قد اكتحلت الأرض بدماء المسلمين ، وتغذت النفوس بلحوم البشر ، وليت القاتل من الأغراب لكان ذلك على النفس أهون ، لا بل إنه من صلب العرب من صلب المسلمين ، فدمرت كل خلق ، وتعدّت على كل سلوك .
وأي كحل تشققت له كل المقل ، فقذفت بدموع من قبل لم تنهمر ، فالثقة قد تزعزعت ولم تعد لها أي شيء أغلى عليها لتحفظ الدمع لأجله ، أهو أرض ، عِرض ، أم دم فكل ذلك على المسلم حرام ، قال صلى الله عليه وسلم:( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)[أخرجه مسلم] ، وكل ذلك انتهك ووصلت إليه الأيادي ورمت فيه نفس أمارة بالسوء سهاما لا أمد لها .
عن أي شيء أسأل ؟ فلو جهلنا وعرفنا أنا جهلنا فهين ذلك علينا ، ولكن علمنا حدنا ، وكان هدفنا الانحراف عن المعرفة .
عن أي آه أشكو ؟ إلى أي أمد أوصلها ؟ لعلها تصل إلى قلب عاقل وأذن واعية فتكون لها صدى ما استطاع أن يوصلها صاحب منصب .
فقد ضاقت الأرض على الجميع بما رحبت ، على المصاب والمصيب والشاهد وأم الشهيد ، وأبيه الذي جال فكره : كيف هان على من مثله أن ترتفع يده عليه ! بعد أن كانا صاحبا هم واحد ، وألم واحد ...
فإذا مررت بالشوارع رأيت القتلى على الأرصفة مكبلين ، وقد ظهرت آثار التعذيب على أجسامهم وكأنها تروي لنا قصة معاناتهم ، وترى الثكالى تذرف الدموع من أعينهن يبكين فلذات أكبادهن ، وصدى صوت أبنائهن ما زال يُسمع في آذانهن : أماه أبشري فإما النصر وإما الشهادة ، أماه هنئي إذا أتاك خبري ، أماه جنة فيها يكون التلاقي ، أماه الصبر على فقداني خير من ذل وعيش تحت الأقدام ، أماه
"رأيتُ أمتنا يُقطعُ بعضها بعضاً ... ولا صوتُ الصلاحِ ينادي
فمضيتُ لا ألوي ولا أبدي أسا ... وتعافُ نفسي مرقدي ووسادي
روحي على كفي وأحملُ مدفعي ... ويطيبُ لي حينَ الوغى إنشادي
أنا لا ألينُ ولا تهدُ عزيمتي ... بالقتلِ بالتعذيبِ بالأبعادِ
أنا مبدأي أن الهوانَ لغيرنا ... والعزُ لي ولأمتي وبلادي
لا أستسيغُ الذلَ أو أرد الردى ... فالموتُ في زمنِ الهوان مرادي"
فعند سماعها لتلك الكلمات تتجلد وتقول : بني امضي ، لعلنا نلتقي في جنة الخلد مع الحبيب العدنان .
فيا أمة الإسلام اصيغي ، وانظري عن أي شيء تبحثين ؟ يا أمة محمد كفانا سفك للدماء ، كفانا انتهاك للحرمات ، أرجوا أن تصبح كلمتنا واحدة ، تحت راية واحدة ، ولن يتحقق ذلك إلا إذا بدأ كل منا بإصلاح نفسه ومن ثم أهله ومجتمعه ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، والحمد لله حق حمده .
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]