هذا ليس عنوان لقصة تحكي عن طفل بعينه، سرقه لصٌ واختطفه من سيارة أهله، أو من أمام المنزل أو في طريق عودته من المدرسة، حيث إننا والحمد لله ننعم بالأمن حتى باتت مثل هذه القصص نادرة بل معدومة.
لكنها الحقيقة عنوان لقصة تتكرر كل يوم بل كل ساعة، وتقع أحداثها مع كل واحد منا. فليس الطفل المسروق إلا أنا وأنت وهو وهي بل نحن جميعا. وليس اللص إلا الشيطان، إنه الشيطان الذي أخذ على نفسه العهد، بل إنه اللص الوقح الذي أقسم بعزة الله جل جلاله أنه سيقوم بسرقتنا واختطافنا { قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين } آية 82 سورة ص. وليس أنه السبب في اخراجنا من الجنة وانزالنا إلى الأرض وحسب، بل إنه الذي يريد أن يجعل حياتنا فيها جحيما ونكدا.
وأمام هذا التحدي وأمام هذه الحرب السافرة المفتوحة علينا من الشيطان، فإننا مطالبون بالحذر والاحتراس وهذا لا يكفي، حيث أننا مطالبون بالاحتماء فيمن يملك القدرة على حمايتنا وصدّ كيد الشيطان عنا.
وكما أن اللص لا يمكن أن يقترب أبدا من طفل يسير بجانب والديه وفي حراستهم لأنه يعلم أن دون ذلك الأهوال، وأنه لن يخرج سالما إن هو فكر بالاقتراب من الطفل، فكذلك الشيطان فإنه يتجنب ولا يقترب أبدا من الإنسان الذي يحتمي بربه سبحانه الذي قال { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } آيه 42 سورة الحجر.
ولأن الله سبحانه وتعالى يعلم عن هذه العداوة السافرة من الشيطان لابن آدم، فإنه سبحانه حذرنا من الوقوع في شباكه، وأنه الذي يترصدنا لحظة بلحظة يغتنم لحظة غفلة منا فيهجم هجمته ويغرس أنيابه ” فإن الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم من العروق ” وفي لحظات الغفلة والوسوسة وغلبة الشهوة والميل للذنب والمعصية يزينها لنا الشيطان لتكون هي الطعم في الفخ والسم في العسل، عند ذلك لا بد من الانتباه ودق ناقوس الخطر وجرس الإنذار والاتصال بالله جل جلاله { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم } آيه 200 سورة الأعراف. { وقل ربّ أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك ربّ أن يحضرون } آيه 97 سورة المؤمنون.
فكما يقترب الطفل من والديه ويمسك بتلابيب أمه ويد أبيه حينما يشعر بخطر يدهمه أو شيء يؤذيه، فاقترب من ربك واحتمي به واستغث به. ولأننا في زمن الفتن وثورة الشهوات والغرائز فما أكثر السرقات واللصوصية في هذه الأيام وهذا الزمان. وإنه الشيطان قد يسرقك ليس في الشارع بل وأنت في عقر بيتك بل وأنت على فراشك عبر وسائل الإتصال والتقنيات التي أتاحت للشيطان أن يدخل بيوتنا ليس من الباب ولا من الشباك. فتحصّن بالله وبالأذكار وبالوضوء وبالقرآن، وبكل ما يجعلك في مأمن من أن يسرقك الشيطان أو يخطفك، وإلا فإنك عند ذلك ستكون الأسير والمخطوف الذي لا تنقذه فدية وإنما تنقذه توبه وأي توبة.
# إذا خذلكم أهل الأرض فاستنصروا من في السماء
فليس أن أهل الأرض قد خذلونا، وإنما هم الذين راحوا يرموننا عن قوس واحدة، وإنما هم الذين أقاموا التحالفات الدولية فيما بينهم فتناسوا ما بينهم من خلافات وخصومات واجتمعت كلمتهم على حرب الإسلام والمسلمين. إنهم أهل الشرق والغرب، اليمين واليسار، أمريكا وحلفاؤها، روسيا وحلفاؤها لا بل إنهم جعلوا في مقدمة حربهم السافرة علينا مسلمين ومن بني جلدتنا ويتكلمون بلغتنا ويتوجهون إلى قبلتنا، هؤلاء الذين لعلّ فيهم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ” ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء من سلطانهم لم يُرَ بلاء أشد منه “. إنها أنظمة الجور والظلم من الحكام والملوك والزعماء الذين ما بات يشغلهم إلا الحفاظ على عروشهم وكراسيهم، ونسوا أنّ لهم رعية سيسألهم الله عن تقصيرهم بحقها، فكيف وقد قصّروا وظلموا وتآمروا وسفكوا الدماء وهتكوا الأعراض وهدموا المساجد وشردوا الآمنين وأهانوا العلماء وطاردوا الشرفاء.
ما أغبى هؤلاء الظالمين الذين يظنون أن الله سبحانه قد منحهم دماء المسلمين وأعراضهم وأرواحهم يفعلون بها ما يشاؤون. إنهم يظنون أن دموع المظلومين في جوف الليالي وأن زفرات صدورهم هي مجرد دموع وزفرات ولكنها في عين الله وسمع الله ويد الله صواعق يضرب هؤلاء الظالمين، وإذا أخّرهم لحكمة يريدها فإنهم يظنون أنه سبحانه قد غفل عنهم ولا يعلمون أنه بذلك لن يُبق لهم سببًا من أسباب واحتمالات الأسف عليهم قبل أن يحق عليهم قدَرَه وينزل بهم أمره سبحانه وتعالى { فلما آسفونا انتقمنا منهم } آيه 55 سورة الزخرف. { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} آيه 42 سورة إبراهيم.
فيا أيها المظلومون، إذا خذلكم أهل الأرض فارفعوا أعينكم ومدوا أيديكم إلى الذي في السماء وقولوا له { اللهم إنا مغلوبون فانتصر} فعليكم بسهام الليل فإنها تصيب ولا تخطئ وإنها تصل إلى أبعد مدى بإذن الله، وإذا كان الظالمون ينامون فإن المظلومين يشحذون سهامهم يرسلونها إلى الذي لا تأخذه سِنَة ولا نوم
سهام الليل صائبة المرامي إذا وُتِرَت بأوتار الخشوع
يُصَوّبها إلى المرمى رجال يطيلون السجود مع الركوع
بألسنة تُهَمهم من دعاء وأجفان تفيض من الدموع
# إلهي لا تطرد ولا تحرم
ونحن نعلم أننا لن ندخل الجنة بأعمالنا وإنما ندخلها برحمة الله سبحانه وكرمه، لأن أعمالنا مهما كثرت فإنها لا تعدل ولا تساوي بعضا من فضل صاحب الفضل وكرم الكريم سبحانه الذي أنعم علينا بكل النعم وأسبغ علينا كل الفضل{ وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها } آية 18 سورة النحل. لذلك فإننا مطالبون بالحذر من الاغترار بأعمالنا وإن عظمت لأن جناح العمل وحده لا يصل بنا إن طرنا به، حيث لا بد معه أن يطير إلى الله بجناح الرجاء والأمل، نعم فبجناحي العمل والأمل نطير ونصل، وبواحد منهما لن نصل أبدا. فهل سمعتم عصفورا يطير بجناح واحد؟
وعليه فإنه الرجاء منا لله سبحانه ندعوه ونرجوه ونتبتل إليه ونتوسل بين يديه كما كان يدعو ويتوسل ذاك العبد الصالح وهو يقول ” إلهي ومولاي لا تطرد من كان همّه تقريب العباد إليك، ولا تحرم حبك من حبب الخلق فيك”.
إننا نعلم أن ذنوبنا كثيرة، وأنه لو كان لذنوبنا رائحة لانفضح أمرنا بين الناس ولهربوا منا، ولكنه الله الستار الغفار. ولعل الله أن ينفعنا ويقبلنا وهو يعلم سبحانه كم كان همّنا وكم سعينا لتقريب الناس إليه وإلى طاعته والتزام شريعته، ولعل الله سبحانه ألّا يحرمنا حبه وعفوه وهو الذي يعلم حرصنا على تحبيب الخلق فيه وفي دينه ورسوله وكتابه.
نعم إننا نقرّ ونعترف بأننا نخلط في أعمالنا فنحسن ونسيء ونطيع ونعصي ونذنب ونستغفر، ولكنه رجاؤنا به سبحانه أن يغفر لنا تخليصنا وتخبيصنا { وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إنه غفور رحيم } آيه 102 سورة التوبة. إننا مثل الجمال التي تحرث الأرض ثم تعود لعظم خفيّها فتدوس على ما حرثته ليتطلب الحراثة من جديد. هكذا حالنا بعد الطاعة و ثم المعصية بعد الاستغفار ثم الذنب مثل حراث الجمال كما يقولون.
فاللهم ربنا لا تعاملنا بما نحن أهله وعاملنا بما أنت أهله نحن أهل الذنوب والخطايا وأنت أهل التقوى والمغفرة. اللهم ونحن المذنبون قد وقفنا على بابك فلا تطردنا من رحابك. اللهم لا يليق بك إلا الكرم، لأنك كريم ولا يكون منك إلا الرحمة لأنك رحيم. فاللهم لا تطرد ولا تحرم، ولا تطرد من كان همه تقريب العباد إليك ولا تحرم حبّك من حبب الخلق إليك. وإذا كان في نوايانا رياء وشوائب وفي أعمالنا ما فيه لغير وجهك الكريم فاجعلها خالصة لك وحدك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين يا رب العالمين.
# إلهي لا تشمت بي الأعداء
كان الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى يدعو الله ويقول : إلهي، إذا قضيت عليّ العذاب يوم القيامة فلا تُعلم الناس بعذابي، صيانة لكرمك لا لأجلي، لألا يقولوا عنك عذّب من دلّ عليه وأدخل النار من قرّب الناس إليه.
كم هي صعبة شماتة الأعداء، ومن أراد أن يتذوقها فيكفيه أن يستمع لرجاء هارون عليه السلام وهو ينادي أخاه موسى عليه السلام وقد أخذ برأسه يجره اليه ظانًا أنه قد قصّر في تذكير قومه { قال ابن أمَّ إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين } آية 10 سورة الأعراف.
كم هو صعب أن ينكشف الإنسان على حقيقته أو أن ينفضح أمره في أمر من أمور الدنيا فكيف إذا تبيّن ذلك يوم القيامة أمام العباد بأكثر من ذلك بأن يكون عمل الإنسان لغير وجه الله تعالى فيكون الخسران وتكون النار والعياذ بالله تعالى، وهذا ما كان يتخوف منه ابن الجوزي الإمام الذي كان يجلس في حلقته عشرات الآلاف من الناس يستمعون إلى علمه، وهو الذي ألّف من الكتب الكثير حتى قيل بأنه كان يجمع بريات أقلام الرصاص التي كان يكتب بها، ولأنه جمع الكثير فقد أوصى أن إذا مات أن يسخّن الماء الذي سيغسلونه به على نار توقد بريات اقلامه لعلّ الله أن يرحمه ويغفر له جزاءً بما كتب وعلّم، ومع ذلك فإنه كان يخاف من الرياء والسمعه فتحبط أعماله فيكون مصيره النار، وعندها ماذا سيقول من علّمهم ومن درّسهم ومن وَعَظَهم ومن صلى فيهم إماما، هل سيقولون كيف لله أن يعذب من دلّ الناس عليه؟!
ومثل ابن الجوزي فإنه فيلسوف الإسلام والأديب الهندي الكبير محمد إقبال، وقد كان يناجي الله تعالى وهو بجانب قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” إلهي، أنت غني عن العالمين، وأنا عبدك الفقير فاقبل معذرتي يوم الحشر، وإن كان ولا بد من حسابي فأرجوك وأدعوك يا رب أن تحاسبني بنجوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنني استحي أن انتسب إليه وأن أكون من أمته بينما أنا اقترف الذنوب والمعاصي”.
ما اعظمكم أيها الصادقون، وما أصدقكم أيها العظماء وأنتم تتهمون أنفسكم بالتقصير دائما وتستسشعرون حاجتكم وفقركم لله تعالى.
اللهم يا رب وعلى درب الصالحين نسير لعلنا أن ننال منهم شفاعة. اللهم إذا علمت منا صدق النية فتقبل منا كل ما عملناه في سبيلك، وإذا كنا لضعفنا وتقصيرنا قد جعلنا فيها شيئا لغيرك فاجعلها لك وحدك دون سواك يا رب العالمين، لأنه إن كان غير ذلك هلكنا وعندها سيشمت بنا أهل النار من أعداء الإسلام ومن العصاة ويقولون عنك عذّب من دلّ الناس عليه. اللهم لأجلك لا لأجلي فاغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنك أنت الأعز الأكرم.
رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]