هكذا هي الصورة التي باتت تتضح، والتي باتت تؤكد أن نتنياهو ما عاد يعلن فقط حربًا على "حماس" أو الجهاد الإسلامي أو الإخوان المسلمين أو أية جماعة إسلامية أخرى، بل بات يعلن حربًا على الإسلام علانية.
والذي يتابع تصريحات "نتنياهو" وحاشيته في هذه الأيام يجد مصداق ما أقول. وعلى سبيل المثال؛ بعد أن وقع الهجوم على مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية اتصل "نتنياهو" بالرئيس الفرنسي "فرانسو هولاند" ودعاه للتعاون مع المؤسسة الإسرائيلية من أجل "اجتثاث خطر الإسلام المتطرف". ومن الواضح أن "نتنياهو" لدى استخدامه هذا التعبير "الإسلام المتطرف" قد انتقل من مرحلة كان يصف فيها بعض الجماعات الإسلامية بالتطرف إلى مرحلة جديدة بات يصف فيها الإسلام بالتطرف، وهذا يعني أن نتنياهو قد انتقل من مرحلة كان يعلن فيها حربًا على الجماعات الإسلامية إلى مرحلة بات يعلن فيها الحرب على الإسلام!! ولم يكتف نتنياهو بإعلان الحرب من طرفه لوحده على الإسلام، بل بات يستعدي الآخرين على الإسلام، وبات يدعو لإقامة حلف عالمي لمحاربة الإسلام، وهذا يبدو جليًا من قول نتنياهو الذي قاله في سياق حديثه مع "هولاند": لا بد من "حرب صارمة لا هوادة فيها ضد الإسلام المتطرف تتضافر فيها كل جهود أوروبا، فإن الجريمة الفظيعة التي ارتكبت مؤخرًا ستتكرر"، ففي هذا القول الملغوم لم يكتف نتنياهو بتقمص شخصية "الخروف الوديع" وذرف دموع التماسيح على قتلى هذا الهجوم على مجلة "شارلي إيبدو"، وهو نتنياهو الذي لن تغسل عنه كل بحار الدنيا دماء عشرات آلاف القتلى والجرحى من شعبنا الفلسطيني الذين أصابهم ما أصابهم بعد أن أعلن حربه المجنونة على غزة العزة قبل بضعة أشهر، ولم يكتف باستغلال بشع لهذا الهجوم على تلك المجلة ولم يكتف بالدعوة إلى حرب صارمة لا هوادة فيها على الإسلام، لم يكتف بكل ذلك بل راح يحرض كل أوروبا لإعلان هذه الحرب على الإسلام وراح يحذر بأسلوب الفتّان مدعيًا أن هذا الهجوم سيتكرر!! والسؤال الذي يُسأل: كيف عرف نتنياهو أن هذا الهجوم سيتكرر؟! وهل يعلم نتنياهو متى سيتكرر؟! وفي أي مكان سيتكرر؟! وماذا سيكون حجمه إذا تكرر؟! أنا لا أملك الإجابة على هذه الأسئلة، ولكني أملك أن أقول إن نتنياهو بات صريحًا في إعلانه الحرب على الإسلام خلال هذه الأيام، وبات صريحًا بالاتكاء على إعلان الحرب على الإسلام من أجل تبرير إعلانه الحرب على الجماعات الإسلامية، لذلك وبناءً على إعلانه الحرب على الإسلام واصل الحديث مع الرئيس الفرنسي "هولاند" وقال له: (إسرائيل تقف إلى جانب فرنسا في هذا اليوم العصيب، إن إرهاب "حماس" و"حزب الله" وتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام و"القاعدة" لن يتوقف في حال لم يقدم الغرب على محاربته بشكل مباشر، ولم ينسف مسوغاته الكاذبة)!! كأن نتنياهو يريد أن يقول: إن الحلف العالمي الذي تقوده اليوم أمريكا، والذي بات يقصف سوريا والعراق بحجة إعلان الحرب على تنظيم (الدولة الاسلامية في العراق والشام) يجب أن تتسع خارطة عمله، ويجب أن يبدأ، إلى جانب قصف سوريا والعراق، بقصف غزة بحجة إعلان الحرب على حماس، وبقصف لبنان بحجة إعلان الحرب على حزب الله، وباستباحة قصف أية رقعة من الأمة المسلمة والعالم العربي بحجة أن فيها قواعد للقاعدة ويجب محاربة القاعدة!! أي في المحصلة فإن نتنياهو لا يدعو إلى إعلان حرب على الإسلام فقط ، بل يدعو إلى إعلان حرب على كل الأمة المسلمة والعالم العربي، بل إن من يدورون في فلك نتنياهو باتوا يدعون إلى ما هو أغرب من ذلك. فها هي القناة العبرية الثانية وصفت الجاليات المسلمة في أوروبا بعد وقوع الهجوم على مجلة "شارلي إيبدو" بهذا التحريض العفن "قنبلة موقوتة"، وكأنها تدعو أوروبا إلى إعلان الحرب على الجاليات الإسلامية في أوروبا، بمعنى طرد المسلمين من أوروبا وتكرار ما حدث في الأندلس فيما مضى. وهذا يعني بلغة الأرقام أن هناك محاولة للتحريض على طرد أكثر من ستين مليون مسلم يعيشون اليوم في أوروبا الغربية؟!
ويبقى سؤال خطير إلى جانب ذلك: ماذا عن مصير ألبانيا وكوسوفو والبوسنة التي تقع في قلب أوروبا، والتي تُعد من الدول المسلمة؟! وماذا عن مصير ملايين المسلمين في أوروبا الشرقية خاصة في روسيا؟! وماذا عن مصير الدول المسلمة التي كانت ذات يوم جزءًا لا يتجزأ من الاتحاد السوفياتي المنهار؛ مثل جمهوريات الشيشان وكازخستان وداغستان وقيرغيزيا وأذربيجان؟! إن هذا الدور الذي بات يمارسه نتنياهو ومن يدور في فلكه من سياسيين إسرائيليين وإعلاميين إسرائيليين قد يقود إلى أحداث كارثية عالمية سيكون الضحية الأولى فيها هم المسلمون، سواء كانوا في أوطانهم أو كانوا في أمريكا أو أوروبا الشرقية أو أوروبا الغربية. ومن الواضح لكل عاقل أن مناخ أوروبا الغربية بالذات مهيأ لمثل هذا التحريض على المسلمين. ومن الواضح أن هذا التحريض سيشمل التحريض على العرب والفلسطينيين كذلك، حيث أن هذه المصطلحات (المسلمون والعرب والفلسطينيون) باتت مترادفة في هذه الأيام ولا يمكن الفصل بينها. وهذا يعني أن موجة الحقد التي باتت تحملها الجماعات التي باتت تطلق على نفسها "أوروبيون محبون لأوطانهم معارضون لأسلمة الغرب" سيطال أذاها -إن ظلت تسمن وتمتد وتنتفخ- كل ما هو مسلم وعربي وفلسطيني. وها هي قد باتت تتحرك على صورة مظاهرات كبيرة تصل المظاهرة الواحدة منها عشرة آلاف مشارك ويزيد في كل من ألمانيا والسويد، وقد تمتد إلى فرنسا، وما أسهل أن تمتد إلى فرنسا في هذه الأجواء، بل وإلى سائر دول أوروبا الغربية، سيما وأن كل هذا الحراك الملغوم ضد المسلمين والعرب والفلسطينيين يأتي في أجواء جرى فيها قبل برهة من الزمن تجريد النائب الفرنسي "ماكسنس بيتي" من منصبه بعد أن أعلن إسلامه، وجرى فيها تجريد السفير الأمريكي في السودان "جوزيف ستافورد" من منصبه بعد أن أعلن إسلامه، وجرى فيها تورط فرنسا بما وقع على المسلمين والعرب من تطهير عرقي بشع في كل من مالي وأفريقيا الوسطى، وجرى فيها ولا يزال تطهير عرقي للمسلمين في بورما وخنق للمسلمين في تركستان الشرقية، وبات صوت مشؤوم كصوت كاتب عمود أمريكي يُدعى "إريك راش" يلقى رواجًا لأنه بات يدعو في تغريداته إلى "قتل جميع المسلمين" عن سبق إصرار!! لدرجة أنه واصل تغريداته وقال فيها: (إنهم شر، دعونا نقتلهم جميعًا)، ولدرجة أن صحيفة "جلوبال بوست" الأمريكية قالت في تعقيبها على تغريداته أن البعض رفضها "بينما جاءت تعليقات أخرى مشجعة ومؤيدة"، ولذلك يخطئ من يظن أن نتنياهو إنما يقصد الربح الانتخابي من وراء إعلانه للحرب على الإسلام، (وإن كان الأمر لا يخلو من ذلك)!! بل يبدو أن نتنياهو يعني ما يقول، وهو يواصل إعلان هذه الحرب على الإسلام!!!
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]