لم تتوقف مشاهد المعاناة الصادرة من "مضايا " على هيئة هياكل بشرية ، ولا نعلم متى تتوقف ،رغم جهود الإغاثة التى بدأت أخيرا ،ولا نعلم أيضا إلى متى ستستمر؟
لن أتحدث باسم الإنسانية ، فقد ماتت الإنسانية يوم مات أطفال وشيوخ ونساء " مضايا" جوعا ، ومات ضمير المجتمع الدولى حين أعلنت منظمة أطباء بلا حدود عن وفاة 23 شخصا جوعا ولم يتحرك ، وحين سمح بتجويع 40 ألف نسمة على مدار سبعة أشهر حتى أصبحت هياكل بشرية ، وحين أجبر نقص الغذاء السكان على أكل القطط والحشائش والنفايات أمام أنظار المجتمع الدولى ، فما حدث فى " مضايا " فاق كل عقل ، حتى وصفته بعض التقارير بأنه كابوس لم يشهده مكان آخر بالعالم .
لقد انتفض الضمير العالمى حين عزمت طالبان فى نهاية القرن الماضى على تدمير الأصنام البوذية على أرضها – مع اعتراضنا على ذلك لأسباب تعود إلى المفاسد المترتبة على ذلك - أما أرواح أهل مضايا فإن الضمير العالمى إزاءها فى غيبوبة .. فهل يمكن أن نخاطب المؤسسات الدولية والأمم المتحدة بأن يعتبروا البشر فى مضايا ، لهم حقوق الحماية والدفاع ، مثل أصنام البوذيين لعلهم يقتنعون بحقهم فى الحياة والإغاثة ، فيتحركوا ليمنعوا مزيدا من فصول المأساة ؟
لقد نظمت مؤسسات ونشطاء من جنسيبات مختلفة فى العالم احتجاجات ومظاهرات من أجل حقوق الحيوان ، منها حقه فى الحياة ، والغذاء ، وتجنب القسوة عليه ، ومعاملته معاملة لائقة – وهو حق نتبناه - فهل يمكن للسادة النشطاء أن ترتفع عقيرتهم ، وينادوا بحقوق مماثلة لبشر يعيشون فى " مضايا " .
ورد فى الإعلان العالمي لحقوق الحيوان الصادر فى لندن عام 1970 ، فى المادة ( 12) أن: كل فعل أو عمل يؤدى إلى موت جماعي للحيوانات البرية يعتبر جريمة ضد جنس الحيوانات . فهل سيعدون الموت الجماعى جوعا وحصارا فى " مضايا " جريمة ضد جنس الإنسان ؟
لم أكن أتصور أن حصار المسلمين فى شعب أبى طالب ، وتضييق المشركين عليهم ، حتى أكلوا ورق الشجر ، وحتى تقرحت أشداقهم من خشونة ورق الأشجار، لم أكن أتصور أن ما حدث فى الجاهلية سيتكرر فى القرن الحادى والعشرين فى ظل الأمم المتحدة ، والاتفاقيات الدولية ، والمنظمات الحقوقية التى تستطيع أن تمنع ذلك ، بل وتعاقب عليه - إن هى أرادت - ولكنه للأسف حدث على نطاق أوسع ، وبطريقة أبشع فى مأساة " مضايا "، أمام أنظار العالم المتحضر المتمدن ، حتى قال أحد السياسيين البريطانيين المتضامنين مع "مضايا " : إذا لم تكن طائراتنا قادرة على إسقاط مساعدات لمضايا فما الفائدة من امتلاكنا لسلاح الجو؟
لقد كان حصار المسلمين فى شعب أبى طالب فى الجاهلية سبة فى جبين الإنسانية ، حين تناول الحقوقيون الحديث عن حقوق الإنسان ، فماذا عساهم أن يصفوا حصار مضايا وأخواتها فى القرن الحادى والعشرين ؟
أما عن المجتمع العربى والإسلامى ، فكيف يسمح بتجويع وحصار أهالى مضايا المدنيين ؟ وهل هذا أمر يقبل الانتظار ؟
لقد أمر عمر بن عبد العزيز بنثر الحبوب على رؤوس الجبال ؛ لكى تأكل الطير منه وتشبع ، وعلل لصنيعه ذلك بقوله : حتى لا يقال إن الطير جاعت فى بلاد المسلمين .
وقد أخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم كما روى البخارى : أن " امرأة دخلت النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض " . وأن رجلا " سقى كلبا من عطش فشكر الله له ، فغفر له " ، حتى تساءل الصحابة فقالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: " في كل كبد رطبة أجر" .
وقد حكى شهود عيان أنهم رأوا أطفالا يرجفون من سوء التغذية ، وكبارا يقول أغلبهم : إنهم لم يذوقوا طعم الخبز أو الأرز أو الخضراوات والفواكه منذ شهور .
وقد بلغ سعر الكيلو جرام من الأرز ثلاثمائة دولارا، وباع أحد السكان دراجته النارية مقابل خمسة كيلوجرامات من الأرز . فهل يتحرك المسلمون - حكاما وشعوبا - لتوفير الغذاء لهم ، ويتداركون تفاقم المأساة حتى لا يقال : إن أهل مضايا ماتوا جوعا فى بلاد المسلمين .
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]