بدا في اليوم الأول من الجولة الأولى لانتخابات مجلس النواب المصري في 14 محافظة مصرية، أمس الأحد، أن حملات السلطات للدفع بأكبر عدد ممكن من الناخبين إلى صناديق الاقتراع قد فشلت، وأن خيار المقاطعة، المنظمة أو تلك العفوية، نجح في كشف حجم شعبية سلطة الرئيس عبد الفتاح السيسي. وقد سجل إقبال ضعيف جداً من المواطنين، فوصلت النسبة إلى 1 في المائة وفقاً لبيان المتحدث باسم "اللجنة العليا للانتخابات"، حتى ظهر اليوم الأول للاقتراع، وذلك في غياب أبرز أحزاب المعارضة التي قررت مقاطعة الانتخابات. كما شهد عدد من الشوارع والميادين في تلك المحافظات إجراءات أمنية مشددة من قوات الجيش والشرطة.
ويعتقد مراقبون أن التحالف الذي شكله الانقلابي عبد الفتاح السيسي تحت اسم "في حب مصر"، هو الأوفر حظاً بالفوز، إذ يتحدث أعضاؤه عن فوزهم المحتمل بـ300 مقعد، وهو ما يُمكّن السيسي من تمرير ما يريد من قرارات وتشريعات في البرلمان.
ومن المقرر أن تغلق تلك اللجان أبوابها في المحافظات، اليوم الإثنين، الساعة التاسعة مساءً بالتوقيت المحلّي، وتردّد أنه من المتوقع استمرار فتح باب الاقتراع ساعات أخرى، في ظلّ الإقبال الضعيف من المواطنين، على الرغم من عدم دستورية القرار.
وتدرس الحكومة منح جميع العاملين في الدولة بالمحافظات التي تجرى فيها الانتخابات إجازة رسمية، أملاً منها في أن يُسهّل ذلك على المواطنين الذهاب للجان والإدلاء بأصواتهم. وذلك عقب مطالبات المحافظين من خلال غرفة عمليات مجلس الوزراء، باعتبار اليوم الإثنين، يوم إجازة، لا تعطيل المدارس فقط، والتي تحصل فيها عمليات الانتخاب. ويقول أحد مندوبي المرشحين مفسّراً غياب الناخبين بأنه "أمر طبيعي بحكم أن الانتخابات تُجرى على يومين".
واختلقت قوات الأمن ربطاً غريباً لأحداث تزامنت مع الانتخابات، بزعمها أنها تمكنت من إبطال عدد من العبوات الناسفة، بالتزامن مع فتح اللجان في محافظات الفيوم والمنيا، وأخرى في محافظة الشرقية. على الرغم من أنها ليست من ضمن المحافظات التي تجري فيها الجولة الأولى من الانتخابات، وذلك للتغطية على الإقبال المتدني.
ويروي أحد الناخبين، لـ"العربي الجديد"، وهو عامل بإحدى المدارس، أن "قوات الشرطة أحضرت له كرسياً، وأجلسته عليه وقام أحدهم بتصويره". ويشير الناخب إلى أنه "علم لاحقاً أن الصورة خُصصت للترويج لادّعاء بأن الشرطة في خدمة الشعب، بعد أن شاهدها بوسائل الإعلام".
من جهته، أرجع الباحث السياسي، يسري العزباوي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، عدم إقبال المصريين على الانتخابات البرلمانية سواء في الداخل، أو الخارج، لـ"اقتناعهم بأنها مثل أي انتخابات برلمانية، حدثت في عهد (الرئيس المخلوع حسني) مبارك، وأنها نسخة من انتخابات عام 2010، والتي قام على إثرها الشعب بثورة ضد النظام في 25 يناير/كانون الثاني 2011". ويرى العزباوي أن "البرلمان العتيد مهدد بالتشويه، في حالة استمرار الوضع الحالي، لكون نسبة التصويت الحالي ستكون أقلّ من 10 في المائة".
وشهد العديد من الدوائر الانتخابية مخالفات بالجملة وخروقات للقواعد الانتخابية، والتي أعلنت عنها "اللجنة العليا للانتخابات". وتمثلت الخروقات في عدم التزام الغالبية العظمى من المرشحين بالصمت الانتخابي الذي يسبق يوم الاقتراع، ويستمر إلى حين انتهاء العملية الانتخابية. وذلك بفعل انتشار مختلف أشكال الدعاية المختلفة أمام اللجان الانتخابية في الجيزة والفيوم وبين سويف وسوهاج. كذلك قام المرشحون بتعليق لافتات لهم أمام اللجان الانتخابية، واستمرت السيارات التي تحمل مكبّرات صوت، تجوب عدداً من شوارع دوائر جنوب الجيزة بالعياط والحوامدية، وتدعو الناخبين للتصويت لمرشحين بعينهم.
كذلك حشد حزب "النور" في العديد من الدوائر أسطولاً من سيارات الميكروباص و"التوك توك" (مركبة تتسع لثلاثة أشخاص)، لنقل الناخبين من منازلهم للجان الاقتراع لإقناعهم بالتصويت لمرشحي الحزب. وتحوّل الأمر إلى ظاهرة في كافة دوائر الجمهورية، بعد اتفاق معظم المرشحين مع سائقي سيارات لنقل الناخبين من المنازل إلى لجان الاقتراع ثم إعادتهم إلى منازلهم مرة أخرى، وتسبب أسطول كبير من الأتوبيسات وسيارات الميكروباص في إغلاق شارع البحر الأعظم، ما تسبب في مشادات مع المارة.
في مدينة أطفيح، بمحافظة الجيزة، فوجئ الناخبون بأوراق التصويت خارج اللجان، بصحبة عدد ممن يطلق عليهم "سماسرة الانتخابات"، وهو ما يهدد بإبطال الانتخابات بالدائرة بالكامل، لو طُبّق القانون. وفوجئ الناخبون في عدد من الدوائر، مثل بولاق، باستمارات تصويت غير مختومة، ما يجعل أصوات تلك الدائرة باطلة في حال وضعها في صناديق الاقتراع من دون أختام.
وانتشرت عملية شراء الأصوات الانتخابية بكثافة، ففي مدينة كرداسة، يؤكد عدد من الأهالي، أن مندوب أحد المرشحين عرض عليهم 70 جنيهاً (9 دولارات) للصوت الانتخابي، في حين وصل سعر الصوت الانتخابي بالبدرشين والعياط لمئة جنيه (12.6 دولاراً).
وتلقّت "اللجنة العليا للانتخابات"، مذكرة رسمية من عدد من القضاة المشرفين على العملية الانتخابية بمحافظة أسيوط، أبدوا خلالها اعتراضهم على سوء حالة مقرات لجان الاقتراع. وهو ما استدعى تدخل المحافظ، لتدارك الأمر ومحاولة علاجه ونقل بعض اللجان لأماكن أخرى.
في دائرة الجيزة، قام أحد المرشحين بتوزيع "أكياس طعام" كرشاوى انتخابية أمام أبواب اللجان الانتخابية، من دون تدخل من جانب أجهزة الأمن لمنعه. وتلقت غرفة عمليات نقابة الصحافيين العديد من الشكاوى بشأن إصرار قوات الأمن ببعض اللجان على منع الصحافيين من ممارسة عملهم، بتغطية العملية الانتخابية. على الرغم من حصولهم على تصاريح من "اللجنة العليا للانتخابات"، واحتجزت أجهزة الأمن بدائرة بولاق صحافياً في صحيفة "التحرير"، لمدة ساعتين قبل أن تطلق سراحه.
وشكا العديد من الأحزاب المشاركة في العملية الانتخابية من منع مندوبي مرشحيها من دخول اللجان الانتخابية لمراقبة الانتخابات، على الرغم من إظهارهم توكيلات رسمية من المرشحين. وهو ما عبّر عنه حزب "التحالف الشعبي الاشتراكي" في بيانٍ صادر عن غرفة العمليات الخاصة بالحزب، موضحاً أنه "مُنع وكيل عام المرشح معتز الشناوي عن دائرة مينا البصل واللبان بالإسكندرية، من دخول اللجان مدرسة نبيل الوقاد".
وهو ما يؤكده أيضاً حزب "المصري الديمقراطي الاجتماعي"، والذي يكشف في بيانٍ أنه "في مدرسة الحميدات الابتدائية، بندر قنا، تعسّف قاضي اللجنة أمام أحد المندوبين الأقباط، ومنعه من دخول اللجنة، على الرغم من وجود توكيل خاص من المرشح عياد راغب ببندر قنا للمندوب سيمون جورج، وتم تكرارها مع مندوب مرشح قبطي".
وتفيد تحالفات حقوقية لمراقبة الانتخابات التشريعية المصرية ببعض المخالفات التي شابت العملية الانتخابية، وأبرزها، تأخر فتح اللجان في عدد من المدن والمحافظات، وانتشار ظاهرة شراء الأصوات، واختراق فترة الصمت الانتخابي من قبل بعض المرشحين.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]