عجز مجتمعنا بكل مكوناته التربوية , السياسية , الاجتماعية وحتى الدينية في قمع هذا المرض واجتثاثه من جذوره , وفي كل حدث مؤلم من قتل وعنف يمارس ضدنا أو نمارسه نحن ضد أنفسنا (حيث أصبح الاجرام ممارسة تتخطى حدود الحالات الفردية ) نجد الأصوات المنادية باجتماع طارئ هي سيدة الموقف , وإذا وقفت متأملا حول جدوى ونجاعة هذه المبادرات والاجتماعات التي يقدر لها ان تولد ميتة , يكتنفك إحساس ساخر وهزلي من هول الموقف إذ كيف يستثمر مثلُ هذا الحدث لأغراض خاصة تجدها بين سطور الخطاب المطروح والمقترحات المترددة والمفروغة من المضمون " الا من رحم ربي ".
قصدي ليس التجريح والتعرض لأحد إنما قصدي التعرض لهذا الشيطان المارد (الإجرام والجريمة) الذي يفتك بمجتمعنا ويعيث به فسادا والأهل في حالة من الموت ألسريري أو التعايش السلمي معه .
وللتخلص من هذا الشيطان على المجتمع إعادة برمجة منظومة القيم الطاغية على الوعي الجماعي , أي انه على المجتمع إعادة النظر في الكثير من المسلمات والمفروضات وتطلعات المجتمع للغد وللانجاز الفردي في الحياة . بلا شك الإجرام وفئة المنخرطين بهذه "المهنة" يبقون قضية شائكة يستعصي حلها والتعامل معها وبالذات اذا كانت مسنودة بمؤسسات أمنية تعينها وتغذيها , في ظل قيادة أنانية تستخدم "الوحدة" كسلاح تواجه به أي مبادرة لا تغني على ليلاها أو تمتلك قرارها , لتحاربهم إعلاميا وتحقق بذالك مكاسب سياسية .
بعيدا عن العبارات الإنشائية والنقد السلبي اطرح بين يديك عزيزي القارئ خطوات عملية لنتأملها سويا علنا نتعاون ونبني درعا من التفاهم المشترك والإحساس بالمسؤولية الصادقة , ما اطرحه يرتكز على شقين , الشق الأول هو المجتمع الذي يملك القرار إما ان يمضي في ركب التطور الحضاري أو ان يبقى كالقطيع يتلاعب فيه وبوعيه , أما الشق الثاني فهي القيادة المثقفة والناشطون السياسيون والاجتماعيون .
الوعي : على المجتمع استبدال القيم بحيث يكف اولا عن تصوير القتل كأنه عمل بطولي ويلصق به سمات الرجولة , نعم انا على علم أنها قضية شائكة ونتألم على شباب قتل وهو في رعيان شبابه ولا اقول ان لا نألم ولكن علينا أن ننبذ الجريمة ونتعامل معها كأي جريمة غير أخلاقية , وان نتخلص من آفة تتبع أخبار المجرمين , ثم نصُبّ اهتمامنا نحو الانجاز العلمي ونكرم من يصل إلى درجات علمية ومن ينجز انجازاً مهنياً أو اقتصادي وهم كثر .
الثقة : لبناء الثقة على المجتمع أن يختار ممثليه من حيث ما يطرحه ممثلوه وان يراقب سلوكياته وقراراته وان يمتلك الجُرأة في حجب الثقة عنه إذا اخفق دون التحيز لشخصه ومكانته الاجتماعية , إما القيادة فعليها مراجعة سلوكياتها وطرح المبادرات والموضوعات في الزمان والمكان الصحيح دون تهويل زائف أو استهتار متعمد مع الأخذ بالحسبان ما يمكن انجازه وما لا يمكن انجازه في المرحلة الراهنة , وعليها كذالك التدرج في الإصلاح بلا قفزات مجازفة والتكاتف مع الفئات الصالحة دون الوقوف على إشكالية "الوحدة" المطلقة في العمل إذا كانت هذه الوحدة تسفر عن خذلان وإفشال متعمد من قبل أطراف لا يعنيها مسار الإصلاح لا من قريب أو بعيد .
إذا تحققت الثقة وعُدل الوعي نكون قد وضعنا أولى خطواتنا نحو التقدم والحياة الكريمة للفرد والمكانة اللائقة لمجتمع يسمى بالمقاوم لمجرد بقائه على تراب أرضه .
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]