كانت -ولا تزال- الحركة الإسلامية، التي أعتز بالانتماء إليها في الداخل الفلسطيني، تواصل بناء ذاتها، وبناء أفرادها، وبناء مؤسساتها، وبناء دَوْرها، وبناء شخصيتها الاعتبارية، وبناء علاقاتها الراشدة محليًا وعالميًا. ولا تزال الحركة الإسلامية تصر على إتقان هذا البناء، من منطلق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه".ورغم نجاحها الملحوظ في مشوار هذا البناء إلا أنها لا تزال على شعور دائم أنها في بداية الطريق، وأن أمامها طريقًا طويلًا مرصوفًا بالتضحيات ومحفوفًا بالمخاطر. ومع ذلك يجب أن تواصل السير دون أن تلتفت إلى الوراء. وإلى جانب كل ما ذكرت فقد حرصت الحركة الإسلامية على ضبط علاقتها مع سائر مركبات شعبنا الفلسطيني في الداخل الفلسطيني 48 وفي سائر الفضاء الفلسطيني، ومع بعدنا الإسلامي والعربي والعالمي على مبدأ (أدب التعامل) في خطابها وسلوكها وتعاملها مع الآخر. ولذلك ابتعدت الحركة الإسلامية عن لغة التخوين والتكفير والإقصاء والطائفية، ولكنها لم تداهن في مواقفها، ولم تسكت عن الجهر بكلمة الحق وإن كانت مُرّة، فكان لها محصلة مسيرة ناجحة لم تخلُ من الإخفاقات في بعض الأحيان، ولكن البعض الذي لا ينتمي إلى الحركة الإسلامية، والذي يرى بنفسه منافسًا لها – وهذا حقه – لم يختر أسلوب المنافسه الراشدة مع الحركة الإسلامية، بل اختار التشكيك القائم على الوهم مع شديد الأسف. وأظن أنه لما فشل في منافسة الحركة الإسلامية بالأسلوب الحضاري الراشد لجأ إلى أسلوب التشكيك، ظنًا منه أن أسلوب التشكيك هو أقصر طريق – وفق حساباته – لمواجهة نجاح الحركة الإسلامية أو وقف امتدادها الشعبي وضرب دورها المؤسساتي، وخاصة دورها الذي تميزت به وتألقت؛ وهو نصرة القدس والمسجد الأقصى المباركين. وهناك أكثر من مثال على أسلوب التشكيك هذا الذي تبناه البعض لمواجهة نجاح الحركة الإسلامية. وعلى سبيل المثال لا الحصر أورد بعض الأمثلة على هذا الأسلوب القائم على التشكيك، لا لسبب إلا لأن الحركة الإسلامية أحرزت نجاحًا في جوانب كثيرة، ويبدو أن البعض حاول أن يُحَوّل نجاحها إلى تشكيك، وليته نافس الحركة الإسلامية بشرف:
1. ليس سرًّا أن الحركة الإسلامية تدعو إلى انتخاب مباشر للجنة المتابعة العليا من قبل جماهيرنا في الداخل الفلسطيني. وليس سرًّا أن الحركة الإسلامية باتت على قناعة، تزداد يومًا بعد يوم، أن لجنة المتابعة ستبقى تعاني من الوهن في دورها المحلي والعالمي ما دامت قائمة على مبدأ التوافق في اختيار أعضائها ورئيسها، ولن تتحرر من هذا المأزق المعيب إلا إذا انتخب رئيسها وكامل أعضائها مباشرة من قبل جماهيرنا في الداخل الفلسطيني. ولكن مع شديد الأسف، في الوقت الذي تؤيد فيه بعض القوى السياسية في الداخل الفلسطيني هذا التوجه، فإن البعض منها تعارضه بشدة وتتبنى أسلوب التشكيك في نوايا الحركة الإسلامية، حيث باتت تَدّعي أن الحركة الإسلامية لا تدعو إلى انتخاب مباشر للجنة المتابعة إلا لأن الحركة الإسلامية تملك رصيدًا شعبيًا واسعًا، ما يؤهلها لتحقيق فوز كاسح في رئاسة وعضوية لجنة المتابعة إذا وقَعت هذه الانتخابات المباشرة للجنة المتابعة!! فواعجباه! هل أصبح الامتداد الشعبي للحركة الإسلامية تهمة لها ومحل تشكيك بها وبنواياها؟ يا للعجب.. يا للعجب!
2. ليس سرًّا أن الحركة الإسلامية اختارت رئاسة لجنة الحريات والشهداء والأسرى والجرحى؛ إحدى لجان لجنة المتابعة الرئيسة العشر، وليس سرًّا أن رئاسة سائر اللجان توزعت على سائر القوى السياسية في الداخل الفلسطيني، وليس سرًّا أن اللجنة التي نشطت في دورها منذ أن أقيمت وحتى الآن هي لجنة الحريات والشهداء والأسرى والجرحى، وأعمالها تشهد على ذلك، والمذكرة التي أصدرتها قبل أشهر، والتي تتحدث عن نشاطاتها تشهد على ذلك. ولكن البعض من القوى السياسية في الداخل الفلسطيني تعامل مع هذه اللجنة بأسلوب يقوم على التشكيك، لا لسبب إلا لأن رئيسها من الحركة الإسلامية. وعلى سبيل المثال هناك ثلاث قوى سياسية على الأقل في الداخل الفلسطيني لم ترسل مندوبًا عنها إلى هذه اللجنة – مع أنها ملزمة بذلك – لأن رئيسها من الحركة الإسلامية!! وهناك بعض القوى السياسية الأخرى في الداخل الفلسطيني لما رأت زخم النشاط الذي تمارسه هذه اللجنة، راحت هذه القوى تَدّعي أن الحركة الإسلامية تريد أن تهيمن على هذه اللجنة، وتريد أن تهيمن -في نظر هذه القوى- لأنها أدت نشاطا كبيرا في هذه اللجنة وحققت لها نجاحًا ملحوظًا، وكأنه كان مطلوبًا من الحركة الإسلامية ألا تمارس أي نشاط لهذه اللجنة، وأن تفرض عليها الجمود المطبق والشلل الدائم، وهكذا يتحول نجاح الحركة الإسلامية إلى تهمة لها وإلى مصدر تشكيك بها!! يا للعجب.. يا للعجب!
3. ليس سرًّا أن الحركة الإسلامية تنظر إلى قضية القدس والمسجد الأقصى المباركين كرأس الثوابت الإسلامية والعربية والفلسطينية. وليس سرًّا أن الحركة الإسلامية حققت نجاحًا متألقًا في نصرة قضية القدس والمسجد الأقصى المباركين. وليس سرًّا أن الحركة الإسلامية نجحت في إحياء الاهتمام الجاد بهذه القضية على الصعيد الإسلامي والعربي والفلسطيني. ولكن البعض في الفضاء العربي العام، وفي الفضاء الفلسطيني العام حاول أن يُحَوِّل هذا النجاح الذي حققته الحركة الإسلامية في هذه القضية إلى تهمة للحركة الإسلامية وإلى مصدر تشكيك بها، لدرجة أن البعض من هؤلاء البعض واجهني ذات يوم وقال لي: أنتم تحاولون أن تفرضوا سيادتكم الوحيدة على القدس والمسجد الأقصى!! ولدرجة أن البعض من هؤلاء البعض حاول أن يضغط علينا للتنازل عن مشروع الرباط ومصاطب العلم في المسجد الأقصى!! ولدرجة أن البعض أصدر بيانات خطية قال فيها: إن الحركة الإسلامية تحاول أن تحقق مكتسبات من وراء دورها في القدس والمسجد الأقصى!! وليت هذه القوى نافست الحركة الإسلامية في دورها المناصر للقدس والمسجد الأقصى بشرف!! ولكن -للأسف- يبدو أن بعض القوى على صعيد فلسطيني أو عربي وجدت أن خير وسيلة لنصرة القدس والمسجد الأقصى هي التشكيك في نجاح الحركة الإسلامية في نصرة القدس والمسجد الأقصى.
4. ليس سرًّا أن الحركة الإسلامية تؤكد في خطابها طوال الوقت أنها جزء لا يتجزأ من هذا النسيج الإسلامي والعربي والفلسطيني. وليس سرًّا أن الحركة الإسلامية لا تزال تحرص على تعزيز التواصل مع كل أبعاد هذا النسيج، مع حرص الحركة الإسلامية المبدئي ألا تتلقى أي دعم مالي من أي نظام إسلامي أو عربي أو فلسطيني، فنجحت الحركة الإسلامية في ربط شبكة علاقات واسعة مع عشرات المؤسسات الأهلية على الصعيد الإسلامي والعربي، وشاركت في مئات المؤتمرات الهامة والمصيرية على الصعيد الإسلامي والعربي، وأصبح لها ممثلون في كثير من المنظمات العلمية والإعلامية والحقوقية والوقفية على الصعيد الإسلامي والعربي، ولكن البعض من القوى السياسية، وتحديدًا في الداخل الفلسطيني ممن حاول أن ينافس الحركة الإسلامية في هذا الامتداد الإسلامي والعربي والفلسطيني، بات يحاول تحويل نجاح الحركة الإسلامية إلى تهمة لها وتشكيك بها، وراح يَدَّعي أن الحركة الإسلامية تتلقى دعمًا ماليًا من هذه الدولة الإسلامية أو تلك، أو من هذه الدولة العربية أو تلك، أو راح يَدَّعي أن الحركة الإسلامية تقف مع معسكر دول إسلامية وعربية في مواجهة معسكر آخر لدول إسلامية وعربية أخرى!! ويرحم الله تعالى تلك الأيام التي كانت تُتهم فيها الحركة الإسلامية أن لها علاقات مع أمريكا، وأنها تتلقى دعمًا ماليًا من أمريكا!! حتى انجلى الغبار وبانت الحقيقة وتبين للقاصي والداني أن أمريكا تدعم كل عدو للمشروع الإسلامي بعامة وللحركة الإسلامية بخاصة!! فيا للعجب... يا للعجب!
ثم أرى من الواجب أن أؤكد أن هذه الأمثلة التي ضربتها لأولئك الذين يشككون في الحركة الإسلامية لأنها نجحت، أن أولئك يمثلون الأصوات النشاز بعددها وعدتها. وأما الحركة الإسلامية فهي لا تزال ماضية في طريقها متوكلة على الله تعالى، ثم مصرة على الالتحام مع هموم وطموحات جماهيرنا الفلسطينية وشعوبنا العربية وأمتنا المسلمة، ومعززة بامتداد شعبي وحضور يومي كبير في الداخل الفلسطيني على صعيد النقب والمثلث والجليل والمدن الساحلية (عكا، حيفا، يافا، اللد، والرملة)، وفي القدس والمسجد الأقصى المباركين.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]