صعقت خطوة تشكيل ما اطلق عليه "القائمة العربيّة الموحّدة" الكثيرين من فلسطينيي الداخل بعد ان ظهرت "قائمة عربيّة-يهوديّة مشتركة".هذه الخطوة التي توقّع البعض رفضها من قبل بعض الاحزاب والحركات العربيّة الايديولوجيّة, فاجأت العديد من المراقبين للحراك السياسي في الداخل الفلسطيني, فجعلتهم في حيرة من امرهم, بل دفعت نحو تراجع تأييد ودعم الكثيرين ايضا لها, لما احدثت من تغييرات في نهج الاحزاب والحركات المشاركة فيها ,وتعاطي هؤلاء مع الثوابت والقناعات التي نادت بها , والتي طالما تغنّت بها , فجعلت منها شعارات ترفع واشعارا تنشد, وعناوين صحف تكتب ,ومادة خطابيّة في المهرجانات والمؤتمرات تلقى.
فاين هي تلك المبادئ ؟واين هي تلك الشعارات؟ واين هي تلك القناعات؟ هل تبخّرت مرة واحدة امام اغراءات كراسي الكنيست؟ ام ذابت في خضم البريق الاعلامي للقائمة المشتركة؟ اين ذهبت تلك اللاءات المتكرّرة ,والخطوط الحمراء العريضة, والرفض القاطع للانضمام لقائمة مشتركة مع شخصيات يهوديّة؟
أجوبة كل هذه التساؤلات هي حاضرة أصلا لدى دعاة "القائمة العربيّة-اليهوديّة المشتركة", وهي لا تعدو تبريرات لا غير لمطب وورطة اخلاقيّة ومبدئيّة وقع فيها هؤلاء, هم غافلون عنها أصلا في ظل فرحتهم بمقاعد الكنيست الاسرائيلي واغراءات المال والجاه والمكافآت بأنواعها. لكن امرا واحدا غدا واضحا ,بعيدا عن افة التبريرات المعتادة لكل مخالف او مفارق ؛ هو الدافع لمشاركة البعض في" قائمة عربيّة-يهوديّة مشتركة" ,فالدافع هذا هو ما تعنيه نظرية "الغاية تبرّر الوسيلة"؛ فهمّ الاحزاب والحركات العربيّة هو الوصول الى كراسي الكنيست الاسرائيلي باي ثمن, وعليه شاركوا بدون تحفّظات, ولا شروط مسبقة مع قائمة تضم في صفوفها شخصيّات يهوديّة ,بل ايضا قوائم كانت في الامس القريب هجينة على مجتمعنا ,لما تحمل من مبادئ وقناعات بعيدة عن الاجماع العام لمجتمعنا الفلسطيني في الداخل.
ان تشكيل "القائمة العربيّة-اليهوديّة المشتركة" محاولة من القائمين عليها لجعلها عنوانا وممثّلا للداخل الفلسطيني ,بل ووسيلة لرفع نسبة التصويت للكنيست الاسرائيلي اكثر من ذي قبل؛ لكن, وكما قيل في المثل "دسّ السم في الدسم" , فبمجرّد انها "قائمة عربيّة-يهوديّة مشتركة", يكفي لأحجام الناس عن التصويت لها , فمطلب شرائح من الداخل الفلسطيني منذ سنين هو تشكيل "قائمة عربيّة موحّدة" ,وليس "قائمة عربيّة-يهوديّة مشتركة" مثلما هو حاصل الان؛ ثم كيف بفلسطينيي الداخل سيدلون بأصواتهم لدعاة التعايش مع اليهود وخلاف ذلك من مبادئ تنادي بها بعض الاحزاب مما يتناقض مع روايتنا التاريخيّة, بل ومشروعنا الحضاري والوطني, ومع من يساوي بين الضحيّة والجلّاد احيانا.
اعلموا, ان "القائمة العربيّة – اليهوديّة المشتركة" لا اجماع عليها ابدا, وانما تمثّل الاجسام القائمة عليها فقط, عربيّة ويهوديّة, فقد خيّبت امال شرائح مختلفة وواسعة من فلسطينيي الداخل من انصار الاحزاب والحركات المشاركة, وغيرهم ممّن يرفضون المشاركة في انتخابات الكنيست الاسرائيلي كيلا يعطى هذا الكيان شرعيّة في الوجود من اصحاب الارض انفسهم .
فلسطينيو الداخل, كانوا ولا يزالون توّاقين لأي انجاز يعيد لهم حقوقهم وكرامتهم, يؤكد على هويّتهم وانتمائهم, لا الى ما يثقل كاهلهم, ويعكّر صفو مسيرتهم ,ويعطي الشرعيّة للأخرين ممّن ولغوا في دمائنا ,وشرّدوا اهلنا, ودمّروا قرانا ومدننا ,وطمسوا تراثنا, فهل ابقت "القائمة العربيّة- اليهوديّة المشتركة" بعد هذا كلّه فسحة لمباركتها ؟!
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]