الدكتور/ جورج نقولا حبش مناضل فلسطيني كرس جل حياته وعمله الدؤوب والمتواصل من أجل القضية الفلسطينية ومستقبل الأمة العربية مؤمناً بالهوية العربية القومية.
ولد/ جورج حبش في مدينة اللد بتاريخ 2/8/1926م لعائلة مسيحية أرثوذكسية ميسورة الحال، تتألف من سبعة أفراد وتمتلك أراضي زراعية ومحلات تجارية، كان والده تاجراً معروفاً في فلسطين أكمل دراسته الابتدائية في اللد ثم انتقل لمتابعة دراسته الثانوية في كل من مدينتي يافا والقدس، حيث تخرج من مدرسة (تراسنطا) في القدس، انتقل إلى بيروت عام 1944م للالتحاق بكلية الطب في الجامعة الأمريكية، وتخرج منها طبيباً عام 1951م وكان طالباً ناجحاً ومتميزاً، عاش حياته الجامعية موائماً بين الدراسة وممارسة الهويات المفيدة، كالرياضة والفنون والموسيقى.
لقب جورج حبش بالحكيم أثناء ممارسته مهنة الطب ومعالجة أبناء شعبه في مستوصف مدينة اللد، عندما عاد إليها في حزيران عام 1948م ليكون مع شعبه وأهله في المحنة القاسية التي يتعرضون لها، وقد أخذ الناس يطلقون عليه هذا اللقب من ذلك الزمن، حيث كان آنذاك طالباً في كلية الطب.
أثناء دراسته كان من البارزين في المجال السياسي الذين عملوا من خلال جمعية (العروة الوثقي) في الجامعة ومن خلال هيئة مقاومة الصلح مع إسرائيل، التي شاركت في تأسيس (منظمة الشباب العربي) التي نشأت عام 1951م ثم أصدرت نشرة (الثأر) وعقدت هذه المنظمة أول مؤتمر لها عام 1954م برئاسة جورج حبش حيث كان من أبرز أعضاءها كل من (وديع حداد ، هاني الهندي، أحمد اليماني، أحمد الخطيب، صالح شبل، حمد الفرحان، حامد الجبوري) حيث انبثق عن هذا المؤتمر (حركة القوميين العرب) في ذلك الوقت.
تزوج عام 1961م من ابنة عمه السيدة/ هيلدا حبش من القدس ورفيقة دربه في النضال على مدار أكثر من خمسة وأربعين عاماً، وخاضت نضالاً مريراً في تصديها لكافة المؤامرات التي تعرض لها الحكيم، وتحملت عناء الاعتقال والاختفاء إلى جانب نشاطها الجماهيري والنسوي المتميز، وكذلك وقفتها بجانب الحكيم في المحنة التي تعرض لها أثناء رحلة العلاج إلى فرنسا وما رافقها من ملاحقات بوليسية، وللحكيم ابنتان، ميساء وهي طبيبة متزوجة ولمى وهي مهندسة كيمياوية.
لقد كان الحدث الأبرز عام 1952م وهو قيام الضباط الأحرار في مصر بإعلان الثورة على النظام الملكي، حيث اتسع المد القومي بدعم من الرئيس الراحل/ جمال عبد الناصر وصولا إلى إعلان الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958م، الأمر الذي أعطى زخماً كبيراً لـ (حركة القوميين العربي) التي أقامت روابط متينة وعلاقة متميزة مع الرئيس/ جمال عبد الناصر، ومن المفارقات السياسية أن الدكتور/ جورج حبش قد تعرض للمطاردة والملاحقة من قبل القوى الرجعية المعادية للوحدة والتي أوصلت للانفصال عام 1961م كانت المرحلة الممتدة من عام 1961- 1964م صعبة وقاسية على نضاله السياسي نتيجة اشتداد حملات المطاردة والملاحقة لاعتقاله، ما اضطره عام 1964 للانتقال سراً من دمشق إلى بيروت ومواصلة نضاله من هناك.
كانت قيادة الحركة تؤمن بالتنظيم الحديدي، وكانت الحركة تنمو في كل من الأردن ولبنان والكويت وتنافس حزب البعث.
كان لهزيمة حزيران عام 1967م وكارثة سقوط القدس واحتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية الأثر الكبير في نفس الدكتور/ جورج حبش، حيث قام مع مجموعة من رفاقه في حركة القوميين العرب بتأسيس (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) التي تم الإعلان عنها رسمياً بتاريخ 11/12/1967م.
أعلن الدكتور/ جورج حبش انتماءه وانتماء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى الفكر الماركسي – اللينيني وذلك بعد هزيمة عام 1967م، حيث حرص الحكيم على تطويرها كتوجه ومنهج عمل رئيسي للجبهة الشعبية.
مع تفرغ الدكتور/ جورج حبش للعمل السياسي والنضالي أصبح للقب (الحكيم) مدلول آخر، فغدا مرتبطاً بحكمة الدكتور/ حبش ورؤيته السياسية، فقد نظرت أوساط شعبية وثقافية فلسطينية وعربية للحكيم باعتباره (حكيم الثورة).
وقد ترسخ هذا اللقب مع مسيرة الثورة الفلسطينية وتصاعدها وامتدادها، حيث لعب دوراً متميزاً، فلسطينياً وعربياً وأممياً، في مراحل مختلفة من عمر الثورة الفلسطينية.
استمرت علاقة الحكيم بالرئيس / جمال عبد الناصر وثيقة جداً، لكنها بدأت بالفتور في تموز عام 1970م عندما وافق الرئيس/ عبد الناصر على مشروع روجرز ورفضته الجبهة الشعبية.
بعد أحداث أيلول عام 1970م الدامية بين الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية وانتقال المقاومة الفلسطينية وكذلك أحداث جرش وعجلون في تموز عام 1971م، غادر الحكيم إلى لبنان حيث أعلن بتاريخ 14/3/1972م التوقف عن إستراتيجية خطف الطائرات.
في أيلول عام 1974م أعلن الحكيم انسحاب الجبهة الشعبية من اللجنة التنفيذية ل.م.ت.ف، وذلك احتجاجاً على الاتجاه السياسي الجديد للمنظمة والذي عرف ببرنامج النقاط العشر.
تعرض الحكيم لعدة محاولات اختطاف من قبل إسرائيل وكذلك عدة محاولات اغتيال لكنها باءت بالفشل.
لقد كان الحكيم في صلب التحولات التي شهدتها الحركة الفكرية والتجربة النضالية العربية طوال خمسين عاماً تنطوي قبل نهاية القرن، عروبياً شديد الالتصاق بفلسطينيته، وفلسطينياً شديد الالتصاق بعروبته.
لقد تأثر الحكيم جورج حبش بالكثير من الأحداث التي مرت بها تجربة الثورة الفلسطينية، والجبهة الشعبية جزء أصيل ورئيسي منها، ففي عام 1972م تعرض لنوبة قلبية كادت تودي بحياته/ وفي نفس العام استشهد رفيقه الأديب/ غسان كنفاني على يد الموساد الإسرائيلي، وفي عام 1973م دارت معارك طاحنة مع الجيش اللبناني، وفي نفس العام تعرض الدكتور/ جورج حبش لمحاولة اختطاف كان يفترض وجود الحكيم على طائرة لبنانية تابعة لشركة ميدل ايست، كذلك كان لاستشهاد الدكتور/ وديع حداد في ظروف غامضة عام 1978م أكبر الأثر على الحكيم حيث فقد برحيله صديقاً ورفيق درب.
تعرض الحكيم عام 1980م لمرض صحي خطير لكنه استطاع بإرادته القوية أن يتغلب على المرض واستمر على رأس عمله يمارس مهماته كأمين عام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حتى استقال من الأمانة العامة للجبهة عام 2000م.
عام 1982م وبعد مغادرة قوات الثورة الفلسطينية بيروت أثر الاجتياح الإسرائيلي للمدينة غادر الحكيم بيروت في آب عام 1982م وأقام منذ ذلك التاريخ في دمشق.
عام 1986م عارض الحكيم اتفاق عمان بين م.ت. ف والأردن الذي وقع في شهر شباط.
حين بدأت الاتصالات السرية بين القيادة الفلسطينية وإسرائيل بإشراف ورعاية الإدارة الأمريكية بعد مؤتمر مدريد عام 1991م ونتج عنها اتفاق أوسلو عام 1993م، عارض الحكيم بشدة تلك الاتفاقيات.
بتاريخ 17/1/1992م أصيب الحكيم بجلطة دماغية حيث توجه إلى فرنسا للعلاج بعد موافقة الحكومة الفرنسية على ذلك، لكن سرعان ما تحولت زيارة العلاج إلى قضية سياسية كبيرة فقد تم احتجازه من قبل القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب (D.S.T) تحت ضغط اللوبي الصهيوني/ لكن الحكيم وزوجته واجها هذا الموقف بتحد كبير.
عام 2000م طلب الحكيم من المؤتمر السادس للجبهة إعفاءه من منصب الأمين العام للجبهة، معطياً بذلك المثل والنموذج للتخلي الطوعي عن المسؤولية الأولى.
بعد تحرره من ضغوط العمل اليومي كمسؤول أول للجبهة الشعبية حدد الدكتور/ جورج حبش لنفسه ثلاث مهام أساسية:
المهمة الأولى: كتابة تاريخ حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية وتجربته النضالية.
المهمة الثانية: العمل على تأسيس مركز للدراسات يعني بقضايا النضال العربي وفي مقدمتها الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
المهمة الثالثة: العمل من أجل إقامة نواة جبهة قومية هدفها حشد القوى القومية العربية من أجل التصدي لمسؤولياتها وتوحيد جهودها في هذه الظروف وفي مقدمتها مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني.
أدخل الحكيم إلى إحدى المستشفيات الأردنية بتاريخ 17/1/2008م لإصابته بجلطة قلبية وتوفى يوم 26/1/2008م ودفن في عمان.
لقد كان الحكيم أحد أبرز الرجال الرموز المنادين بالتمسك بحق العودة باعتباره حقاً شرعياً وقانونياً وممكناً، ويمثل إحدى المرجعيات الوطنية الفلسطينية المناضلة، كان الحكيم يواكب الانتفاضة الفلسطينية والمقاومة بكل تفاصيلها وتواضعه لا يثنيه عن مواصلة العطاء والتوجيهات والإرشادات للقوى واللجان الشعبية.
لقد كان الحكيم يملك رؤية جنينية، استطاع من خلالها أن يرى أبعاد المعركة الدائرة في فلسطين.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]