بحمد الله وفضله، عدت من رحلتي الأخيرة من «دوحة» الخير، بعد أن شاركت في «ملتقى رابطة الإعلام المرئي الهادف»، في دورته العاشرة.
عدت من سفرتي وعاد معي سؤال أرَّق مضجعي .. طرحه عليّ زميل إعلامي:
كيف ننصر قضية فلسطين؟ أنتم تعرفون مدى التضييق المالي والسياسي علينا، فعجزنا عن نصرتهم إلا بالدعاء!!
هنا بدأت -وصديقي- نشرح له عن وسائل المساهمة في نصرة القضيّة الفلسطينية والأقصى، وعن دور الإعلام والإعلاميين بتنوع وسائلهم في شتى المجالات والقضايا (الاقتحامات اليومية للمستوطنين اليهود، التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، الشيخ رائد صلاح والحكم الجائر الصادر بحقه منذ أسبوع).. هنا قاطعنا السائل قائلاً:
من الشيخ رائد صلاح؟! من يكون؟! لم أسمع به من قبل!!
توقف الزمان، لحظتها، واعتراني الذهول، وداستني الصدمة دوساً..!!
تُرى، هل فقدت أذناي -حقاً- قدرتهما على السمع بعد تلك القنبلة الصوتية؟!
من هو الشيخ رائد صلاح؟!
أتمازحني يا هذا.. ألم تسمع عن شيخ الأقصى من قبل؟!
هل تبدّلت الأولويات لدينا حتى غدا شيخ الأقصى نكرةً.. ومعرفته ترفاً زائداً..!
من ألومُ؟!
إنّ الأمة التي لا تعرف حق واحدٍ من أهم رموزها الحيّة.. بل لم يسمع بعض إعلاميّيها به.. هي أمة بالغ عدوّها في طعنها.. حتى الصميم.. واخترقها برموزه حتى النخاع..!!
أمةٌ فقدت بوصلتها الدينيّة والحضارية .. بل فقدت كثيراً من ملامح إنسانيتها..!!
لهؤلاء جميعاً .. وهم أحبابنا وإخوتنا..
لهم جميعاً.. سأقول:
من هو الشيخ رائد صلاح؟!
وُلد شيخ الأقصى في مدينة» أم الفحم» شمال فلسطين المحتلة عام 1958م.. وهو سليلُ عائلةٍ فلسطينية تمسكت بالبقاء في أرضها .. على الرغم من كل المجازر التي سعت العصابات الصهيونية من خلالها إلى نشر الرعب والذعر في المدن والقرى الفلسطينية بغية إفراغها من سكانها (عام النكبة 1948).
بدأ الشيخ نشاطه الإسلامي منذ نعومة أظفاره، وأعجب بأفكار الحركة الإسلامية العالمية، فنشط في مجال الدعوة الإسلامية داخل ما يسمى بـ«الخط الأخضر».
كان -وهو في المرحلة الثانوية- أحد مؤسسي الحركة الإسلامية (السبعينات).
فاز شيخنا بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام (2013) لما كان له من دور في حماية المقدسات الإسلامية في فلسطين المحتلة.
خاضَ الشيخ غمار السياسة عبر ترشحه لانتخابات بلدية أم الفحم، من كبرى المدن العربية في الداخل الفلسطيني المحتل، ونجح في رئاستها لثلاث دورات (كان أولها عام 1989).
اهتم اهتماماً كبيراً بقضية المقدسات الإسلامية (المساجد والمقابر والمقامات)؛ نظراً لتغوّل الاحتلال عليها فضلاً عن تحويلها لأغراض أخرى بعد ترحيل أهلها عنها..!!
أُنتخب في عام (2000) رئيساً لجمعية الأقصى لرعاية المقدسات الإسلامية، التي ساهمت بشكل فاعل في الدفاع عن المساجد في كافة أراضي فلسطين، ونجحت في فضح محاولات الاحتلال المتكررة للحفر تحت المسجد الأقصى؛ بغية زعزعة أساساته، ليبدو انهياره حدثاً «طبيعياً»..
استطاع أن يُفَشِل المخططات الساعية لإفراغ الأقصى من عُمّاره وزائريه، باستجلاب عشرات الآلاف من «فلسطينيي الداخل» للصلاة فيه عبر مشروع «مسيرة البيارق».
نجح الشيخ ورفاقه في إعمار المصلى المرواني داخل الحرم القدسي الشريف وفتح بواباته العملاقة، وإعمار الأقصى القديم وتنظيف ساحاته وإضاءتها، وإقامة وحدات مراحيض ووضوء في باب «حطَّة» و«الأسباط» و«فيصل» و«المجلس». وإحياء دروس المصاطب التاريخية، وأبرزها: «درس الثلاثاء» الذي يؤمّه اليوم مئات المصلين تحت قبة الصخرة. كما ساهم شيخنا في إنشاء مشروع «صندوق طفل الأقصى» الذي يهتم برعاية نحو 16 ألف طفل.
ساهم في تنظيم المسابقة العالمية: «بيت المقدس في خطر»، التي تجري أعمالها سنوياً في رمضان، للكبار والصغار، بمشاركة عشرات الآلاف من كافة أرجاء العالم، بالإضافة إلى «مسابقة الأقصى» العلمية الثقافية.
استمر شيخنا في الدفاع عن المقدسات، واستمر الجيش الإسرائيلي بمحاولات إبعاده عن مدينة القدس، فقد مُنع من دخول مدينة القدس عام (2009)، وأصدرت المحكمة الإسرائيلية عام (2010) قراراً بسجن الشيخ تسعة أشهر.
واستمر الشيخ .. يا صديقي .. بالدفاع عن المسجد الأقصى من داخل السجن، فـالسجن «لن يزيدنا إلا قوة» .. كما قال الشيخ.
تعرّض الشيخ صلاح لمحاولة اغتيال على يد قوات الاحتلال خلال مواجهات انتفاضة الأقصى، وأصيب برصاصة في وجهه.
وأخيراً، يا صديقي، وليس آخراً، أصدرت محكمة إسرائيلية الثلاثاء 24/11 حكماً بالسجن أحد عشر شهراً على الشيخ رائد صلاح، بتهمة التحريض على العنف على خلفية تصريحات أدلى بها عام (2007) حول المسجد الأقصى.
وأنت.. يا صديقي.. تسأل: من هو الشيخ رائد صلاح !!
.. عذراً أيها «الشيخ الجليل».. سامحنا يا أبانا الـ «رائد صلاح».. أيها القامة السامقة والنخلة الباسقة.. سامحنا أيها «المسجد الأقصى».. يا خيرَ مولودٍ تربّع في سُويداء قلوبنا.. سامحينا يا ليلة الإسراء.. يا دربَ خيرِ مَنْ مرّوا إلى السماء.. يا بُشرى البشائر... سامحينا يا «قدس» الأقداس.. ومهوى الأنفاس.. يا بهيّة المساكن.. يا زهرة المدائن... سامحينا يا «فلسطين».. يا أمّنا الثكلى.. يا شيخُ.. يا أقصى.. يا قدسُ.. معذرةً منا إليكم..!
عارٌ علينا السمعُ والبصرُ.. إنْ لم نسمع بكم.. وترحلَ عيوننا إليكم.. كل يوم.. أجرمنا جميعاً.. بكم.. و بأنفسنا.. ولا ندري بعد ذلك.. إذا كنّا نستحقُّ أن نأمل منكم حتى المعذرة..!!
ليتنا كنّا.. قبل أنْ نَنْسى.. نَسياً منسيّا...!
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]