إلى جانب ذلك فقد ضيقت المؤسسة الإسرائيلية قبل أسابيع على بعض المؤسسات الأهلية أو إغلاقها لأنها تناصر القدس والمسجد الأقصى المباركين، فحجزت بعض حافلات مؤسسة "البيارق"، حيث كانت تنقل بواسطة هذه الحافلات المئات من أهلنا في الداخل الفلسطيني إلى القدس والمسجد الأقصى المباركين، ثم أغلقت المؤسسة الإسرائيلية مكاتب مؤسسة "عمارة الأقصى"، التي كانت ترعى إلى عهد قريب أكثر من ألف ومائة مرابط ومرابطة في المسجد الأقصى في إطار مصاطب العلم في المسجد الأقصى، ثم أغلقت المؤسسة الإسرائيلية مكاتب مؤسسة "القدس للتنمية"، التي كان لها الباع الطويل في تثبيت أهلنا المقدسيين في القدس المباركة. فلماذا كل ذلك؟!
واهمٌ من يظن في المؤسسة الإسرائيلية أن مواصلة خنق الحركة الإسلامية سيدفعها إلى التخلي عن ثوابتها بعامة، وعن نصرة القدس والمسجد الأقصى بخاصة، بل على العكس تمامًا فإن الحركة الإسلامية باتت تبحث اليوم عن وسائل جديدة ومبدعة بهدف أن تضيفها إلى الوسائل التي تتبعها الآن، والتي لن تتخلى عنها لنصرة القدس والمسجد الأقصى. وواهم من يظن في المؤسسة الإسرائيلية أن كثرة الضغط على الحركة الإسلامية سيدفعها إلى الدخول في لعبة الكنيست والمشاركة فيها، بل على العكس تمامًا فإن الحركة الإسلامية على يقين أن أي ضغط قد يمارس عليها لن يزيدها إلا صلابة وتماسكًا أكثر، وستبقى على العهد مع القدس والمسجد الأقصى، وسيظل حالها كما قال الشيخ الثائر عمر المختار: "إن الضربة التي لن تكسر ظهرك ستقويه". لذلك ستبقى الحركة الإسلامية في نمو مطرد، وفي اتساع عددي ومؤسساتي، وفي تواصل إسلامي وعربي وفلسطيني، وفي تمسك بكل الثوابت على صعيدها الفلسطيني والإسلامي والعربي، ولن يضرها من خالفها أو خذلها أو ما أصابها من بأساء وضراء ولأواء، ولن يفزعها صوت من بات يهددها من بني جلدتنا بلغة الناصح الأمين، وستبقى على الموقف ثابتة لا تلين ولا تستكين، ولا تهون ولا تخون، حتى يأتي أمر الله تعالى، وما أخاله إلا على الأبواب.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]