قالوا ان يافا لم تأتِ من البحر ولكنه أتى إليها ليلقي بأمواجه على صخورها الصلدة والربيع لم يأتِ إلى يافا ولكن ولد فيها فوق تلة . ولدت بين نهري العوجا وروبين فوق البحر المتوسط يراقب كالفنار قدومَ الحجاج . يفتح عبق زهر برتقالها بوابات الذاكرة ليستلقي فوق خلاياها وكأنها دار ممر. تقرع الطبول وأجراس الكنائس إيذاناً بقدوم الربيع ومعه مواسم وطقوس تخلد في الذاكرة كتلال روبين وحلاوة النبي صالح ومقام النبي موسى.
نيسان يا عناق البيارات مع شباك بحرك يا يافا , يا سمكة سلطان تتلوى في ذاكرتنا على ظهر أفلوكا عادت مع انبلاج فجر الحب فوق صخرة أندروميدا. نيسان يا ابتسامةً جليلية تداعب زهر الرمان. يا نسمةً خليلية تحت الدوالي. نيسان يا نبتة عكوّب فوق جبل عيبال يا ثمرة أسكادنيا في بيت دجن. يا لوزةً فوق جبل عمواس. نيسان يا دحرجة طفل فوق سوافٍ رملية عند الجبلية قهقهاته تشبه ترانيم صلاة في وادي قلط.
نيسان يا وجعي ويا جرحي النازف عند المنشية. يا مراكب تبحر نحو المجهول نيسان يا أشلائي على جدران حسن بك, يا أشواكاً تلدغ أقدام طفل يركض نحو الميناء. نيسان يا رصيف الماضي الحزين. يا صناديق الألم فوق الجرن. نيسان يا براميل تتدحرج في شارع النزهة. نيسان يا ألوان العلم . الدم والبيارة والحزن ووردة بيضاء اغتصبت فوق العرقتنجي. فلسطين يا ربيعاً محاصراً خلف أسوار القدس. يا وصمة عار في وجه العروبة. يا زيتونة مسبية فوق الكرمل.. هل حقا قام المسيح ورحل عنا في نيسان؟
نيسان يا طفلاً مصلوباً في الطنطورة يا جسداً متفحّماً في صبرا. يا إجهاض العدالة في اليرموك. نيسان يا قذيفة بريطانية تقصف المنشية وأخرى أمريكية تهتك صمت صنعاء. نيسان يا صابون الراعي الملطخ بدماء فلسطينية. يا صبراً إحمرّ من دماء مجزرة في ساحة مسجد دهمش . نيسان يا حبلا سرياً يأبى أن يقطع الذاكرة بحلوها ومرّها.
ليست آهات الذاكرة خلف الكلمات ولكن ألم الماضي الذي يحمل بطياته ذكرى احتلال فلسطين وحي المنشية وهو أكبر أحياء مدينة يافا وأقربها إلى مدينة تل أبيب التي ولدت بعملية قيصرية نازفة .
قدرنا أن نموت ولكن حلم العودة لن يموت, ولن تموت الذاكرة في نيسان لأنها أمست جزءاً من جينات كل فلسطيني ولد قبل أو بعد النكبة.
عبد القادر سطل – يافا في نيسان 2015
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]
