ذكرتني اللحظات الاولى لمحاولة الانقلاب في تركيا بما حدث في مصر حين تم الانقلاب على الرئيس المنتخب والشرعي الدكتور محمد مرسي،لم ينتظر البعض وقتا كافيا ليعبر عما يجول في داخله،وعبر بشكل اكثر من واضح ،مرافقا بفرح وشماتة وكراهية وحقد،عن "نجاح الانقلاب"،الذي تبين فيما بعد انها "انقلاب عابر".
ليست لدي اية مشكلة في موقف أي ممن وقفوا مؤيدين لانقلاب عسكري،في مصر وتركيا،حتى وان كان ضد رئيس منتخب ،أي وصل الى هناك بالصناديق،من حقهم ان يقفوا الى جانب من يختاروا،وان يتبنوا الموقف الذي يروه مناسبا من وجهة نظرهم، لكن ليس من المعقول ان يتغاضى هؤلاء عن الواقع بدوافع حقد وكراهية وفشل وعجز فقط .
مثل ما حدث في تركيا يتجاوز مسألة الوقوف الى جانب طرف دون اخر،فهذه مسألة بالعموم عادية وطبيعية،المشكلة تكمن في فهم ما حدث،وافرازاته ،وفي تفسير حالة الاصطفاف الخطاب والمصطلحات،الانقلابات بالعموم تكشف ما هو في النفوس.
كانت التفسيرات بشأن ما حدث هناك في غاية الغرابة ،فمن الفبركة والمسرحية التي قم بها اردوغان(وان كان فعل ذلك فالرجل عبقري بجد)،والى الحماية الامريكية التي تدخلت لانقاذ اردوغان من الانقلاب،مرورا بالتدخل الاسرائيلي ايضا،وكذلك نزول الناس الى الشوارع وهو ما انقذ اردوغان(طيب هذا اشي سلبي ولا ايجابي ،الشعب الذي يحمي قائده شعبي ولا ايجابي؟؟)،ولا ننسى طلب اللجوء الى المانيا،وهبوط طائرة اردوغان في القاعدة الامريكية في تركيا،فيما ذهب احدهم يتساءل عن سر هبوط الصحفيين الاسرائيليين في تركيا،لدي تفسير (وان كان الكلام غير مهم)،هبط الصحفيون الاسرائيليون في تركيا في الساعات الاولى التي كانت تحت سيطرة الانقلابيين مثلا . (شفت عاد الجواب).
فبركة اردوغانية
لك ان تختار ما تشاء،المهم ان احدا من الذين خاضوا في الاسباب لم يقف امام حقيقة ما حصل في تركيا حتى وان اعتبر "فبركة" اردوغانية،خاصة وان الشعب التركي ليس الشعب المصري الذي "ملأ" الميادين بعد هزيمة 1967 مطالبا الرئيس بعدم الاستقالة،ولو فرضنا ان طيب رجب اردوغان الذين كان عبر كثيرون عن كراهيتهم الشخصية له،واكدوا انهم على مدار السنوات الست الاخيرة كانوا يدعون الله ان يفشل ويسقط،ان الرجل كان "كارثة" على حالة الامة العربية،وان طائراته شاركت في قصف الشعب السوري وحرقه واغتصاب نسائه، وتشريده ،وتدمير سوريا عن بكرة ابيها(كمان شوي واصلين داعش)،وكذلك العراق،فمن باب الامانة على الاقل الوقوف عند ما كان اهم عنصر في هذا المشهد، الشعب التركي،الذي نزل الى الشوارع،المؤيد والمعارض،فموقف المعارضة هناك التي رفضت محاولة الانقلاب،فلماذا برايهم نزلت هذه الجماهير الى الشوارع لتحمي قيادتها وبلدها،بالضبط بعد نداء عبر الهاتف من اردوغان؟،ولماذا لم تنزل الجماهير السورية مثلا لحماية بشار الاسد؟
هذا سؤال من الصعب الاجابة عليه لعقلية لا تجيد الا التخوين والتشكيك واثارة الشبهة والكراهية والحقد والحسد ،واكثر من ذلك ،هذه عقلية لا تملك ما تقوله بكونها تعيش حالة احباط وياس ،عاجزة عن انتاج أي شئ،سوى النميمة والتلصص والكراهية.
ليست هناك مشكلة ان تحب تركيا او تكرهها،ومثلها طيب رجب اوردغان،المشكلة في التسويغ،الذي فاق بعضه في رايي أي منطق،فحين يحاصر عبد الفتاح السيسي غزة وتمر المسالة مر الكرام،وحين توقع تركيا اتفاقا تحاول من خلاله فك الحصار عن غزة او التخفيف عنها وتتهم بالخيانة(ولدي ملاحظات على الاتفاق لكن اشكر تركيا على انها حاولت تخفيف الحصار وليس محاصرة شعبنا في غزة)،فهذه مسالة تحتاج الى طب نفسي للوقوف عند حالة.
حين تمر زيارة وزير الخارجية المصري اسامة شكري الى اسرائيل وكلاهما يحاصر غزة مر الكرام ويعتبرها الحزب الشيوعي المصري "سقطة" في السياسية الخارجية لمصر فلك فقط ان تتخيل الى أي حال وصلنا.
من رقص لانقلاب مصر
من رقص لانقلاب طغمة مصر العسكرية،ودافع عن عصابة السيسي الانقلابية في حينه التي انقذت مصر من "طغيان" الاخوان،ومن امريكا ويرى ويسمع ويشاهد ما يحدث في مصر الان،ثم يصمت ،ولا يقول كلمة واحدة في المسالة فعليه ان يعتذر لشعبه المحاصر في غزة اولا(يا عيب )،وان يخجل من نفسه؟،هذا الكلام الان ضروري للغاية ،ويجب ان يقال بصوت عال ومرتفع.
ثم نريد ان نعرف مرة والى الابد،الوقوف الى جانب انقلابين ضد رئيسين وهيئات منتخبة شعبيا ،بجانب الوقوف الى جانب طغاة ومجرمين هم الشرعية، هل فكرتم مرة واحدة ،في اكاذيبكم ؟؟
لم ينته الانقلاب بعد
لم ينته الانقلاب في تركيا بعد،الانقلاب فقط تبدأ،ولا احد يعرف اين ستنتهي،ومتى،الانقلابيون لا يختفون،بالذات اذا كانت دوافعهم الكراهية والحقد،من يعتقد ان محاولة الانقلاب في تركيا كانت محلية فهو مخطأ،نادرا ما تكون الانقلابات محلية من حيث التخطيط والاهداف،وهذا هو اهم ما سيواجه تركيا منذ الان،لان راس تركيا مطلوب من اكثر من جهة،من حيث انها احد الدول العظمى،من حيث انها حققت انجازات اقتصادية غير عادية،من حيث انها اقتربت اكثر من العرب والمسلمين والشعب الفلسطيني،وانهت ارث الاتاتوركية والعلمانية المتطرفة التي اوصلت تركيا الحضيض ويتمنى البعض عودتها،من حيث انها دولة تملك شعبا وشعب يملك دولة،وليس عصابة من اللصوص والخونة تنهب البلد عن بكرة ابيها وتقتل وتدمر وتشرد شعبها،وهذه هي نقطة القوة في تركيا،ولا يملكها أي زعيم عربي،وهي احد اشكالات التي سببت حقدا وكراهية وما زالت لدى العرب.
تركيا ستتعرض في المرحلة القادمة الى محاولات لتفكيكها لضربها،الانقلاب لم ينته بعد،هناك تاريخ ما زال يعيش في نفسية مليئة بالتحريض،هناك كراهية تفوق أي حد ممكن ان نتحدث عنه،ولا يمكن تفسير المواقف من تركيا الا على هذا النحو.
لا ادري في الحقيقة حتى الان من اين كل هذه الكراهية لتركيا،لو فرضنا ان العثمانيين دمرو العرب قاطبة،واوصلوهم الى الدرك الاسفل،والى تخلف وجهل لم يسجله التاريخ البشري(وهي رواية سوقت لتبرير الحالة الاستعمارية ما بعد سقوط الخلافة ومنح دور ايجابي جدا للاستعمار الانكليزي والبريطاني الذي جاء بالويلات على العرب)،فلماذا لا تمنح تركيا الجديدة فرصة كما منحت دول الاستعمار الغربي وروسيا؟،ولماذا لا نتعلم من تجربتها كما نتعلم من تجارب الغرب واليابان والصين ؟
تحليلات مدهشة
منذ فترة لا اتابع شبكة التواصل لا في صفحتي الشخصية ولا من خلال قراءة صفحات واخرى،هذه المرة قررت ان اعزف عن عادتي الجيدة ,وكنت اتمنى اني لم افعل ذلك،فقد دهشت من التحليلات التي نشرها البعض،ودهشت اكثر ونفس الشخص يسوق اكثر من تفسير ورواية حول ما حصل في تركيا ،المهم انها كانت متناقضة.
فعدا عن ان المؤيدين لم يتمالكوا اعصابهم مجرد نشر الخبر وعبروا عن فرحهم الشديد،الذي تبين انه خيبة امل،فقد راحوا ينشرون أي كلام يلتقطونه من امكنة اخرى،المهم التغطية على خيبة الامل.
اعرف ان الحالة السورية صارت فاضحة،وان كلام الممانعة والمقاومة ما صار ذا جدوى،وان اسطوانة قطر والسعودية وتركيا انتهى تاريخ استعمالها،وعرف ايضا واكثر ان ايران وحزب الله صارا يتصرفان كان سوريا عزبة لهما،هذا عدا عن التدخل الروسي الذي يشارك في قتل السوريين وتدمير البلد بحجة محاربة داعش(بس اشوي سنصل داعش)،وان حالة النذالة وصلت لدى البعض بالتمجيد بما تفعله روسيا في سوريا(وا اسفاه)،واعرف ان من دخل في نفق مظلم من الصعب ان يخرج منه وسيبرر كل شئ،وانصح الاخوة ممن اعرف ان بعضهم بدا يغير رايه بشان ما يحدث في سوريا،انصحهم مراجعة مواقفهم،وليكرهوا تركيا كما يريدون.
طيب
طيب،بدنا نفهم مرة والى الابد انتو مع "الديموقراطية"(انا ضدها مثلا ومع تداول السلطة فقط)،ولا مش معها؟.
كيف لمن يؤيد الانتخابات وتداول السلطة سلميا ان يقف الى جانب انقلابات عسكرية بالذات في الدول التي تم انتخاب رؤساء بها بشكل شرعي؟
بالمقابل يقف الى جانب انظمة قمعية ودموية ودكتاتورية ؟،نريد تفسير لمثل هذا الانفصام،ونرجوكم للغاية ان تتركوا موضوع الممانعة والمقاومة جانبا؟
طيب،فهمنا انكم مع الممانعة والمقاومة وحيث تكون امريكا لا تكونون ،فلماذا تقفون او تصمتون عمن تقف امريكا معه بل وتوجهه وتمنحه اسباب الحياة الممثل في سلطة اوسلو مثلا؟
ولماذا تقفون الى جانب عراق المالكي والملالي الذي صنعته امريكا والغرب؟،ولماذا تصمتون عن عبد الفتاح السيسي وعصابته وهم يحاصرون شعبكم،ومثله نظام الجرام في سوريا الذي شرد وقتل ابناء شعبكم في مخيم اليرموك(سناتي لداعش انتظروا شوي)؟
وما زلت اسأل من اين كل هذا الحقد على تركيا واردوغان شخصيا؟
عندما يفشل مشروعك تكون اقصى امنياتك فشل غيرك،لانك لا تملك ما تقول،لا مشروعا ولا نصف مشروع،تركيا ليست دولة الخلافة الراشدة ،لكنها دولة نجحت في الوصول الى القمة،وهي ليست دولة الثورة العارمة،لكن عندها شعب يحمل مشروعا،نتفق معها في اشياء ونختلف معها في اشياء اخرى،ليس من المعقول ان نمجد اليابان والمانيا على ما وصلت اليهما وننكر ذلك على تركيا.
نحن نتعامل مع تركيا على قاعدة لها ما لها وعليها ما عليها،ولا نقف ضد الانقلاب في تركيا لاسباب تخص اردوغان كما يعتقد الاغبياء(وحتى اكون منصفا فانا من المعجبين للغاية بالرجل كقائد سياسي،بتعرفوا اعطوني عشراردوغان في الالم العربي وساكتب عنه قصيدة في مديح الظل العالي ،وهذا وعد).
صمت حول تركيا
لم يستحق ما حصل في تركيا من محاولة انقلاب ، من قبل قياديين عرب في الداخل، حريصين بالعموم على الديموقراطية وتداول السلطة ولو كلمة واحدة،صمت غالبيتهم،هل الى هذا الحد غير مهم ما يحصل في تركيا ام ان المسألة محرجة ؟
هذا سؤال مهم للذين يصدرون بيانا على كل حادث طرق او زيارة لمؤسسة(وهو من حقهم) ولا يجدون ما يقولون في انقلاب عسكري ضد نظام منتخب،هكذا بالمناسبة فعلوا في الحالة المصرية غير انهم في حينه ابدوا فرحهم واعجابهم الشديد بالانقلاب الذي جاءت نتائجه فاضحة ومشينة .
لماذا تقيمون الدنيا ولا تقعدوها حين يكون عملية لداعش في الغرب وتمرون مر الكرام عن ذات الفعل الاجرامي حين تكون في تركيا؟
طيب تركيا حكمتنا بالجهل والتخلف والقمع والارهاب،وفرنسا حكمتنا الجزائريين والمغربيين والمصريين والسوريين بايش؟
دائما قلت اناحداث مثل الحدث التركي تعرفك على من هو معك او بجانبك.
ولا اريد ان اتطرق للاكادميين اشباه المثقفين،الذين لا يستحق كلامهم أي رد فعل،المهم ما حدا يحدثنا من هؤلاء(قيادة واكادميين ) عن ضرورات احترام الخيار الديموقراطي،ما بدنا كذب.
واخيرا داعش
في السنوات الاخيرة عندما تذكر أي شئ تقفز في وجهك داعش،ومن قبلها القاعدة،فليس مكان في العالم لا تهدده داعش،وليس مكان لا تصله،او هي لا تقدر على الوصول اليه.
كانت اخر "صرعات" داعش ما حدث في مدينة نيس في فرنسا ،عشرات القتلى في عملية دهس بالضبط في يوم الاحتفال باستقلال فرنسا،هل يمكن ان يكون هناك اكثر بشاعة في نظر الفرنسيين من مثل هكذا اعمل استهدف اناس عزل في الشوارع ،الاطفال قبل النساء.
بالضبط هذه هي الداعشية،التي لا تتميز بقتل عدد كبير ممن تستهدفهم بل بالبشاعة والحالة ،الحرق،او التقطيع او قتل صحفيين او قتل في يوم احتفال،هكذا تخطف الداعشية الانظار،لم تنته بعد من اساليب التفنن في القتل ،التي يصلها الاعلام دائما وينشغل ويشغل بها العالم دائما،في اليوم الذي قتل به 84 فرنسيا في نيس بعمل ارهابي قتل المئات في العارق وفي سوريا،بعمل لا يقل بشاعة وارهابا عما حدث في النيس،الفرق هو في المكان والتوقيت،ونوعية البشر.
جرائم داعش في نيس وفي باريس وما تحظى به من تغطية واهتمام هي التي تغطي على جرائم في امكنة اخرى،يقوم بها اخرون وداعش كذلك،في سوريا وفي العراق،بشاعة تفوق الخيال احيانا،لكن هناك فرق في الحالة الزمان والمكان والاشخاص كذلك.
ننتظر من داعش الجريمة القادة،او لنقل "الابداع" القادم في القتل،لان القتل ما عاد مهما الا بما يكتنفه ،الطريقة والناس،وقتل مجموعة يبرر قتل اخرى،وداعش تقوم بالواجب على اتم وجه.
سيستمر كثيرون بالاحتماء بداعش والاختفاء خلفها ،هذا حقهم،لكن هم يعرفون ان جرائم من يبررون جرائمهم تفوق جرائم داعش التي تعمل لذات الجهة،بالاف المرات،كل ما في الامر ان هناك جريمة ظاهرة واخرى مختفية ،بعيدة عن الانظار.
لن تذهلنا داعش والداعشية بجرائمها لاننا صرنا نعرفها بالفطرة،وب"توقعات" وسائل الاعلام الغربية،التي تقرأ بالمندل وتتوقع دائما جرائم جديدة.
نحن نعرف ان ما يواجهه الناس من قصف اعلامي وتضليل وكذب لا يعطيهم فرصة لفهم ما يدور حولهم،نعذرهم احيانا،لكن من جهتنا ما زلنا عند راينا الاول،المشكلة ليس اما داعش واما بشار الاسد او غيره،وليس امام ايران او السعودية،وليس اما حسن نصر الله او امير قطر،وليس اما الجزيرة او العربية،المسالة بالنسبة لنا اولا قبل كل شئ،ان كنا واعين ان هناك طريق ثالثة كذلك،حرة ،بعيدة عن التوصيفات التي يتم الترويج لها.
من يحاول ان يستفسر عن اعمال داعش في سوريا وهي موجهة ضد السوريين وليس ضد نظامهم،ومن يحاول ان يبرر وقوفه الى جانب طاغية مجرم ودكتاتور اجرامه يفوق اجرام داعش التي توفر له حماية معنوية،عليه ان يسال وفقط للامانة ،لانه سيقف غدا امام الله،ان يسال كيف كان نظام الاجرام في سوريا قبل ان تحل علينا "خزعبلات داعش"؟
وكيف كان الاجرام والقتل والابادة قبل قدوم داعش؟
ولعله بذلك يصل الى النتيجة المهمة بشان من يقف خلف داعش ومن يدعهما ومن المستفيد الاساسي من وجودها؟
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]