تبدو ساحة الانتخابات مثل ساحة "حرب الشوارع"، كما وصفها لي أحد قادة الاحزاب العربية.
في حرب الشوارع كما في حرب الشوارع, يجوز ان تتبع الاسلوب الذي يوصلك الى الهدف، ان تضرب في الصدر او الوجه، أو حتى في الظهر، المباغتة جزء من حرب الشوارع، مركب أصيل.
في حرب الشوارع ايضا يزداد عنصر المفاجأة، فالنظام ليس من سمات هذه الحرب، الابتكار والابداع واستعمال أساليب "غير متوقعة" و"غير تقليدية"، هي جزء منها.
من الواضح مثلا ، تقليديا، أن الجبهة تؤمن وللغاية وحتى النخاع بالنضال العربي اليهودي المشترك، وطبعا بالقائمة العربية اليهودية المشتركة، وهي على غير استعداد للتنازل عنها، حتى النهاية، بكل الحالات والظروف.
ايمان الجبهة (والحزب الشيوعي الاسرائيلي بشكل خاص) لا ينبع من الاخيرة (القائمة العربية اليهودية المشتركة)، من اعتبارات انتخابية بل من اعتبارات ايديولوجية، واضحة، بدون لف ولا دوران.
بالإمكان قراءة العديد من المقالات والتحليلات بشأن موقف الحزب والجبهة بالعبرية كذلك في موقع "محادثة محلية" (ترجموها انتو)، هناك ستجد الكلام والمواقف في غاية الوضوح، حول الجبهة والحزب ودورهما في هذه الانتخابات، من الدعوة المباشرة للتحالف مع "ميرتس" للوقوف أمام اليمين، حتى الحديث عن قائمة عربية مشتركة على استحياء، مرورا بالحديث عن قائمة مشتركة دون ذكر اسم الحركة الاسلامية بها، اللغة مهمة للغاية، ليس كل ما تقوله بالعربية يمكن قوله بالعبرية.
الحزب والجبهة يؤكدان بوضوح على "قائمة تحالفية واسعة عربية يهودية تقدمية"، في كل ادبياتهم، التي تصدر بالعربية والعبرية، ولا مشكلة طبعا في دعوة الحزب والجبهة من حيث الموقف، موقف تاريخي مثابر.
المشكلة مع من يتحدث عن "قائمة عربية مشتركة"، عن "وحدة عربية" ويذهب البعض الى ابعد من ذلك "قائمة الوحدة الوطنية".
طبعا الاعتبارات لدى كل فريق، مع التأكيد على مبدئية الحزب والجبهة هنا، مختلفة، لكن اللغة هنا مزدوجة، المعنى متناقض في رأينا، "قائمة تحالفية واسعة عربية يهودية" هي ليست "قائمة عربية مشتركة"، الفرق كبير، ليس في الاسم فحسب بل بالمعنى الذي يجب من خلاله تحقيق الهدف الذي تتحدث عنه الاحزاب، المسألة ليست شكلية بالنسبة لاحزاب تصبو "لتوحيد العرب وبناء مؤسساتهم"، ولا بالنسبة "لمن وجد نفسه بحكم العادة في الحديث عن الوحدة وضرورات الوحدة وأهمية الوحدة وجد نفسه على استعداد لقبول أية "وحدة".
الحرب داخل وخارج الاحزاب
في حرب الشوارع, التي تشكل اسم القائمة غير المتفق عليها, واحدا من منتجاتها، هناك حرب شوارع من نوع آخر، هي متوقعة طبعا.
ما يدور بين الاحزاب ومركبات القوائم وداخل الاحزاب بشأن بناء وتشكيل القائمة يكشف بوضوح عن "حقيقة" يحاول البعض اخفاؤها.
بالمختصر المفيد, وعلى ما يبدو, كل ما يشغل الاحزاب هو المقاعد وترتيبها، و"العهود", و"استطلاعات الرأي العام"، فكيف نوفق إذن بين التنافس الى حد المزاودة على الدعوة "للوحدة" وما تتبادله الاحزاب بينها وفي داخلها من "نيران" وصواريخ من العيار الثقيل احيانا، بل أن بعضها صار يتحدث بوضوح عن "نقض العهود" و"الكومبينوت" و"الصفقات"؟
وماذا اذا تم الاتفاق غدا مثلا على قائمة "موحدة" يحصل بها كل طرف على ما يريد، هل ستكون الصورة مختلفة؟؟، ,هل سيمحى كل ما قيل؟
ليس لدي أي نية طبعا في التدخل في الشأن الداخلي للاحزاب والاعتبارات والتحفظات، هذا شأنهم، ولكن عندي ما أقول بشأن تحميل انتخابات الكنيست اكثر مما تستحق، لأنها تخص مجموعة وليس الجميع، وهذه مسألة من واجب من يخوض الانتخابات ان يلتفت إليها، نصف الناس .
انتخابات الكنيست ليست الاساس, الذي يبنى عليه مشروع مشترك، ولا يمكن ان يكون حتى نقطة انطلاق، لان الحسابات والاعتبارات تختلف جوهريا عن أسس بناء أي عمل وطني جماعي مشترك.
ما يحدث مؤخرا في مسألة تركيب القائمة والاتفاق والاختلاف يؤكد ما قلناه منذ اللحظة الاولى، هذه القائمة تعتمدعلى ثلاثة مركبات أساسية، الخوف من عدم عبور نسبة الحسم وتوفير "كتلة مانعة" لحزب العمل أي للمعسكر الصهيوني الذي يقوده "هرتسوغ" و"ليفني"، والحسابات الشخصية للقادة في هذه الاحزاب، وخصوصا الجبهة، ما عدا ذلك في رأينا غير مهم، وعليه فإن القائمة ان "كتبت لها الحياة" ستتفكك مباشرة بعد انتخابات الكنيست، وستنفصل الى مركباتها الاساسية من جديد،ل ان هناك ما تخسره ايضا على مستوى عملها في الكنيست ان بقيت قائمة واحدة، وظائف وأمور اخرى.
هذه القائمة لا تستطيع ان تتعايش مع بعضها اصلا، هذا هو "مختصر تاريخ القائمة"، نرجو وللغاية ان يتم الالتزام بدائرة الاهداف والمبادئ (أي مبادئ)، الله اعلم.
نسقط اليمين !, وماذا مع ليبرمان ؟؟
عندما لا تملك مشروعا، عندما لا تجد ما تقوله، عندما يتحول الاداء السياسي الى عجز، تتقلص الغايات والاهداف، هذه المرة السياسة الاسرائيلية الجديدة، التي تطل عبر حملات اعلامية منظمة تضع العرب في مأزق جديد.
وعودة الى الشعار الذي تتمركز حوله الجبهة، "لاسقاط حكومة الفاشية وسياستها العنصرية"، شعار شرعي ومقبول لمن يخوض انتخابات الكنيست، ولمن لا يملك امكانية للتأثير على القرار السياسي.
المعنى الحقيقي لاسقاط "الحكومة الفاشية المتطرفة"، ونحن بالمناسبة نقبل هذا الوصف، هو استبدالها بحكومة اخرى "غير فاشية وغير متطرفة"، جيد.
في الجهة المقابلة ليست هناك خيارات كثيرة، حكومة بقيادة "هرتسوغ" بالتناوب مع "ليفني"، أي "المعسكر الصهيوني" كما يسمي نفسه، هذا هو أعلى ما يمكن ان ينجزه الصوت العربي، استبدال "نتنياهو" بـ"ليفني" .
ولكن لماذا يصوت العرب اصلا للعرب وما زال بالامكان اسقاط "نتنياهو" واستبداله بـ"ليفني" او "هرتسوغ" بشكل افضل التصويت المباشر لهما مثلا؟، لان ذلك سيمنح الاثنين مقاعد اكثر وامكانية اكبر لتشكيل الحكومة القادمة؟؟
الورطة الثانية تكمن في شكل الحكومة الاسرائيلية القادمة، تركيبتها.
ليس هناك اية امكانية تقريبا لاحد ان يشكل حكومة بائتلاف ثابت، امكانية ان يشكل "نتنياهو" الحكومة القديمة هي الاقوى لان بحوزته احزاب منسجمة اكثر (البيت اليهودي والمتدينين)، قاعدة انطلاق اوسع من غيره.
الاغلب ان تكون الحكومة الاسرائيلية القادمة "حكومة وحدة وطنية"، الليكود مع المعسكر الصهيوني، او الليكود من "كحلون" و"ليبرمان"، او المعسكر الصهيوني مع "كحلون" و"ليبرمان"، التناوب على رئاسة الحكومة سيكون المخرج الوحيد للخروج من ازمة ائتلافية متوقعة، الا اذا حصلت مفاجأة من العيار الثقيل.
العرب يقدمون انفسهم مجانا، "اسقاط نتنياهو"، بدون أي مقابل، بدون شروط مسبقة، لانهم لا يملكون شيئا غير ذلك في الحقيقة.
طبعا يمكن السؤال وماذا يمكن ان يفعل العرب؟، جيد سؤال وجيه، على الاقل ولحفظ ماء الوجه ان لا يدعون بشكل غير مباشر للتصويت لـ"المعسكر الصهيوني"،ل ان المعنى السياسي للدعوة لاسقاط حكومة اليمين الفاشية التي يرأسها "نتياهو"، هو تحويل العرب الى جزء من معسكر هو "المعسكر الصهيوني المعتدل"، وإجراء فصل مزيف ومضلل في مركبات الحركة الصهيوينة، وهو ما ينجسم مثلا مع الذين يدعون لبناء تحالف بين الجبهة و"ميرتس".
نحن نفهم المأزق في هذه المسألة بالذات، فليس هناك مبرر لوجود العرب في الكنيست سوى اعتبارهم جزء من معسكر، وبدون الحرب على الفاشية لا يمكن ان يكون مبرر لـ"المعركة"، وهذا في رأينا هو التعبير الاقوى عن "الاسرلة"، بالضبط مثل الفكير بكتلة مانعة.
المسألة الاخرى التي قد تربك العرب في انتخابات الكنيست القادمة هو "افيغدور ليبرمان"، الذي ينعت مؤخرا من قبل صحافة واعلام اليمين والليكود انه "يساري"، "ليبرمان" الذي يبدي استعدادا ليكون جزء من حكومة "هرتسوغ" "ليفني" ولا يرفض ان يكون جزء من أي ائتلاف، فكيف سيمكن التوفيق بين وجود حكومة يرأسها "هرتسوغ" (مثلا) بعد اسقاط الحكومة الفاشية التي يرأسها "نتنياهو" اذا قدم لها "ليبرمان" الدعم وانضم اليها، هل فهمتم شيئا؟، هكذا هي حرب الشوارع ؟
الترويع والصدمة والاعلام و"داعش"
يواصل الاعلام حملة غير مسبوقة من "الترويع" التي فاقت كل حدود المعقول، واصبح من الممكن تداول اية معلومة يضخها الاعلام كمسلمة، من الصعب حتى مجرد مناقشتها هذا ناهيك عن انكارها.
ما يحدث حول "داعش" (سأسميها داعش وليس تنظيم الدولة) في الاعلام بات يتجاوز حتى حدود ذوق "اولاد الشوارع"، ليس المبالغة فحسب بل الكذب الذي بات لا يقنع حتى الذ اعداء "داعش".
السهولة في نشر الاخبار عن "داعش"، أي خبر واي معلومة من أي نوع من "حز الرؤوس" وصولا الى "الارغام على الزواج"، مرورا بمن يتزوج 20 امرأة في اسبوع، و"المقابر الجماعية" التي تم "اكتشافها" والتأكيد على ان "داعش" من خلفها، والدقة في عدد من قتلتهم "داعش"، أي بالضبط، كلها واشياء اخرى تكشف الى أي مدى من الممكن التلاعب بالناس ووعيهم وعقولهم، لان حاسوب نانسي عجرم يفوق من حيث الاهمية الاعلامية أي "مقبرة جماعية".
تصل "داعش" الى هذا الحد من الاهتمام لسببين: الترويع والصدمة, التي احدثها الاعلام بما بث من صور شديدة التطرف حول الذبح (مع التأكيد ان هناك شبهات كثيرة تدور حول هذه المسالة)، عملية ترويج المتواصلة التي سبقت ذلك .
الى جانب هذا الحضور "الداعشي" المذهل ، والتضخيم والانشغال فان هناك غياب كلي لما يحدث في العراق وسوريا ، الجرائم المروعة التي يرتكبها عصابات النظام في سوريا وإيران والعراق.
خلف "داعش" تختفي كل جرائم المرحلة، ويعيش الناس مع جرائم "ألالات" و"الآيات" وكأن شيئا لم يحدث، المطلوب الانتباه للغاية لعملية الاخفاء التي يقوم بها الاعلام لما يحدث في سوريا والعراق واليمن وليبيا وتحميل كل تباعاتها لـ"داعش".
ايران ونهاية محور الشر
عطفا على ما قيل اعلاه, فإن التلخيص الاهم لنهاية هذا العام هو خروج ايران من "محور الشر"، وفقط للتذكير.
لم تخرج ايران التي تواجدت في "محور الشر"، الا بعد ان انجزت مهماتها على اتم وجه، شاركت في تدمير العراق وسوريا واليمن وما زال مشروعها التدميري مستمر، ايران كانت وبقيت على محور معادي للامة، لقد كانت شريكة فاعلة للغاية في تنفيذ مشروع "الشرق الاوسط الكبير" لتفكيك المنطقة، وهذا هو الاهم في تقييم الدور الايراني، التي كانت شريكة في تدمير الامن العربي.
ايران تصرفت, وتتصرف دائما على اساس مشروعها ومصالحها، شاهدنا بعض اهداف مشروعها في العراق وسوريا واليمن وهي لن تتوقف, هدفها القادم سيكون دول الخليج، والسعودية، وهذا ليس دفاعا عن الانظمة في هذه البلاد، بالعكس تماما.
لن تخدعنا ايران بأي شيء، لا بخطابات الشيطان ولا بخطابات السرطان، انتهى عصر الدجل، ومثلها حلفائها، سنبقى نقيّم الدور الايراني وغيره على اساس الموقف من المشروع الصهيو-امريكي الغربي والصليبي العولمي، منطلقين من أسس عقدية، نقطة سطر جديد.
من لغزة ؟؟؟
تعيش غزة تحت الحصار، كل حصار ممكن تعيشه غزة، الحياة والسياسة، صمت مريع.
قلنا ان مشروع تعمير غزة لن يكون الا اداة للابتزاز، للأسف (ولعله ليس للاسف) الان حجم الحصار كبير، الحصار المعنوي الذي تعيشه غزة لا يقل خطورة عن الحصار المادي، بل قد يفوقه.
تخيلوا طفل تحت حصار، يتيم يصرخ، ارملة لا تجد قوت يومها لها ولاطفالها، جريح يأن ويصرخ، فقط تخيلوهم، يسمعون في اخر اليوم من يزيد من جراحهم ويحرض عليهم علانية ، ويتركهم يموتون، قهرا وألما.
تعيش غزة لوحدها، ولا نحتاج الى وقائع من حياتنا يتمنى اهل غزة ان يكونوا مثلها، "أرب ايدول" مثلا، صدقوني لا اقول ذلك من باب "النكتة".
"أرب آيدول", التي أخرجت الفلسطينيين من توازنهم، وحولتهم الى "كيان وطني" لديه هوية، "وحدث" يوصل الفلسطينيين" الى العالم العربي، فيما لم يجدوا من يوصل "الام غزة" وكارثتها الى "ضمير مستتر" تقديره الاستعمار، يكشف حجم الفاجعة والكارثة، نحن الان في مرحلة اخرى، تاريخنا يكتب من جديد، وآلامنا كذلك، مهمة وجودنا، نحن الذين نعرف انفسنا كفلسطينيين، بين الكنيست و"أرب آيدول" تنتج "حالة فلسطينية" جديدة، تراقب حصار غزة من بعيد، تنتظر ان تموت وتختفي، وتشارك هي في اخفائها.
وليس لدينا ما نقول سوى أن غزة تنادينا وتستصرخ.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]