يوم أن نعلم أن الحركة الإسلامية قد أنجزت معسكر التواصل العاشر مع النقب يوم السبت الماضي (28/3/2015)، ويوم أن نعلم أن الحركة الإسلامية نفذت في هذا المعسكر ستة وثلاثين مشروعًا؛ ضمت بناء مكتبة عامة، وبناء بيوت، وتشييد مساجد، وترميم مدارس، وشق طرق ومد خطوط مياه، ويوم أن نعلم أن الحركة الإسلامية قد أنفقت على معسكرات التواصل التسعة السابقة مع النقب، والتي بدأت منذ عام 2005، مبلغًا ماليًّا قدره عشرون مليون شيكل، ويوم أن نعلم أن الحركة الإسلامية قد نجحت خلال هذه المعسكرات التسعة في بناء وصيانة 141 بيتًا، وتنفيذ تسعة وثلاثين مشروعًا ما بين بناء جسور وشق طرق، ومد مياه لإحدى عشرة قرية، وبناء وإعمار 78 مسجدًا، وزراعة 12 ألف شجرة زيتون، وإقامة اثني عشر ملعبًا، وترميم 41 مدرسة، وصيانة عشر مقابر، يوم أن نعلم كل ذلك، فإن كل هذا العطاء العملاق يحمل في نظر كل حر عاقل منا عشرات الدلالات، التي نحن في أمس الحاجة للوقوف عندها والتذكير بها والاستفادة منها، ولأنها دلالات كثيرة ولا أبالغ، فسأجتهد أن أستعرض أهمها، عساها تثري مسيرة صمودنا في الداخل الفلسطيني:
1. أكدت هذه المعسكرات أهمية الجمع بين القول والعمل، وبين رفع الشعارات وتنفيذ المشاريع، وبين الخطابة على المنصات والبناء على أرض الواقع. وكم نحن في أمس الحاجة إلى إتقان الجمع بين كل هذه المكونات، حتى نكون صادقين مع أنفسنا، وصادقين مع شعبنا بعامة، وصادقين مع أهلنا في النقب بخاصة، وصادقين مع أرضنا بعامة، وصادقين مع أرض النقب بخاصة.
2. أكدت هذه المعسكرات أن واجبنا تجاه أهلنا في النقب يفرض علينا أن نؤازر صمودهم في أرضهم وبيوتهم ومقدساتهم ومؤسساتهم، ليس لمرة واحدة ثم نغفل عنهم، بل المطلوب أن نؤازرهم مؤازرة مستمرة ومتواصلة. وحتى نتقن ذلك فلن ينفع أهلنا في النقب أن نهبَّ لنجدتهم بدافع الحماسة الثائرة المؤقتة، بل نحن ملزمون أن نواصل نجدتهم بدافع الحماسة الثائرة الدائمة، كيما لا نتوقف عن نجدتهم، ما داموا غارقين في مآسي حياتهم الكثيرة، وخاصة في عشرات القرى التي ترفض المؤسسة الإسرائيلية أن تعترف بها، بل تخطط لهدم بيوتها واقتلاع أهلنا منها.
3. أكدت هذه المعسكرات أن في إمكاننا التخلص من آفة "النضال الموسمي"، إذ بات من المعروف للقاصي والداني أننا في كل يوم يوافق 3/30 من كل عام نحيي يوم الأرض، وقد أحيينا هذا العام يوم الأرض التاسع والثلاثين، واجتهدنا خلال كل يوم من أيام الأرض هذه أن نجدد العهد مع أرضنا، ولكن ليوم واحد فقط. ويبقى السؤال: ما هو حالنا مع أرضنا قبل يوم الأرض؟ وما هو حالنا مع أرضنا بعد يوم الأرض؟! وما هي طبيعة العلاقة التي باتت تربطنا مع أرضنا في يوم الأرض؟! هل هي علاقة هزيلة قائمة على تكرار القيل والقال وترداد الشعارات التي كنا ولا زلنا نرددها منذ عشرات السنوات؟! إذا كان الحال كذلك -وهو كذلك مع شديد الأسف- فإن أخشى ما أخشاه أن يتحول يوم الأرض إلى مجرد طقوس جوفاء ومصطنعة لا نصدق فيها -كما هو واجب الوقت المطلوب فورًا- مع أنفسنا ومع أرضنا، ولذلك لا زلت أتذكر أقوال أحد الأعاجم المناصرين للقضية الفلسطينية، يوم أن قال لي بصراحة إنه يعيب علينا نضالنا الموسمي. وضرب مثالًا على ذلك بيوم الأرض حيث قال لي، وهو يصف كيف باتت علاقتنا مع أرضنا -وقد صدق بذلك الوصف مع شديد الأسف- قال لي إننا لا نتذكر أن لنا أرضًا وأنها في خطر إلا في يوم الأرض، ثم نغفل عنها، وننتظر يوم أرض قادم حتى يذكرنا بها، ولذلك نحن ملزمون فورًا أن نتخلص من آفة "النضال الموسمي" سيما إذا قام على إتقان فن القول فقط، وإتقان كتابة المقالات فقط. وها هي معسكرات التواصل العشرة مع النقب قد أضاءت لنا الطريق، وأرشدتنا كيف يمكن لنا أن نتخلص من هذه الآفة، وكيف يمكن لنا أن نجدد لغة يوم الأرض، من لغة تقليدية أكل عليها الدهر وشرب، إلى لغة عطاء متواصل وبناء متقن وتواصل جاد وترسيخ الصمود في كل مواقع جراحنا بعامة، وفي النقب بخاصة، سيما وأن النقب قد بات يئن من مخططات "برافرات" وليس من مخطط "برافر" واحد في هذه الأيام.
4. أكدت هذه المعسكرات أن شعبنا معطاء لأجل العطاء، وهو أبعد ما يكون عن المتاجرة بعطائه، لأن شعبًا قد أنفق عشرين مليون شيكل خلال عشر سنوات على النقب لأجل الإنفاق، لأنه مؤمن أنه يجب أن ينفق، هو شعب معطاء، ولذلك يخطئ من يظن أننا معدمون ولا نملك حولًا ولا قوة، وأننا نفتقر إلى أدنى المقدرات المالية، بل إن البعض منا يذهب إلى أبعد من ذلك ويحاول أن يكرس "دوام الشلل" في أداء "لجنة المتابعة العليا" بحجة أنها لا تمتلك مقدرات مالية، وكأنه كتب عليها أن تبقى على هذا الحال الرديء في أداء دورها، وعلى هذا الحال المعيب في مقدراتها المالية. نعم؛ يخطئ من لا يزال يكرس هذا الحال المعيب في لجنة المتابعة، وها هي معسكرات التواصل تؤكد لنا أن شعبنا كريم ومعطاء ويملك ما يدعم به لجنة المتابعة، ولكن من حق هذا الشعب أن يرى لجنة متابعة محل ثقته وتستحق منه أن يلتف حولها بجهده وماله ودعمه الجماهيري، وأن يمنحها ثقته، ولن تكون لجنة المتابعة كذلك حتى يجري انتخابها مباشرة من كل جماهيرنا في الداخل الفلسطيني، وعندها سيشعر كل فرد فينا أنه هو الذي انتخب هذه اللجنة، ولم تُفرض عليه، وعندها سيشعر أنها تمثله وأنها صوته وأنها منبره وعزوته وعنوانه المحلي والعالمي؛ وهذا هو المطلوب، وإلا فستبقى الأزمات المصيرية تجتمع علينا، ونحن "مكانك عد"، أو نحن في "قفز موضعي" نقفز فيه طوال الوقت ولكن لا نتقدم إلى الأمام قدمًا واحدة، وهي المأساة النضالية وليست اليقظة النضالية.
5. أكدت هذه المعسكرات أن شعبنا جاهز أن يلتف حول العمل والعطاء وليس حول الأقوال والشعارات فقط، وقد يلتف شعبنا لمرة ومرتين أو لعشر مرات حول الأقوال والشعارات، ولكن إذا ما لاحظ أنها تعود على نفسها فسينفر منها ويتركها، ولذلك كانت الصدمة يوم أن كان عدد المشاركين في مظاهرة رهط في يوم الأرض (الإثنين 2015/3/30) غير مُرضٍ، رغم أنها نشاط مركزي في يوم الأرض، وكانت الصدمة الأشد يوم أن كان حضورهم في مظاهرة ديرحنا في نفس يوم الأرض أيضا غير مُرضٍ، رغم أنها نشاط مركزي في يوم الأرض كذلك، فهل من مدكر؟! كم نحن في حاجة إلى أن نقيّم أنفسنا، وكم نحن في حاجة إلى أن نجدد لغتنا في يوم الأرض، حتى توافق هموم شعبنا وطموحهم وماذا ينتظرون منا، وإلا فلا يجوز لنا أن نعتب على جماهيرنا إذا أصبحت في واد وأصبحت لجنة المتابعة في واد آخر.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]