هذا ما أنصح به نفسي، وما أنصح به كل أبناء الحركة الإسلامية، وكل أنصارها، وكل مجتمعنا الفلسطيني في الداخل بدون استثناء: تمسكوا بالثوابت واحذروا المزاجية في الرضا والغضب، وعند الاتفاق والاختلاف، وعند نقدكم للآخر أو نقد الآخر لكم، الذي هو من مكونات مجتمعنا الفلسطيني في الداخل وإن قسا عليكم بلسانه أو بقلمه أو بمقالته أو بصفحة تواصله، ولا تقابلوا أية عثرة لسان منه بعثرة من لسانكم، ولا أية زلة قلم بزلة من قلمكم، ولا أية إشاعات مقالة بإشاعات في مقالاتكم، ولا أية هرطقات على صفحة تواصل بهرطقات على صفحات تواصلكم، فأنا وأنتم ما جئنا لنوزع شهادات الإيمان والكفر على هذا الآخر من مكونات مجتمعنا الفلسطيني في الداخل، وما جئنا لنوزع عليه صكوك الغفران والنيران، ولا صكوك الوطنية والخيانة، ولا صكوك التقدمية والرجعية، ولا صكوك الحداثة والتخلف، ولا صكوك التوافق والإقصاء، ولا صكوك الوعي والعدمية، ونرحب في نفس الوقت بكل دعوة تدعو إلى مبدأ الحوار القائم على الحجة والدليل والجدال بالتي هي أحسن، كما ونرحب بكل دعوة ثانية تدعو إلى التنافس العملي الجاد في خدمة مجتمعنا الفلسطيني في الداخل، وكل قضية تتعلق بأرضنا وبيوتنا ومقدساتنا وأسرانا وشهدائنا وسائر ركائز حقوقنا ومظاهر نهضتنا العلمية والصحية والفنية والاقتصادية والاجتماعية والأسرية، كما ونرحب بكل دعوة ثالثة تدعو للحفاظ على دوام التواصل المبصر والمخلص مع بعدنا الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي، وتقديم ما يجب تقديمه لكل هذه الأبعاد خدمة لها وتواصلاً معها، وتفاعلاً قائماً على التناصح لا الوصاية، كما ونرحب بكل دعوة رابعة تدعو إلى ضرورة إعادة بناء لجنة المتابعة العليا، بعيداً عن التسلط أو تفريغ هذه اللجنة من دورها، أو تحنيطها باسم التوافق على رئيسها. وقد كتبنا عن ذلك الكثير، وصرحنا ولا زلنا نصرح أننا مع مبدأ انتخاب لجنة المتابعة العليا مباشرة من كل جماهيرنا في الداخل الفلسطيني، ومع مرحلية النهوض بها حتى نصل إلى مرحلة انتخابها، وليكن رئيسها من يكون إذا انضبط بهذه الأصول. كما ونرحب بكل دعوة خامسة تدعو إلى إفشاء أكبر وأوسع مشهد تعاون بين مكونات مجتمعنا الفلسطيني في الداخل إلى جانب لجنة المتابعة العليا ولجانها الرئيسية المتفرعة عنها، بهدف تضافر جهود الجميع لحمل قضايانا المصيرية، مع التأكيد أنه كان ولا يزال لنا موقفنا الثابت والواضح الرافض للكنيست الإسرائيلي قبل (القائمة المشتركة) وبعدها. ولأن كل ما ذكرته حتى الآن في هذه المقالة هو من الثوابت التي نتبناها وليست من المزاجيات المتقلبة وفق الأهواء، أو المتغيرة وفق المصلحة، أو المتبدلة وفق الأجواء. لذلك أدعو نفسي وأدعوكم أن نبقى متمسكين بها لأنها ثوابت، وألا نحيد عنها، مهما واجهنا من استفزاز ظلمنا أو تجنى علينا أو رجمنا بالظنون والأوهام بقصد أو بغير قصد!! ونحن مطالبون أن ندور مع هذه الثوابت، وأن ننضبط بها، وأن نضبط سلوكنا وخطابنا ومواقفنا على ضوئها، غير طامعين ولا طالبين أن يصفق لنا أحد من الخلق، أو أن يعلن رضاه عنا، أو أن يكيل مديحه لنا، أو أن يمنحنا شهادة براءة من مخلفات ظنونه الباطلة، أو أن يوزع علينا شهادة تقدير.
ومن حقنا من باب الالتزام الدائم بأدب الاختلاف والحوار مع الذي تجنَّى علينا، وادعى أننا نتبنى فكر القمع والتكفير، أو خطاب العنف، أن نقول له بمنتهى الهدوء: نتحداك أن تعطي مثالاً واحداً تبنت فيه الحركة الإسلامية، تصريحاً أو تلميحاً، فكر القمع والتكفير والعنف، وهذه بياناتها وهذه مواقفها بين يدي الجميع. ونقول لك سلفاً: لا تتعب نفسك لأنك لن تجد مثالاً على ما رجمتَ به الحركة الإسلامية بالظن الباطل. فهي التي تتبنى المنهج الوسطي في فهمها وسلوكها وأساليب عملها، بعيداً عن التكفير أو التخوين أو الإقصاء. ولا ندري لصالح من أحرجتَ نفسك وقلمك وتبنيت أسلوب قلب الحقائق؟!
وكذلك نقول لمن تجنى علينا وادعى أننا نتبنى احتكار التراث الإسلامي ومعاداة الحركات السياسية: نتحداك أن تعطي مثالاً واحدا على ما تقول، فهذه الحركة الإسلامية وهذه أدبياتها التي تحدثت فيها عن فهمها للتراث الإسلامي وعن نظرتها لنفسها ونظرتها للآخر، ها هي أدبياتها؛ سواء كانت مقالات أو كتباً أو نشرات بين يدي الجميع، وفي إمكان كل واحد أن يحصل عليها وأن يقرأها، وسيجد كل قارئ منصف أن من أدعى على الحركة الإسلامية أنها تحتكر التراث الإسلامي، أو تعادي الحركات السياسية قد رضي لنفسه أن يقلب الحقائق ليس إلا!! وهذا لا يعني أن الحركة الإسلامية تنازلت عن مبدأ النقد وقيمته، بل هي لا تتردد أن تنتقد نفسها إن لزم الأمر، ولا تتردد أن تنتقد الآخر، لأنه لا يوجد بيننا قائد سياسي ملهم ومعصوم، ولا يوجد بيننا حركة سياسية تحتكر الحقيقة والصواب ولا تقبل الخطأ والتعثر وهي فوق النقد!!
ولأن الأمر كذلك فإن الحركة الإسلامية ستحسن أن تمارس حقها في النقد بالأسلوب الراشد تجاه نفسها وتجاه غيرها. ويوم أن تنتقد لن تستند إلى هوى في نفسها، ولا إلى شهوة مستبدة، ولا إلى مصلحة مزاجية، بل إلى ثوابت ثابتة تعلو ولا يُعلى عليها، ويستدل بها ولا يستدل عليها، ويسترشد بها ولا يزايد عليها.
وهل هناك أعظم من ميزان (الحلال والحرام) المثبت بالأدلة الثابتة في ضبط سلوكنا كثابت أساس في هذه الثوابت؟!
هل يظن البعض أننا سندوس على ميزان الحلال والحرام، ونصفق بالتأييد لآفة الشواذ أو الشاذات جنسياً وتوابعها حتى لا نتهم بالهيمنة؟!
أم هل يظن البعض أننا سنُسقِط من فهمنا وفكرنا وخطابنا قول الله تعالى في القرآن الكريم حول من سقطوا في هذه الآفة وتوابعها: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود (82) مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد (83)}، تحت ذريعة أن هذه حرية شخصية؟!
أم هل يظن البعض أننا سنتخلى عن السنة النبوية، التي تُعتبر المصدر الثاني في التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، والتي أكد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم اللعنة على كل من عَمِل عَمَل قوم لوط. وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من عَمِل عَمَل قوم لوط) كررها ثلاثاً؟
وماذا يبقى لنا من ارتباط بالإسلام كعقيدة وشريعة ومشروع وقيم وحضارة إذا ما صادمنا القرآن والسنة، مع إدراكنا سلفاً أننا ندعو إلى المشروع الإسلامي، ملتزمين بالقاعدة القرآنية التي تقول (لا إكراه في الدين). ولذلك من حقنا وواجبنا أن نبرز حكم الإسلام في هذه الآفة، وأن ندينها. ولا يجوز لأحد أن يُكرهنا على التزام الصمت تجاهها. فكما أنه لا إكراه في الدين، فلا إكراه في مصادمة الدين وقيمه وأحكامه وآدابه، مع التأكيد أن فهم أدلة القرآن الكريم والسنة النبوية واستنباط الأحكام منها وتحرير الفتيا استناداً إليها ليس علماً مشاعاً لكل قلم حتى يكتب عنه ما يشاء؛ سواء بدافع الانتصار لهذا العلم أو بدافع الهجوم عليه؟!
ومع التأكيد كذلك أن أي فرد أو أية مجموعة اختاروا لأنفسهم مصادمة القرآن والسُنة فهذا يعني أنهم اختاروا لنفسهم مصادمة الإسلام وليس مصادمة الحركة الإسلامية. وليكونوا صرحاء في ذلك، ولا داعي أن يتلثموا في موقفهم، وسيبقى بيننا وبينهم الحوار الفكري والجدال بالتي هي أحسن، ولن نحيد عن ذلك، لأن المنهج الوسطي في فهم الإسلام والدعوة إليه وتبنّيه مشروعاً سيبقى من أهم الثوابت التي توجِّهُنا وتضبط فهمنا وفكرنا وسلوكنا وخطابنا، وإلا هل يُعقل أن يأخذ البعض لنفسه حقه في الدعوة إلى ما يسميه "قيمِهِ الاجتماعية"، وأن يُسمي ذلك حرية، وأن يدين في نفس الوقت ممارستنا لهذا الحق ناعتاً هذه الممارسة بالهيمنة؟ أم أن ممارسة الحرية مشروط ألا تدعو إلى القيم الإسلامية؟!
ثم إذا جرت مصادمة القيم الإسلامية فهل دعت القيم العروبية والفلسطينية إلى آفة الشواذ والشاذات جنسياً وتوابعها في يوم من الأيام؟! وهل التصفيق لهذه الآفة باسم (حرية الفرد وكرامته) إلا مصادمة لهذه القيم العروبية والفلسطينية؟!
وإذا ما أراد البعض مصادمة القيم الإسلامية والعروبية والفلسطينية باسم الصراع الاجتماعي والتعددية المتحركة والمتغيرة فماذا بقي من جوهر هويتنا في بعدها الإسلامي والقومي والوطني؟!
أم أن المطلوب عند البعض هو الاكتفاء بإطار هذه الهوية بلا محتوى قيمي لها، ثم أن يملأها بعد ذلك بما يشاء من قيم قد تكون مستوردة وهجينة عليها؟!
كم أتمنى أن أسمع جواباً واضحاً وليس ضبابياً ولا على قاعدة (زخرف القول) على هذا السؤال، مع التأكيد مرة بعد مرة أننا يوم أن ندعو إلى الانتصار لهذه القيم الإسلامية والعروبية والفلسطينية، ويوم أن ندعو إلى الانتصار لتراثها النقي الخالي من أية شوائب فإن هذا يعني الدعوة إلى الالتزام بها وليست الدعوة للإكراه عليها ولا للهيمنة. وهناك فرق كبير وكبير جداً بين الالتزام من جهة وبين الإكراه والهيمنة من جهة أخرى. ونحن مع الالتزام ولسنا مع الإكراه والهيمنة. وسبحان الله! من الذي أكتوى أكثر ما اكتوى من التلاعب بمبدأ (ديمقراطية النظام)؟! أليس هو المشروع الإسلامي، الذي انتخبته الشعوب على قاعدة (ديمقراطية النظام)، ثم جرى الانقلاب على هذا المشروع الإسلامي باسم (ديمقراطية النظام) في كل من الجزائر على عهد جبهة الانقاذ، وتركيا على عهد أربكان، ومصر على عهد مرسي، وتونس على عهد النهضة، حتى على الصعيد الفلسطيني؟! فلماذا يريد البعض أن يحيل الضحية إلى متهم؟!
وليطمئن الجميع أن الحركة الإسلامية أبعد ما تكون عن البحث عن أي نفوذ سياسي لأجل النفوذ السياسي. ولو كان الأمر كذلك لكان أقصر طريق على الحركة الإسلامية أن تخوض انتخابات الكنيست بدافع الهوى السياسي لتحصيل النفوذ السياسي، وأن تخوض انتخابات السلطات المحلية. وليست الحركة الإسلامية ضعيفة في ذلك ولا عاجزة عنه. وأن تقرع أبواب بعض الحكام طالبة دعماً مالياً ومنحاً دراسية. ولكن موقف الحركة الإسلامية معروف في كل ذلك إلا لمكابر؟!
ولمن أراد أن يتعرف على مشروع الحركة الإسلامية السياسي – وهذا من حقه – فنقول بكل بساطة: نحن نرضى بأية لجنة تحكيم نزيهة تقرر من قدم من كل قوانا السياسية في الداخل الفلسطيني أكثر في هذه القضايا: (الأرض والمقدسات والمسكن والقدس والأقصى والأسرى والشهداء وحق العودة والنقب والمدن الساحلية والتعليم والصحة والمرأة والأمومة والطفولة والرياضة والفن والأدب والسلم الاجتماعي ومكافحة العنف ودعم الطبقات الضعيفة والمشاريع الاقتصادية والتواصل على الصعيد الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي وحقوق الإنسان ومواجهة المشروع الصهيوني والاحتلال الإسرائيلي).
ولكن ما نؤكده أننا كنا ولا زلنا نرحب بأي حوار فكري أو اجتماعي أو سياسي قائم على الحجة والدليل، بعيداً عن التكفير أو التخوين أو الإكراه أو الهيمنة أو الإقصاء أو القمع أو العنف أو التنابز بالألقاب بأية صورة ومن أية جهة وتحت أي مبرر!! ونرجو عدم المزايدة على الحركة الإسلامية!
وأخيراً أقول لنفسي ولأبناء الحركة الإسلامية وأنصارها: كونوا كالشجر؛ يرميه الناس بالحجر فيرميهم بالثمر.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]