الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على امام المصلحين الذي ارسله الله رحمة للعالمين وعلى اله وصحبه اجمعين .
الإسلام دينُ الخير والعدلِ والإحسان، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ) [النحل:90]. دينُ الصلاح والإصلاح، يدعو إلى الخير وينهى عن الشرّ والفساد، (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا) [الأعراف:56].
الفسادُ في الأرض إجرام، نهى عنه ربُّنا جلّ وعلا، وتتابعت رسُلُ الله وأنبياؤه ينهَون عن الفساد في الأرض، قال نبيّ الله صالح عليه السلام لقومه: (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ ءالآء اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأرْضِ مُفْسِدِينَ) [الأعراف:74]، ونبيُّ الله شعيب يقول لقومه: (وَيا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ) [هود:85]، ونبي الله موسى يخاطب أخاه نبيَّ الله هارون قائلاً له: (اخْلُفْنِى فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) [الأعراف:142]، وصالحو البشر يخاطبون قارون قائلين له: (وَابْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 77].
ولقد رتَّبَ عزَّ وجلَّ على الفسادِ عقوبةً عظيمة، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة: 204-206].
ومن أنواع الفساد إضلالُ الناس وتشكيكُهم في دينهم وصرفُهم عن الطريق المستقيم، وهو خُلُق المنافقين، قال الله عنهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الأرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) [البقرة: 11، 12].
منذ سنوات ونحن نحذر من قنوات الفسق والفجور التي دخلت بيوتنا دون استئذان , تقدم الغناء الفاحش والعري . حتى فوجئنا بقنواتٍ فضائيةٍ عربية تقدم نوعًا جديدًا من الفساد، في بثٍّ حيّ ومباشر للخلاعة والمجون، في الوقت الذي يُمزَّق الإسلام وأهلهُ في كلِ مكان، وتستحل ثروات العرب والمسلمين، وتهدر دماؤهم رخيصة هنا وهناك . وبينما الإسلام يئن ضعفًا وخورًا من أهلهِ, ويشتكي ألمًا وقهرًا من تسلط الملاحدة والزنادقة، إذا بنا نفاجأ بانحطاط جديد يخترعه الغرب، ثم يأتي من يزعمون أنهم عرب ومسلمون، ليستـنسخوا هذا الانحطاط، ويطبقونه على أولادنا وشبابنا وبناتـنا، ويجعلون العالم العربي والإسلامي كلّه مشدوهًا مشدودًا بآخر التقليعات الساقطة والمنكر الفاضح ومبارزة الله في المعاصي.يريدون أن نميل إلى الباطل ميلاً عظيمًا عبر برامج سحقت الفضيلة وزينت الرذيلة ونسفت الأخلاق والقيم.
تصوروا قناةً عربيةً تبث على مدى 24 ساعة يوميًا، لا تعدو كونها مجموعةَ كاميرات، تصوِّرُ إقامةً مختلطةً لمجموعةٍ من النساءِ وأشباهِ الرجال في أحدِ الأوكار، وتَنْقُلُ بالصوتِ والصورةِ سلوكَهم الرخيصَ غيرَ الهادف، غير المحكوم بقيم أو أخلاق.
تصوِّرهم وهم يأكلون، وهم يرقصون، وهم يتبادلون اللهوَ غير البريء والقُبلَ والأحضان، يتنافسون على المنكر وعلى كل ما يغضب الله تعالى، فمن يكن منهم أكثر إجادة للرقص يكن فائــزًا بالدرجات العليا! ومن يكن أكثرهم حميمية مع صديقاته ولطيفًا ورومانسيًا يكن هو الفائز! ومن يجيد المقامات والغناءَ والعزف وكلَّ أنواعِ الغفلةِ يكن هو الأول عليهم! ثم إذا أقبل السحر ركّزت الكاميرا على غرفِ نومهم، وهم مستغرقون في نومٍ حقيقي بلباسٍ مبتذل. أما الشريط الإخباري أسفلَ الشاشة فيحمل رسائلَ غرامٍ، لا تقلّ مجونًا عمَّا تحمله الكاميرا.
كم هي خطة ساقطة ومهينة تلك التي خطّط لها القائمون على هذا البرنامج الفاضح والمسمّى: "ستار أكاديـمي"، والذي تبثه إحدى القنوات العربية المشتهرة بالعهر والفساد، فالقائمون على هذه القناة السافلة علاوةً على سحقهم لقيمِ الفضيلةِ والأخلاقِ علانيةً في نفوس الشباب والبنات من خلال برامجهم المختلفة، فقد جنوا كذلك الملايين والملايين من وراء الاتصالات التي تصل للبرنامج, فــأنتَ من ترشّحُ اليوم ليكون الفائزَ بهذه الرقصة? وأنتِ ـ يا أيتها الفتاة ـ من ترشحين من الشباب ليكون الفائزَ عندكِ? ومن هو الشابُ الذي دخل قلبَكِ وتـتمنين أن تقضي أوقاتًا دافئة معه? ساعدي هذا الشاب، وأنتَ ساعد هذه الفتاة التي أُعجبت بقِوامها واتّصل وأعطها صوتك. وهكذا يمزقون الفضيلة وينحرون الحياء والعفاف، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
برنامج حقير يبين طريقةَ هؤلاء الساقطين في تضييعِ وإفسادِ بناتنا وشبابنا، حيث إنهم يجعلونهم يألفون المنكر، وقليلاً قليلاً يعتادون على الحرام, ويعايشونه لحظة بلحظة، ورويدًا رويدًا حتى يعتادون على أن يعيشوا مثل الحياة التي يعيشها المشاركون في "ستار أكاديمي"، وشيئًا فشيئًا يكونون جزءًا من واقعهم وحياتهم الساقطة، ويجعلون الشباب والفتيات يقولون في أنفسهم: كلُ هذه الرقصات والضم والتقبيل على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وعلى الهواء مباشرة، ومع هذا الناسُ يصوّتون لهم ويشجعونهم، فما بالنا نحن لا نفعل مثلهم ولو في الدس والخفاء؟! لماذا لا نقلد حياتهم الرومانسية؟! وهكذا، يسعون لتخنيث الشاب، فلا حميّةَ له على أخته أو أهله أو عرضه، والفتاةُ تتعلّم أصولَ العهرِ والفجورِ بالمجّان، وعلى الهواء مباشرة، وهكذا تُنحر كلُ فضيلةٍ في المجتمع، ولا يبقى من القيم والمثل الكريمة إلاَّ الشعاراتُ الجوفاء. فأيّ سطوةٍ للخلاعة والدعارة تحدث الآن?! شعوبٌ ومؤسسات من عدة دول عربية إسلامية تستنفر جهدها ووقتها ومالها لإنجاح مراهق أو مراهقة في الغناء, وفي إثبات أنه الأكثر بسالةً في الصمود حتى آخر السباق، وتحتفل البلاد التي يقترب نجومها من التصفيات, وتبدو كأنما تُهيئ نفسها لإطلاق قمرٍ فضائي في مداره, أو كأنها ستهدي للأمة قائدًا ربانيًا أو فاتحًا عظيمًا! فأيّ خلاعةٍ تمارسُ بوقاحةٍ على مستوى الأمة?!
مراهقون ومراهقات يرقصون على ضفاف نشرات الأخبار المثقَلة بالاحتلالات والشهداء, وكلما سقط منهم واحد في التصفيات بكت عليه الأمّة كما لم تبكِ سقوط بغداد! فرحماك رحماك يا رب، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
أيها الشرفاء، أيها الأحرار، أيها الرجال، يا أصحاب الغيرة، يا أصحاب النخوة، يا أصحاب الشهامة، لقد عظمت المصيبة وجلَّ الخطب وبلغ السيل الزبى واتسع الخرق على الراقع.
لسنا هنا لكي نصرخ ونولول ونبكي عظائم الأمور، بل لوضع الحلول والعلاج لهذه القضية العويصة، وفي نظري القاصر أن العلاج لهذه القضية له طرفان: خاص وعام، أما الخاص فعلى مستوى الأفراد، والعام على مستوى المجتمعات.
أما العلاج الخاص لمن أراد الخلاص بصدق وإخلاص فأولاً: ذكر الله وتلاوة القرآن . قال جل وعلا: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا) [الإسراء:82].
ثانيًا: صدق التضرع إلى الله ودوام اللجأ إليه والتباكي بين يديه. ثالثًا: حضور مجالس العلم والوعظ والتذكير والتخويف والترغيب.رابعًا: ذكر الموت، أكثر من ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات
يا نفسُ توبي فإِن الموتَ قد حانا واعصِ الهوى فالهوى ما زال فَتَّانا
في كل يـوم لنا مَيْـتٌ نشيّعهُ ننسى بمصرعهِ آثـارَ مَوْتـانـا
يا نفسُ ما لي وللأموالِ أكنزُها خَلْفي وأخرجُ من دنـيايَ عريانا
ما بالُنا نتعـامى عن مَصارِعنا ننسى بغفلِتنا من ليـس يَنْسـانا
الخامس: إيجاد البديل المناسب الموافق لدين الله تعالى، ولن يعدم الإنسان البديل إذا سأل واستشار، المهم هو صدق النية في الخلاص من هذا البلاء المدمر والسيل الجارف .
أما العلاج على مستوى المجتمعات فأولاً: إيقاف جميع القنوات المشبوهة وما أكثرها، وإيقاف كل قنوات المجون العربية عن طريق قرار سياسي تتخذه القيادات العربية في اجتماعاتها، لأن الأمر خطير ويتعلق بمصلحة أمة وشعوب، وله انعكاسات سلبية خطيرة على أجيالنا القادمة .
ثانيًا: إيجاد القنوات البديلة المناسبة للأسرة والشباب، والتي تخدم قضايا الأمة ومصالحها.
ثالثًا: وضع الخطط والبرامج الملائمة لاحتواء الشباب فكريا واجتماعيًا وثقافيًا.
رابعًا: إبراز القدوات العظيمة التي تمتلئ بها ذاكرة التاريخ من العلماء والنبلاء ورجالات الأمة، وتقديمهم للناس بدلاً من القدوات الساقطة المهينة التي تعلق بها الشباب.
وأخيرًا ما أحوجنا في هذه الأيام إلى كاتب يحمل همّ مجتمعه، ناقدٍ صادقٍ بحسِّ المسلم الفطن الكيّس. ما أحوجنا للإعلامي البارع الذي ينتقد الوضع الخاطئ في مجتمعه, نقدا يسكب فيه بلسما يعالج آلام مجتمعه ومآسيه. ما أحوجنا لمثقفٍ يكشف ببنانه ولسانه زيف المزيفين وحقد الحاقدين. ما أحوجنا لعالم يخرُج من مكتبته ودرسه ليرى الخلل في المجتمع ومدى المصائب التي حلت عليه. ما أحوجنا لمن يفتح عقول شبابنا على المؤامرات المحيطة به لجره بعيدًا عن دينه وهويته وتغريبه عن محيطه الإسلامي.
إن العلاج ليس بالأمر الصعب إذا صدقت النفوس وحسنت النوايا وأريد بذلك وجه الله. وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]