في حملة تهدف إلى شيطنة الاتفاق النووي مع إيران وإحراج إدارة الرئيس باراك أوباما، شرعت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في بث مزاعم، مفادها بأن هذا الاتفاق يشجع تركيا تحديداً على الشروع في تنفيذ مخطط وضعته سرّاً لتطوير سلاح نووي. وقد استند تحقيقان نشر أحدهما في مجلة "ISRAEL DEFENSE" في 15 يوليو/تموز الجاري، والثاني في 16 من الشهر نفسه، في صحيفة "ميكور ريشون"، إلى ما ذكر أنها "دلائل" قدمتها "مصادر عسكرية إسرائيلية كبيرة" تشير إلى أن تركيا ستكون القوة النووية المقبلة في المنطقة.
ونقل المعلق العسكري في صحيفة "ميكور ريشون"، عمير رايبوبورت، عن مصدر كبير في جيش الاحتلال الإسرائيلي، قوله إنّ ما يدلل على رغبة الأتراك في الحصول على السلاح النووي هو سعيهم الحثيث للحصول على طائرات"إف 35" المقاتلة الأكثر تطوراً في العالم، القادرة على حمل قنابل نووية، إذ إنّ هذه الطائرات قادرة على حمل قنابل نووية من طراز "b61".
وحسب رايبوبورت، فإن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تشير إلى ما نسبه موقع ألماني في عام 2014 من تقديرات للاستخبارات الألمانية، مفادها بأن تركيا معنية بتطوير برنامج نووي مدني للتغطية على مخططها لتطوير سلاح نووي عسكري في السر، تماماً كما هو الحال في إيران.
وزعمت المصادر العسكرية الإسرائيلية أن الأتراك حاولوا عند تفكك الاتحاد السوفييتي شراء قنبلة نووية، وتقنيات نووية من إحدى الدول الإسلامية التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي. وحسب التحقيق، فإن العسكريين الإسرائيليين أشاروا إلى اتهامات، زعموا أنّ محافل أميركية رددتها في سبعينيات القرن الماضي، بأن تركيا ساعدت باكستان في تخصيب اليورانيوم اللازم لتطوير برنامجها النووي، ناهيك عن تبني تل أبيب اتهامات اليونان، الخصم اللدود لتركيا، بأن الأخيرة تعكف على تطوير برنامج نووي سري.
ويشير التحقيق إلى أن تركيا وقعت على تفاهم مع الأرجنتين للتعاون في المجال النووي، بحيث تم الاتفاق على شراء تركيا مفاعلاً نووياً، لكن تم التراجع عن الاتفاق بعدما تبين أن المفاعل الأرجنتيني صغير ولا يصلح لإنتاج الطاقة النووية. ورأى الإسرائيليون أن ما يعزز التوجه التركي لتطوير قدرات نووية، هو توقيع اتفاقين مع كل من روسيا واليابان عام 2014 لبناء مفاعلين نووين للأغراض المدنية.
من جهتها، أشارت "ISRAEL DEFENSE" إلى أن أحد أهم المؤشرات على توجه الأتراك لتطوير سلاح نووي؛ هو سعيهم لتطوير منظومات صاروخية قادرة على حمل رؤوس نووية. وتستند المجلة إلى تصريحات منسوبة إلى البرفسور يوسال التنبساك، المدير السابق للمركز التكنولوجي التركي، أكد فيها أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمر في عام 2011 بتطوير خطة لإنتاج الصواريخ البالسيتية يصل مداها إلى 2500 كيلومتر.
وزعم التنبساك أن أردوغان معني بتطوير صواريخ عابرة للقارات يصل مداها إلى 10000 كيلومتر. ونقلت المجلة عن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ادعاءات تشير إلى توجه أنقرة لتطوير برنامج فضاء خاص بها. وتنطلق المصادر العسكرية من افتراض، مفاده بأن الدول التي تسعى لتطوير برنامج فضاء هي الدول التي لديها رغبة في الحصول على سلاح نووي.
وأشارت المجلة إلى أن تركيا أطلقت عام 2012 قمراً صناعياً لأغراض التجسس باسم "غوكترك"، في حين افتتحت في مايو/أيار الماضي مركزاً لتطوير الأقمار الصناعية بإشراف الصناعات الجوية التركية "TAL". وادّعت المجلة أن ما يشجع تركيا على تطوير برنامج نووي حقيقة أنها تملك احتياطيات كبيرة من عنصري اليورانيوم والتوريوم، المستخدمين في انتاج السلاح النووي. ونوهت إلى أن تركيا تسمح للولايات المتحدة بالاحتفاظ بـ 60-70 قنبلة نووية في قاعدة "إنجيرلك" التركية.
لكن الادعاءات الإسرائيلية بشأن مخططات تركية لتطوير سلاح نووي تنطوي على تناقضات. فقد وقعت تركيا في ستينيات القرن الماضي على ميثاق "NPT" الذي يحظر انتشار السلاح النووي، كما لم يحدث أن وجهت الوكالة الدولة للطاقة الذرية أي ملاحظات للحكومة التركية تدلل على شبهات بشأن عدم احترامها الميثاق.
وعلى الرغم من كل الضجيج بشأن مخططات تركيا بشأن تطوير قدرات نووية، إلا أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أكدت أن تركيا لا تملك حالياً مفاعلاً نووياً قادراً على إنتاج الطاقة للأغراض المدنية. في الوقت نفسه، فإن هذه التقارير تشير إلى أن تركيا تتعرض لزلازل وهزات أرضية أثرت على مخططات الأتراك لبناء المفاعلات النووية خشية تعرضها للأضرار بسبب الهزات الأرضية.
من ناحية ثانية، فإنه لا يمكن التعامل بجدية مع المزاعم بأن تركيا ساعدت باكستان على تخصيب اليورانيوم في سبعينيات القرن الماضي، في الوقت الذي لم تملك فيه تركيا حتى الآن قدرات في مجال التقنيات النووية، وإلا فلماذا تتوجه أنقرة لكل من الأرجنتين واليابان وروسيا. وأما الحديث الإسرائيلي عن القدرات الصاروخية التي تسعى تركيا لتطويرها مستقبلاً يتناقض مع حقيقة أن التقارير الإسرائيلية نفسها تؤكد أن الصاروخ الأطول مدى الذي تملكه تركيا حالياً لا يتجاوز 300 كيلومتر. ومما لا شك فيه أن الدفع بهذه التقديرات يهدف إلى محاصرة إدارة أوباما في الساحة الداخلية الأميركية، عبر تصوير أن الاتفاق الأخير مع إيران يفتح المجال أمام سباق نووي يهدد المنطقة والعالم بأسره.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]