جرت العادة أن نكتب على ظرف الرسالة التي نخطّها اسم المعنون وعنوانه, لكي نضمن وصولها. ونضيف إلى ذلك ما يسمى الرمز البريدي للتأكيد على ذلك. ولكن رسالتي هذه والتي تخرج مباشرة عبر نبضي ومن بطيني الأيسر إلى كل واحد منا فأصبح في آن واحد المرسل والمستقبل.راجيا المولى أن تحمل هذه الرسالة عنوان كل واحد منا في هذا البلد الطيّب. لتصل كل بيت وكل حارة وكل عقل وقلب من قلوب وعقول شبابنا أولا. ولتصل أيضا إلى آبائنا وأمهاتنا. ما من أحد منا يريد أن يكون والد لشاب مغدور سفك دمه في وضح النار أو تحت عتمة الليل.
ولا أن نكون أم ثكلت ولدها في ريعان شبابه وفي أجمل صورة صورها الخالق. ليصبح في لحظة جسد هامد اخترقته عيارات نارية حديدية تسمع صوتا عرفناه ولم نألفه أبدا لا في يافا ولا في أي مكان آخر على وجه البسيطة. كلنا يعرف هذا الصوت ولكن لا أحد منا يريد أن يكون العنوان أو الضحية القادمة فكل شاب سفك دمه هو خسارة لا نقول لأهله فقط بل لنا جميعا.
ولا أخفي سرا أن قلت أنني عندما تصفحت المواقع لمعرفة الضحية أصابتني الدهشة والذعر في آن واحد. ونظرت إلى وجه الضحية مخاطبا وسائلا لماذا يا أخي قررت الرحيل وأنت في ريعان الشباب؟ لماذا تركت أهلك يبكون دما وقهرا على رحيلك ؟ وهم يجهّزون لعرسك, لفرحك, يجهّزون لليوم الذي تتمناه كل أم وكل أب. كنا نتمنى أن نراك بلباس العرس لا الكفن. وأن يجتمع الناس حول البيت لنزفك إلى بيت عروسك لا إلى طاسو. ما الذي حلّ بنا هل هو قانون الغاب, أم غضب من رب العالمين, أم الجهل والغطرسة والعنجهية.
سمعت الشيخ أمام القبر يخاطب الناس تارة والميت تارة أخرى ولكن الكلمات ما أن تخرج حتى تتبعثر بين القبور التي أمرنا الرسول بزيارتها للاعتبار ولكن ما أن نتركها حتى نخطط للعودة إليها مع ضحية أخرى ونحن على هذا الحال لأكثر من عقد من الزمن فقدنا خلاله العشرات من أبنائنا قتلناهم وقتلنا أحلامهم وأحلامنا , قتلنا شبابهم وشبابنا, أهدرنا دمهم ودمنا وكل بيت من بيوتنا فيه مصحف شريف يزين بيوتنا , كتب فيه أن دم المسلم على المسلم حرام ,أن القتل هو تعدي على الإنسان والرحمان. يكون الميت تارة محمد أو محموداً عبدا أو خالد. وكتب فيه أن المعتدي على حرمة الله مكانه جهنم ولكننا نسمع لأن الله وهبنا حاسة السمع ولكننا لا نفقه لأننا اخترنا الجهل على العلم . قررنا أن نضع حياتنا بأكفنا أو في حبة طولها 9 مليمترات تخترق أجسادنا وتسفك دمائنا وهو حرام حرام حرام ....
قلت أن رسالتي لا تحمل عنوان . ولن أوجه غضبي وسخطي على الشرطة ولا على أي أحد منكم. أخوتي وأخواتي أبنائي وبناتي. ولكن لي طلب عندكم آمل أن تلبوه. طلبي أن نخرج بمسيرة أولها عند مسجد يافا الكبير وآخرها عند مسجد الوحدة العربية على حدود بات يام ونرفع شعار واحدا نكتبه بأيدينا . لا نريد إسقاط نظام ولا حرية ولا عبودية. نريد هدنة. نريد هدنة حتى يلتئم الجرح النازف منذ عقود. نريد هدنة نبكي فيها فرحا على أولادنا بدل من أن نبكي دما على فقدانهم. نريد هدنة تجتمع كل أسرة في يافا على طاولة واحدة وأن تكون المقاعد مليئة بأصحابها ولا نريد كراسي فارغة.
نريد هدنة تجعلنا نفكر في كل صغيرة وكبيرة من حولنا ونعيد التفكير مرة أخرى عند كل صباح إلى أن نتخذ القرار بأن الله العلي القدير هو الذي أعطى كل واحد منا نعمة وأولادنا هم نعمة فهل نحفظها أم نتعدى على حدود الله. وإن من يفكر بالانتقام فهو يحفر بيده قبرا له أو لأحد من أبنائه .
أكاد أشك أن هناك من يريد فتح بيت عزاء آخر في يافا فالأجر الكبير يكون بأن نكف عن التعامل بأسلوب الجاهلية ونوأد أولادنا ومستقبلنا في هذا البلد معا. إذا فلتكن هدنة أثابني وأثابكم الله.
والله ولي التوفيق.
عبد القادر فتح الله سطل
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]