نفذت الشرطة في وقت مبكر اليوم حملة اعتقالات بحق 20 مسؤولاً وناشطاً في حزب “التجمع الوطني الديمقراطي” على خلفية شبهات تتعلق بالإدارة المالية للحزب وتمويل نشاطه، ويتم الآن احضار المتهمين للمحكمة للبت في تمديد اعتقالهم. وقد كان التحقيق قد بدأ في أعقاب تقرير لمراقب الدولة بموضوع تمويل الأحزاب، ولكن عوضاً عن اتباع الاجراءات القانونية بشكل منظم- كما هو متوقع عندما يتم توجيه تهمات من هذا النوع- تم تنفيذ اعتقالات بأسلوب “الشاباك” ومداهمات للبيوت بمنتصف الليل بغية تخويف النشطاء وخلق انطباع بأن الحزب المستهدف “خطير” بحق: وهي محاولة أخرى للمس بصورة “التجمع” داخل المجتمع العربي حتى ان اعتقال الناشطين يشير الى اتباع العقاب الجماعي بحقهم لا سيما وان لا علاقة لغالبيتهم بالإدارة المالية للحزب.
حتى اذا ما افترضنا بأن ثمة مخالفات فيما يتعلق بالإدارة المالية للحزب فان هذا ليس بالأمر الشاذ بالسياسة الإسرائيلية: تهمات شبيهة تتكرر بين الفينة والأخرى أيضاً بخصوص أحزاب أخرى ولكن ما يميز التهمات ضد “التجمع” هو السهولة التي يتحول فيها ملف من المفترض بأن ينتهي، وغالباً ما ينتهي، بغرامة مالية من آلاف او عشرات آلاف الشواقل (نظروا مثلاً بنيت) يتحول الى حملة امنية يديرها “الشاباك”. مع ذلك لا يمكننا القول بأن هناك جديد تحت الشمس فمنذ اقامته يتعرض التجمع للملاحقة السياسية من قبل الحكم الإسرائيلي. المهم في هذه الحالة هو النقاش العام الذي دار في المجتمع العربي بالأسبوع الأخير والذي هيأ الأرضية لهذه الأحداث كما اعتقد.
كل من ينظر الى نفسه كجزء من الخارطة اليسارية يجب ان يعي بأنه عندما تنفذ اعتقالات ليلية بحق نشطاء حزبيين، بعد أقل من عام على اخراج حزب آخر عن القانون بمساعدة قوانين الطوارئ، ولكن الامور تستمر على ما هي عليه وكأن شيئاً لم يكن، يجب ان يعي بأنهم، عاجلاً أم آجلاً، سيصلون الى باب بيته أيضاً.
كما هو معروف فمجرم الحرب ورئيس دولة إسرائيل سابقاً (بالإشارة الى شمعون بيرس) يمكث في المستشفى. وقد نشر النائب في “التجمع” باسل غطاس مشاركة عبر الفيسبوك تعقيباً على ذلك عرض من خلالها ادعاءاته حول مساهمة بيرس للمس بالشعب الفلسطيني بالتوازي مع تثبيت صورته ك”رجل سلام”. “دعونا على الأقل في مماته نتذكر جوهره الحقيقي كطاغية وكمسؤول مباشر عن جرائم حرب ارتكبها بحقنا”، كتب غطاس وأضاف: “دماؤنا تغطيه من رأسه وحتى أخمص قدميه”. شخصياً كنت لأضيف علامات سؤال أيضاً حول مساهمة بيرس في كل ما يتعلق باختفاء الاولاد اليمنيين وبشكل عام في كل ما يتعلق بالرواية العنصرية تجاه اليهود الشرقيين.
ادعاءات غطاس اقلقت راحة العربي الاليف من “ميرتس” عيساوي فريج. فكيف لعربي يجلس في حزب صهيوني ان يشعر بالراحة بين اسياده اذا لم يقم باستنكار اقوال العربي الذي لا يعتذر؟ فريج خرج بتصريح هجومي عبر الفيسبوك استنكر فيه غطاس بشدة وفي المقابل دافع بقوة عن الرئيس السابق. موقع “Ynet” استغل الفرصة طبعاً وقام بنشر تعقيب موسع لفريج مؤكداً على تعاطفه مع المواقف الهجومية ضد “التجمع”. الصحافية لوسي هريش تجندت هي الأخرى للدفاع عن بيرس وأرسلت غطاس للاعتذار بعد ان وصفته ب”عديم القيمة”.
فريج هو ليس العربي الأليف الوحيد بالمجتمع العربي بالطبع، وبدل التعامل مع الادعاءات الموضوعية حول مساهمة بيرس للاحتلال بالسياق التاريخي والأخلاقي، اختار العرب الاليفين والمحسوبين على الحكم التحريض ضد غطاس وضد “التجمع” وشرعيته. هذا التحريض هيأ الارضية لقوات الأمن لمداهمة بيوت نشطاء “التجمع” بعد ان اطمئنوا بأن المزاج العام الآن لن يؤدي الى موجة احتجاج- حتى من قبل جزء من أعضاء الكنيست العرب. هؤلاء لا يريدون ان يستوعبوا بأن التحريض، من جهة، وسكوتهم، من جهة أخرى، يخدمون بنهاية المطاف المس بهم أيضاً وبكل من لا يستوي وفق اجماع اليمين الصهيوني.
أنا اتفهم بالتأكيد بأن الخلافات السياسية تصعب على نشطاء الأحزاب اتخاذ الموقف الأخلاقي المطلوب ولكن الحديث ليس عن أمر اختياري هنا انما اجباري. في عام 1992 استضاف برنامج “بوبوليتيكا” الذي قدمه الصحافي دان مرغاليت بروفيسور يشعياهو ليفوفيتش للحديث عن ابعاد 415 من نشطاء “حماس” للبنان في ظل حكومة رابين ودعم وزراء “ميرتس” للقرار. مرغاليت سأل ليفوفيتش الذي عارض هذه الخطوة من منطلق أخلاقي(!) ما رأيه بدعم وزراء “ميرتس” لقرار رابين، فاضطجع ليفوفيتش الى الخلف وقال: “هناك أشخاص يتضح بساعة الامتحان بأنهم مماسح”. يبدو بأن جينات “ميرتس” لم تتغير منذ ذلك الحين. حزب لا يستطيع إلا ان يكون حزب مماسح بأخلاقيات مشبوهة.
فيما يتعلق بهؤلاء العرب الذين ساهموا بالتحريض ضد “التجمع”، يجب ان نفهم بأن هناك من ذوتوا عقلية الشعور بالنقص مقابل الاسياد اليهود. في خطابه الشهير من سنوات الستين شرح مالكوم اكس الفرق بين العبيد الافرو-أمريكيين فقال بأن هناك “زنجي البيت” (house niger) الذي يعيش في بيت السيد الأبيض ويخلص له ويحاول تقليده وهناك “زنجي الحقل” (field niger) الذي يعيش في مكان منفصل بالحقل ويبغض السيد وقيمه. هذه المقارنة تبين الكثير عن اساس الخلاف بين غطاس وفريج، بين الهوية االمبنية على الاحترام الذاتي والفخر وبين الهوية المبنية على الدونية والخنوع.
حان الوقت لأن يفهم فريج وأصدقائه في “ميرتس” بأن مساهمتهم في التحريض ضد أي حزب عربي في هذه الاوقات تعرضنا جميعاً لخطر الاعتقال. كل من ينظر الى نفسه كجزء من الخارطة اليسارية يجب ان يعي بأنه عندما تنفذ اعتقالات ليلية بحق نشطاء حزبيين، بعد أقل من عام على اخراج حزب آخر (الحركة الاسلامية) عن القانون بمساعدة قوانين الطوارئ، ولكن الامور تستمر على ما هي عليه وكأن شيئاً لم يكن، يجب ان يعي بأنهم، عاجلاً أم آجلاً، سيصلون الى باب بيته أيضاً.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]