أطلق الروائي عاطف أبو سيف، روايته الجديدة "الحاجة كريستينا"، الصادرة عن دار الأهلية للنشر والتوزيع في عمّان، بقاعة الجليل في متحف محمود درويش بمدينة رام الله، مؤخراً.
وقال الروائي سامح خضر في تقديمه لرواية "الحاجة كريستينا": يحظى الروائي عاطف أبو سيف بميزة جغرافية جعلته الوحيد بين الروائيين المعاصرين الذي يكتب من غزة وعنها، هذا الجزء المحاصر ليس فقط جغرافياً، بل أدبي وفني أيضاً .. ربما يمكن لأي روائي أن يضع نفسه في مكان ما، لكنه لن يتمكن من إحداث تماس معين مع الحكاية اليومية والتفاصيل المعيشية الدقيقة لساكنيه .. هذا ما يجعل من روايات عاطف أبو سيف كنزاً حقيقياً، ومادة غنية لمن أراد أن يسبر أغوار الشق المنسي أدبياً من الوطن.
وأضاف خضر :تبدو علاقة "أبو سيف" مع غزة ويافا مثل ابن البادية، الذي سكن المدينة دون أن يستطيع التخلي عن بداوته شعراً، فيافا وغزة في حضور دائم في جل أعماله إن لم يكن كلها، حيث يستمد نصه خصائصه الاجتماعية والجغرافية في تحديد الشكل السلوكي للشخصيات وتطور حراكها يومياً منهما، فهي المنطقة الواقعية التي يلعب فيها المكان الدور الأبرز، وتطغى سماته على مسار الأحداث.
وبخصوص "الحاجة كريستينا"، تحدث خضر عن المدخل المتعلق بغموض يتعلق بظهور مخلوق غريب في مياه بحر غزة دون أن تظهر الصفحات الأولى سر هذا المخلوق، ثم ينطلق أبو سيف في روايته بحادثة اختفاء الحاجة كريستينا، التي لم يغط حادث اختفائها غير المفهوم على أحداث الحرب الجارية في القطاع، غير أنه يفتح المجال أمام الناس للبحث والتدقيق في تاريخ هذه الحاجة، الشخصية الرئيسية في الرواية، ابنة مدينة يافا، في الوقت الذي يصارع فيها هؤلاء الناس للبقاء على قيد الحياة.
وهنا، حسب خضر، "يضع أبو سيف القارئ أمام معضلة صغيرة من صنعه، تتعلق بالاهتمام بمن يبحث عن إجابات لأسئلة النجاة، أو أسئلة الاختفاء القسري للحاجة كريستينا .. ربما هي إشارة من الراوي إلى أسئلة المصير الجماعية، ومحاولات الكل الحثيثة للاطمئنان على الكل .. ربما أراد أن يوحي بأن مجتمعاً مثل مجتمع غزة بحاجة إلى إجابة حتى عن أسئلة المصائر الفردية الصغيرة لتوثيقها في الذاكرة الجماعية .. هنا تحديداً يتأرجح السرد على ذاكرتين: الجماعية، والفردية، تارة بالاتكاء على الماضي وقصص التهجير والنكبة، وتارة بالاتكاء على الحاضر وقصص الاختفاء القسري".
وأشار خضر إلى أن الروائي "لعب على تدوير المكان، وإدخال الشخصية الرئيسية فيه، دون أن يغفل إبراز التغييرات السلوكية على الشخصية تأثراً بالمكان، فتارة يقترب من فضة أو الحاجة كريستينا في يافا، ثم لندن، قبل أن يعيدها إلى المخيم في غزة مرتين: الأولى وهي صبية في الثانية والعشرين، والثانية مع سفينة كسر الحصار، ليلامس عن بعد الهويات الصغيرة التي اكتسبتها البطلة خلال رحلة حياتها، من مواطنة في يافا ثم إنكليزية بقلب فلسطيني فلاجئة في مخيم لم يكن لها رصيد فيه، مانحاً نفسه هامشاً زمنياً واسعاً لسرد ما تيسر من القضية الفلسطينية عبر شخصية "الحاجة كريستينا"، والتي من خلالها تطرق إلى مرحلة الانتداب، فالنكبة، ثم الانشغال في المقاومة ببيروت، لينتهي بمرحلة الحصار المفروض على غزة، مستخدماً الفرد للإشارة إلى الجماعة، والحدث الصغير لنبش المرحلة الكبيرة، والشروخ الاجتماعية الرقيقة للحديث عن الانقسام الكبير، والخسارات الشخصية لمعرفة حجم المعاناة الجماعية .. "الحاجة كريستينا هي رواية الوطن من خلال الفرد".
وتحدث أبو سيف عن فكرة الحاجة كريستينا، ليعترف: في لحظة ما شعرت بأنه عليّ أن أكون وفياً لنساء المخيم، تلك النسوة العظيمات والجميلات اللواتي تربينا في كنفهن، هن من نقلن لنا الذاكرة، وأعتقد أن البطولة في المخيمات هي للمرأة الفلسطينية أولاً، وربما لذلك تضمنت الرواية فصلاً تحت عنوان "مجلس النساء"، والذي هو كان نقطة الانطلاق للرواية، مع أنه في نهاية المطاف لم يكن في المقدمة لأسباب تقنية.
وأضاف: في "حياة معلقة" انتصرت للرجال دون أن أقصد، وشعرت بأنني ظلمت نساء المخيم، فجاءت فكرة "الحاجة كريستينا" لإنصافهن .. هكذا بدأت الفكرة، لكن الكاتب لا يبقى عند الفكرة البكر، ولذا كانت حكاية الحاجة كريستينا، هذه الشخصية المحورية في الرواية، بغض النظر عن الواقع منها والخيال، فالرواية فيها تحية للمرأة الفلسطينية، مشدداً على أنه من الصعب بالنسبة له كروائي ينظر للرواية كابنة للمكان، أن تخرج غزة بمخيماتها أو يافا من رواياته حتى القادم منها، خاصة أن يافا وأيضاً غزة مدينتان حاضرتان من "الحواضر"، ولهما تفاعلاتهما، وتحتملان العديد من الروايات، كاشفاً عن جغرافيا متخيلة لديه بالنسبة لغزة، وليافا، والمخيم، وينسج رواياته وفقاً لها، فبعض الشخصيات لا تختفي من رواياته منذ بدأ في مغامرة الكتابة السردية.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]