لقد سبق أن قلنا أن يافا تتعدى كونها المكان والزمان. يافا ليست البيارة والعمارة فقط بل الانسان هي انا وأنت. هي بصمات كل يافاوي ولد وقضى نحبه فيها. بالأمس فقدنا أما غالية وزوجة صالحة وجارة , نعم الجارة. ما أن خرجت من بيت العزاء حتى انتابني شعور بأنني فقدت شيئاً غالياً على قلبي. فقدت إنساناً مخلًداً في ذاكرتي منذ الطفولة. وجدت نفسي أبكي على أنّ يافا فقدت أم محمود. وليست صدفة أن سميّت شهيرة ومن لا يعرف شهيرة. أم محمود التي اقترن اسمها بشهر رمضان المبارك.
قطايف أم محمود , كل الاطفال بحارتنا والحارات المجاورة عرفت أم محمود بل يافا بأسرها . هي التي رسمت البسمة على شفاهنا. كنا نحمل الصواني وننتظر بالطابور لنشترى عجينة القطايف من أم محمود. لم تدفع نصف عمرها لترى طفلا باكيا يضحك كزيّاد بل كل عمرها قضته وهي ترسم البسمات على وجوه أطفال يافا. وجدت فيها صفات الأم الصالحة التي تفانت في خدمة أولادها وحرصت على تربيتهم التربية الصالحة. الزوجة الصالحة التي رعت أطفالها وبيتها وزوجها. المرأة الكادحة التي وقفت إلى جانب زوجها وعملت ليل نهار لراحة أولادها وزوجها. لا أذكر مرة التقيت فيها إلا وكانت مبتسمة.
وجدت في هذه السيدة الصالحة من صفات أمي , الهدوء والورع والإيمان والعمل دون كلل. التفاني في خدمة الغير والعطاء المستديم. كانت صابرة ومحتسبة على البلاء. أم محمود كانت من الجيل الذي واكب النكبة , نكبة يافا وفلسطين ومرّت كالكثير من أمهاتنا بظروف لا نحسد عليها. عاشت يافا في أحلك ظروفها وكانت شاهدة على عصر عايشه أهلنا. هم جيل الخوف ولكنهم تسلحوا بالثبات والإيمان والعمل من أجل ضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة. لقد حرمت أم محمود من أبسط الامور التي لا غنى عنها كالتعليم مثلا ولكنها وها هم شهيرة ومحمد وعلي وغيرهم من أحفادها قد تسلحوا بالعلم وتخرجوا من الجامعات . ها هي شهيرة أمي أم محمود تحصد ثمار الجهد الذي قامت به على مدار عقود. فالى جنات الخلد يا أم محمود.
ونختم بقوله نعالى بسم الله الرحمن الرحيم " يا أيتها النفس المطمئنة , إرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي " صدق الله العظيم.
عبد القادر فتح الله سطل
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]