يظلُّ المرء منا بفطرته يبحث عن الجديد المتجدد خاصة مع وتيرة الحياة المتسارعة التي نعيشها ونعايشها يوماً بعد يوم.
ما كنا نراه مستحيل فإذا بنا نَمَلُّ منه اليوم !!
بل ما لم نكن نحلم به بات ممكن و يلهو به صبياننا !!
منذ سنوات قليلة كان حالنا مع التكنلوجيا ووسائل الاتصال الحديثة ؛
كحال ذاك الأعرابي الذي دخل على كسرى ، فقال كسرى للأعرابي: تمنَّ علي يا أعرابي! قال: أتمنى ألف درهم؟ فغضبت الحاشية من الرجل،
قال: وهل هناك أكثر من الألف؟!!
نعم ؛ وهل كنا نتخيل يوماً أن تُستخدم الهواتف النقّالة أكثر من الإتصال بها ، ذهبت بنا الهواتف النقاله بعيداً عما كنا نتخيله فلا ابالغ إن قلت هي اليوم تشكل مركز الحياة اليومية عند غالبيتنا .
تعلّق بها الناس بشكل لافت للنظر بل خطفت بعضنا من إجتماعياته ووضعته بعزلة حتى عن مشاركة جالسيه بالحديث - تراه ينظر الى شاشة هاتفه ويدفن السمع والبصر والفؤاد فيها !! ..فتجده يضحك لوحده. يحزن لوحده ، يبتسم لوحده.. يغضب لوحده ربما لا يتمالك نفسه فيقهقه لوحده !! وبإمكانه ان يعيش العزلة ولو كان من حوله الآلاف. !!
- تحول الهاتف النقال من جماد إلى كائن حي وكأنه فرد من أفراد الأُسرة !! فهو لا يفارق صاحبه في سفر ولا حضر، ولا في ساعة من ليل أو نهار ، بل هي ملازمة له ملازمة ثوبه أو ظله ، في أفراحه وأتراحه وفي طعامه وشرابه !!!
سبحان الله… كانت الدعوة إلى الخير أو إلى الشر محصورة بوسائل محدودة :
- لا تبلغ كل الناس ولا أكثرهم
- ولا تتخطى حدود المكان الذي يدعو فيه صاحبه
- ولا تملك السرعة في الوصول لكل الناس كما هو واقع الناس اليوم .
لذلك قبل ان تكتب الرساله او تصورها قبل ان ترسل رسالتك ضع نُصب عينيك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
َ "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا" رواه مسلم.
- في أقل من ثانية يُرسل ما يريد فيراه في لحظته مئات أو ألوف أو ملايين؛ سواء كان كتابة، أم صوتًا، أم صورة ثابتة، أم فيديو ....
- وأصبحت هذه الأجهزة وسيلة من وسائل صلة الرحم، وتفقُّد الأصحاب، والتواصل بينهم بمكالمتهم والسؤال عنهم، وإسداء النصح والخير لهم بلا تكلفة ولا مؤنة.
- كما وأنها أصبحت وسيلة لتناقل العلوم والمعارف، وتبادل الفوائد والمنافع، وسُنن وفوائد ما كان كثير من الناس يعلمونها.
وفيها يُذكِّر أهل الخير بعضهم بعضا بمناسبات الخير، ويدلونهم على مجالاتها،
وكم من سُنّة مهجورة أُحيّيت بها،
ومن طاعة فُعلت بسببها،
وكم تاب من عاص،
وكم أسلم من كافر، بسبب رسالة أو تغريدة أو مقطع أو صورة؟!
* رغم ذلك كله !!
إلا أن هذه الأجهزة التي تملك وسائل الاتصال الاجتماعية سواء الفيسبوك او الواتسأب او غيرها كَشَفَت ما في المجتمعات من خَلَل في التدين، وضعفٌ في التربية، وإنحطاطٌ في الأخلاق .
وفي ظل هذا الطوفان التكنلوجي غرقت الأخلاق والقِيّم والفضائل !!! إلا عند مَن رحمه ربي
من الناس من يستخدمها فيما ينفعه؛ فيَصِل بها رحمًا، ويُعلِّم بها جاهلًا، وينشر معروفًا، ويُنكر منكرًا، ويدعو إلى سُنة مهجورة، ويشيع فائدة مجهولة، فرسائله وتغريداته لا تخلو من فائدة .
ومن الناس من يستعملها فيما يضره ولا ينفعه، فيُروّج إشاعة، أو يشيع فاحشة، أو يدعو إلى منكر، أو يرمي بريئا بما يشينه، أو ينتهك خصوصيته، فيصور ما يعيبه.
من اخطر الآيات التي تحذر من نشر الباطل وإضلال الناس مهما اختلفت الوسائل وتقدمت قال تعالى (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ) [النحل: 25] وقال تعالى ( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ) [العنكبوت: 13].
فصار كالراصد على عورات الناس بلا فائدة سوى التفكُّه والتنكيت والضحك، ومن تتبع عورات الناس تتبع الله تعالى عورته ففضحه في بيته.
قال تعالى ( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ) [العنكبوت: 13]. إذا ليست المسألة عباره عن كلمة كُتبت او صوره نُشرت بل الامر ابعد من ذلك !!
فاتقوا الله تعالى ايها الناس وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أقوالكم وأفعالكم قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض على الله تعالى بتكثير الطاعات والحسنات، وتقليل المعاصي والسيئات؛ فإن من نُوقش الحساب عُذب (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ).
ومن أبرز المظاهر الخطيرة التي برزت هذه الأيام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي:
* المجاهرة بالذنوب وإشاعة الفواحش.. اصبح الامر وكأنه طبيعي عادي !! تجده يصوّر نفسه بحالة مُخجله وهو غارق في وَحْل المعصية ، ثم يقوم بنشرها دون خجل ولا وَجل !!!
إعلم يا صديق..
أن مَن جاهر بالمعصية وافتخر بها يفوته ستر الله وعفوه في الاخرة جاء في حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ..." رواه البخاري.
لأنه لم يستتر بستر الله تعالى في الدنيا، وفضح نفسه، وجاهر بإثمه، ودعا الناس إليه.
و بعضهم يتخفّون بأسماء مستعارة، ويظنون أنهم إن استخفوا عن الناس يستخفون عن الله تعالى وعن ملائكته الكرام الراصدين لأقوالهم وأفعالهم (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ القَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحيطاً ).
وقد تكون وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لإشاعة الفواحش، ونقلها بين الناس، فيصوّر الصورة أو المقطع فيرسله إلى غيره فلا يلبث إلا قليلا حتى يصل إلى ملايين الناس، ومرسله لا يدرك حجم جنايته على نفسه، ويجهل كمية الآثام التي يكتسبها بهذه الفعلة الشنيعة. وفي إشاعة الفواحش في الناس وعيد شديد ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ ).
هذا الوعيد الشديد إذا أحبوا إشاعة الفاحشة وإذاعتها في الناس، فكيف إذا تولوا هم إشاعتها وإذاعتها؟!
الفيضان التكنلوجي أغرق الفضيلة والأخلاق والرجولة والغيرة عند بعض الشباب ، حتى يصل به الامر إلى نشر صور شخصية لبنات عفيفات بعد أن يُجري عليها بعض التعديلات من خلال برامج مختلفه ، فتتلقفها الذئاب البشرية وتهدد بها عِفّة البنت بل عِفة مجتمع بأكمله !!!
* كما ان الفيضان التكنلوجي كشف مدى ضعف أمانة المجالس عند بعض مستخدمي وسائل التواصل الحديثه ، تصله رساله خاصه او صوره خاصه فإذا به لا يتحرج بنشرها دون التفكر بالعواقب!!
ورد في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس: سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق"
وقال صلى الله عليه وسلم : ( المجالس أمانة، فلا يحل لمؤمن أن يرفع على مؤمن قبيحًا )
وفي رواية اخرى ( إنما يتجالس المتجالسون بأمانة الله، فلا يحل لأحد أن يُفشي عن صاحبه ما يكره)
وجاء في الحديث : ( إذا حدث الرجل بالحديث، ثم التفت، فهي أمانة )
كل هذه الأحاديث وغيرها كثير جاءت لتنظم المجالس ولتحافظ على خصوصية المجالس
والله اعلم ينطبق عليها التعامل مع الرسائل الخاصه او المجموعات الخاصه من خلال أجهزة وسائل الاتصال الحديثة ..
ربما رسالة أو صوره شخصية ارسلها اليك احدهم اسأل نفسك قبل نشرها هل فيها ضرر ام منفعه ؟؟
* وسلوك آخر كشفه هذا الفيضان ، فيه سُوء خُلق وخيانة أخلاقية
وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (ألا ومن الخيانة أن يُحدّث الرجل أخاه الحديث، فيقول: اكتمه، فيفشيه)
بعض الاخوة -هداهم الله - يتحدثون بالهاتف امام الناس وهو يضع خاصية مُكبّر الصوت ليفضح من يتحدث معه !!
وينسى أن المجالس بالامانة !! والحديث بالامانة !!
.
* ومن آثار الفيضان التكنلوجي الإفراط في التصوير بدون حدود ولا ضوابط لا احترام مشاعر الاخرين.
كل شيء عُرضه للتصوير حتى أتفه الامور
أصبحت بعض الامهات تهتم بشحن التلفون أكثر ما تهتم بشحن عقول وبطون فلذات اكبادها . بل أصبحت الكاميره من اساسيات اثاث المطبخ !!!
بات تصوير الطعام وكأنه سنه مؤكده قبل التسمية !!!
اتقوا الله يا ايها الناس وأحسنوا استخدام وتسخير التكنولوجيا لما فيه الخير لنا ولأبنائنا ، واعلموا أنكم راحلون وستتركون من خلفكم ما خطّت ايديكم وما نشرتم من صور.
وذلك مصدقاً لقوله تعالى :
( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُ )
فانظر لنفسك ايُّ أثر ستترك من بعدك.
نسأل الله تعالى لنا ولكم السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين
الداعي لكم بالخير
علي دنف - رئيس الحركة الاسلامية في مدينة الرملة
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]