اليوم الجمعة 11-11-2016 تنادى المصريون للخروج في مظاهرات "الغلابة" ضد الفقر وضد الظلم وضد القهر وضد التسلط وضد الخيانة؛ هذه كلها كانت بعض حصاد مرّ لحكم الانقلابي الخائن عبد الفتاح السيسي 3-7-2013، يوم انقلب على الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي.
لقد اختير يوم 11-11 ليكون يوم الدعوة للخروج في هذه التظاهرات ضد نظام السيسي، حيث يوم الجمعة له دلالات الزمان والمكان، حيث الجوامع هي نقطة تجمع الناس، بل إنها منابر الفقراء والمظلومين والمقهورين، وهكذا يجب أن تكون.
ولأن الظلم هو الظلم، ولأن الفقر هو الفقر، ولأن الخيانة هي الخيانة، فما أشبه الليلة بالبارحة! اليوم يتنادى المصريون لمظاهرات، تماما مثلما تنادى أهل العراق وأهل الشام في العام 1111م؛ وفق 505 هجرية للتظاهر ضد الخلفاء العباسيين للمطالبة بتحريك الجيوش لاسترداد القدس والمسجد الأقصى من الصليبين، والذي سبق واحتُلَّ قبل 12 سنة؛ أي في العام 1099.
يقول الدكتور راغب السرجاني في كتابه "قصة الحروب الصليبية"، وفي ص268 وتحت عنوان "يقظة شعب": (الحمد لله أن هذه الكلمات وجدت آذانا مصغية من أهل بغداد، ووجدت أيضا عقولا فاهمة وقلوبا واعية. وكان واضحا أن أثر المدارس النظامية التي أسسها "نظام الملك" رحمه الله، وأثر العلماء الذين ملأوا بغداد علما ونورا ومازال باقيا، ومن ثم كانت ردة الفعل عند الشعب كبيرة، بل غير مألوفة في هذا الزمن. لقد نظم الشعب في بغداد مظاهرة ضخمة خرجت في أحد أيام الجمعة من النصف الثاني من العام 505 هـ / 1111م، وكانت هذه المظاهرة تطالب صراحة بالجهاد في سبيل الله لإخراج الصليبين من ديار الإسلام. وتوجهت المظاهرة إلى مسجد السلطان قبيل صلاة الجمعة، واقتحمت الجموع المسجد، حتى أن صلاة الجمعة لم تُقم في هذا المسجد). ولأن السرد يطول، حتى كأننا نتحدث عن مشاهد نراها هذه الأيام، ورأيناها خلال ثورات الربيع العربي، إلى أن يقول الكاتب: (ولكن من الواضح أن الثورة كانت كبيرة، وأن الشعب كان متحدا على هدف واحد، وأن الخطوات كانت منظمة ومرتبة، وكل هذا جعل الخليفة والسلطان يعيدان حساباتهما، ومن ثم رضخا لقرار الشعب، وبدءا بالفعل بتجهيز جيش كبير لقتال الصليبين).
ليس أن الشعب المصري اليوم في 11/11 يتظاهر مطالبا بتحرير القدس والأقصى من الاحتلال الصهيوني، وإنما هو يطالب اليوم برغيف الخبز وكرامة العيش ومصدر الرزق، التي حرمه السيسي منها. وإذا كان الخليفة في بغداد قد رضخ لصوت الشعب فإنني لا أتردد بالقول، من خلال قراءة وفهم لدور السيسي ووظيفته، أنه لن يرضخ ولن يستجيب. لا لشيء, إلا لأن الدور المكلف به لم ينته ولم يكتمل بعد. نعم إن كل ما رأيناه من سفالات وظلم وبطش السيسي بحق الشعب المصري لا يساوي شيئا حيال ومقابل ما سينفذه من مهمة قذرة ستتحدث عنها الأجيال، ولكن سيكون نتيجة ذلك أن يصبح هو عبرة لمن يعتبر جراء فعلته تلك، ولي قراءة وتوقع في تلك المهمة والفعلة التي ينفذها غير السيسي. وسأبقي هذا لنفسي، ولا يعلم الغيب إلا الله.
قمرنا العالي
مساء يوم الاثنين وعشية يوم 14-11 سيكون القمر بدرا مكتملا، أي ليلة الخامس عشر وفق التقويم القمري والهجري، وذلك المساء يشهد حدوث ظاهرة فلكية تسمى (القمر العملاق) حيث يكون القمر في أقرب نقطة له إلى الأرض، وسيظهر حجمه 14% أكبر من حجمه المعتاد، وسيكون أكثر إشراقا بزيادة 30% أكثر من إشراقه المعتاد. اللافت أن آخر مرة ظهر فيها القمر العملاق كانت في العام 1948 عام النكبة الفلسطينية؛ عام قيام دولة إسرائيل على حساب تشريد شعبنا.
وللتأكيد فإن هذه الظاهرة الفلكية ليس لها أية دلالة شرعية ولا معنى ديني، فلسنا من دعاة التنجيم ولا التخريص ولا الرجم بالغيب، ولكن هذا لا يتعارض أن للقمر دلالات في القرآن الكريم والسنة الشريفة: (اقتربت الساعة وانشق القمر القمر1).. (الشمس والقمر بحسبان الرحمن:5)..(لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون يس:40)... (وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا نوح" 16-17).
فمثلما أن القمر سيكون عملاقا وسيظهر بأكبر حجم وبالنور الأكثر سطوعا والأكثر إشراقا وضياء، إلا أن تلك الليلة إذا كانت غائمة فإن غيومها ستغطي القمر، وعندها سيظهر أحيانا ويغيب ويختفي في أحيان أخرى، لكن ليس معنى ذلك أنه لن يكون عملاقا، ولن يكون أكثر إشراقا.
وإن إسلامنا العظيم، مثل قمرنا العملاق العالي، هذا الإسلام الذي لن يُغيّب حقيقة صفائه ونصاعته وإشراقه لا غيوم الخريف ولا غبار يثيره بعض الصبيان والعبيد، يظنون أنه سيحجب إشراقة قمرنا وجلال روعته.
نعم، إن ما يثار اليوم ضد الإسلام من شبهات، بل وما يفعله اليوم مسلمون باسم الإسلام يراد من خلاله تشويه صورة الإسلام. أما الشبهات فإنه يراد لها ذلك لأنها من صنع الأعداء والحاقدين، وأما الأفعال والممارسات التي يمارسها مسلمون يظنون أنهم بها يخدمون الإسلام وينصرونه فإنهم في الحقيقة إنما يشوهون صفاءه (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) الكهف:103-104.
نعم، قد يختفي قمرنا العالي خلف غيوم الخريف، وقد تُغيّب قمرنا بعض قمم الجبال، لكنه يعود يطل من بينها في مشهد أشد جمالية وأشد روعة. وإذا كان الشعراء، بل والعشاق، لم يجدوا أجمل من القمر يشبهون به وجوه محبيهم وحسنهم وجمالهم، فإنه والله إسلامنا العظيم الذي لن نعشق غيره، ولن نقبل بغيره بديلا. قمرنا العالي، قمرنا العملاق، إسلامنا العظيم الذين ظن الأعداء أنه قد اختفى وغاب واندثر وشيع إلى مثواه الأخير، ها هو يظهر ويعود بكل قوة وبكل إشعاع. ومثلما يتوسط قمرنا العالي صفحة السماء فإن الإسلام يتوسط صفحة الأرض، بعد إذ فشلت كل النظم وكل المناهج الأرضية التي ما زادت الناس إلا شقاء وظلما وقهرا، ولن تحول كل قوى الشر دون أن يسود الإسلام، مثلما لن تحول كل غيوم الخريف من أن يتوسط قمرنا العالي صفحة السماء.
شمسنا الساطعة
حينما يراد التأكيد على شيء، وأنه واضح فغنه يقال: (اوضح من الشمس في رابعة النهار). وإن الشمس، بسطوع نورها وإشعاعها وتوهج قرصها، كانت دائما مضرب المثل، فمثل الشمس وتوهجها وسطوعها وإشراقها فإنه كذلك الإسلام العظيم.
صحيح أن الشمس مثل القمر كذلك، فإن غيوما يمكن أن تحجبها وتعيق وصول شعاعها إلى الأرض، ولكن ليس معنى ذلك أن الشمس غابت أو زالت، لأنها لا تلبث أن تعود لتشرق أحزمة نورها تسطع من بين الغمام، بل إنها التي تشق عتمة الليل عندما ينبلج الفجر لتملا الدنيا ضياء ونورا.
صحيح أن الشمس تتعرض لظاهرة الكسوف حينما يمر القمر بين الشمس والأرض، وإذا بالعتمة تلف جنبات الأرض، وإذا بالعصافير التي تأوي مساء إلى أعشاشها مع بداية مغيب شمس كل يوم، ولكنها في حالة الكسوف تعلم أن هذا ليس سواد عتمة الليل المألوف، نعم غنها تدخل إلى أعشاشها لكنها لا تنام، بل تبقى متحفزة بفطرتها تتوقع أن تزول عتمة الكسوف، حيث ستعود الشمس لتشرق من جديد.
إنها فترات حالكة، وإنها غيوم سوداء تتلبد في سماء الإسلام. إنها فترات من فساد ولاة الأمر، ومن تسلط الأعداء تعيش خلالها الأمة في فُرقة وشتات وتفكك وجهل وفقر وتبعية وذل وانتهاك للأعراض وللمقدسات واحتلال لأرض الإسلام والمسلمين.
وإن البعض يظن أنها النهاية، وأنه المسار الأخير، وأنها الأنفاس الأخيرة، ثم لا يلبث الإسلام أن يلفظ آخرها لتكون رحلة الوداع... لا وألف لا! وإنما هي غيوم تتلبد، وإنما هي غيوم تحجب نور الإسلام وجلاله, ولكنها مثل غيوم السماء ستنقشع، ومثل غيوم الخريف توشك الشمس أن تظهر وتشرق من جديد ويسطع نورها ليملأ جنبات الكون.
وإذا كانت شمسنا الساطعة قد أصبحت عنوانا لكتاب شهير ألّفته الكاتبة والمستشرقة الهنغارية (زيغريد هونكة) وهو بعنوان "شمس العرب تسطع على الغرب" وهي تقصد شمس الإسلام وتأثير حضارتهم العلمية والثقافية والفكرية على الغرب، حيث انتشلته شمسنا من ظلام القرون الوسطى قرون الجهل والظلمات، فإذا كانت شمسنا الساطعة قد أضاءت الدنيا كل الدنيا ومنها العالم الغربي، فغن شمسنا ما تزال ساطعة، فلا غيوم الخريف تحجبها، ولا ظاهرة الكسوف تطمسها.
وإننا نحن المسلمين، والذين يعلمون أن الإسلام هو مفتاح سعادة البشرية، وأنه ما يزال يؤدي دوره، بل إن الدور كل الدور هو للإسلام، إننا مثل العصافير التي رغم عتمة الكسوف إلا أنها تكون على يقين- بإحساسها الفطري- أن الشمس ستشرق. نعم، إننا مثل العصافير بفطرتنا ويقيننا وتصديقنا بوعد الله ووعد رسوله- صلى الله عليه وسلم- من أن الله سبحانه سيظهر الإسلام على الدين كله ولو كره المشركون ولو كره الكافرون ولو كره المنافقون.
كم هم بلهاء وأشقياء! كم هم صبيان ومراهقون أولئك الذين يريدون أو يظنون أن في مقدورهم أن يطفئوا نور الإسلام.
كم ستضحك وأنت ترى صبيا في الليل ينفخ بفمه يريد أن يطفئ نور القمر ليجعل حياة الناس ظلاما دامسا! وكم ستضحك أكثر وأكثر وأنت ترى صبيا ينفخ نهارا ليطفئ سراج الشمس التي هي أصل نور القمر، كما قال الله سبحانه (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا، وجعل القمر فيهين نورا وجعل الشمس سراجا نوح: 15-16)، فإذا كان هذا الصبي وكل صبيان الأرض بل كل عقلاء وأشرار الأرض لا يستطيعون أن يطفئوا نور القمر ولا أن يطفئوا نور الشمس، فهل يستطيع هؤلاء أن يطفئوا نور الله سبحانه (الله نور السموات والأرض النور:35).
أولا يعلم هؤلاء الصبيان أن رسولنا نور: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين المائدة:15)
أولا يعلم هؤلاء الصبيان أن ربنا وخالقنا نور (الله نور السموات والأرض النور:35)
فأمة رسولها نور وقرآنها نور وربها نور كيف تتيه في الظلام؟!
سيظل قمرنا العالي يشع نورا، وستظل شمسنا تشرق، وسيظل إسلامنا العظيم يملأ جنبات الكون ضياء، ولو اجتمع كل صبيان الأرض وكل أشرار الأرض يساندهم كل حثالات وزعماء العرب والمسلمين أمثال السيسي وبشار وغيرهما، الذين يعلنون الحرب على الإسلام. نعم، لو اجتمع كل هؤلاء بمكرهم وإمكاناتهم فلن يستطيعوا أن يطفئوا نور الإسلام.
وإن ما نحن فيه الآن ليس إلا غيوم خريف وسحابات صيف ستنقشع ويعود الإسلام عاليا ساطعا مشرقا متلألئا، يملا الدنيا نورا ورحمة وخيرا، وعندها لن يجد الصبيان إلا أصابع الندم يعضونها، ولات حين ندامة.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]