"من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظروما بدلوا تبديلا" صدق الله العظيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصبحه ومن سار على دربه إلى يوم الدين.وبعد
تودع يافا اليوم ابنا غاليا وإنساناً ندر أمثاله , طائعا لله ورسوله وعبدا شكورا, مثل فيالتواضع والأخلاق الحميدة. من لا يعرف أبو عمر الإنسان التقي الورع الذي رطب لسانه بذكر الله. الإنسان الذي أحب الله ورسوله فأحبه الناس. لقد كان أبو عمر بالنسبة لي بمكانة الجار والأب والناصح. كان صديقا لوالدي الحاج فتح الله سطل وما أن كنت أتوجه إليه في دكانه الكائن في شارع الحلوة في منطقة كرم الزيتون أو في المسجد حيث كان يجلس في مكان واحد يعرفه الجميع لأقبل يديه حتى كان يسحبها بسرعة ويقول رحم الله والدك وصديقي الحاج فتح الله ويقرأ الفاتحة على روحه.
أبو عمر رحمه الله كان مرجعا في تاريخ يافا الحاضر فهو من واكب العهد العثماني ومن بعده الانتداب البريطاني وكان شاهدا على نكبة فلسطين عام 1948. وكان يقول لي دائما أن بعدنا عن كتاب الله وسنة رسوله كانت من أسباب النكبة وكان يشدد على أننا بحاجة ماسة للتمسّك بكتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
دكانه كانت أكثر من مجرد مكان يصنع فيه الأحذية فقد كان أبو عمر مهنيا أتقن عمله وكان في آن واحد يصنع الأحذية ويدعو إلى الخير وعمل الخير وكان نعم الموجّه والمرشد والعالم بتاريخ البلاد.
وكان له العديد من الأصدقاء ولن أذكر أسماء كي لا أظلم أحداً ولكن لا أنس صداقته بأبو سليم خلف وأبو سليم مشهراوي رحمهما الله. وكان أبو عمر لمن لا يعرف صاحب محل في سوق ألصلاحي ( سوق العتق) وخلال احتلال يافا سقطت قنبلة مورترز بريطانية عند بوابة محله ووقعت بضع أمتار منه فأصيب أبو سليم مشهرواي وقام أبو عمر بنقله إلى المستشفى الفرنسي. هي قصة من موسوعة كان يحملها هذا الإنسان اللطيف. رغم أنه قدم إلى يافا من طرابلس إلا أن هويته كانت يافاوية بعد أن شاء القدر لتقسم بلاد الشام على يد الغريب حيت تنقلّ أهلنا بدون حواجز بين يافا وبيروت ودمشق.
أشهد لهذا الرجل التواضع وأشهد له حبه للمساجد وكم كان حريصا بالحفاظ عليها وعدم المس بها وكان مهتما بشكل خاص بمسجد يافا الكبير الذي سانده بحمل تاريخ هذا البلدالعريق ولم يكن مسجد المحمودية مجرد مكان بالنسبة لأبو عمر بل كان رمزا من رموزالصمود والبقاء على أرض الوطن وعلى عقيدة الإسلام بكل ما تحمله الكلمة من معاني.
ولك يا أبا عمر ما وعد الرحمان أن تنتقل بين جنتين أولا هما على الأرض وفي بلد أحبتك وأرض احتضنتك هي يافا جنة الأرض ومنها إلى جنات الخلد إن شاء الله وعلى حوض الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
ونسأل الله لك التثبيت وأن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة . وإلى أبناء وبنات وأحفاد الحاج أبو عمر وجميع الأهل في يافا وخارجها لا شك أن الفراق صعب وأن الخطب جلل ولكن عندما يكون الإنسانك أمثال أبو عمر رحمه الله فنشهد أنه كان نعم العبد المؤمن ونعم الأب ونعم الجار والصديق والأنيس والمربي. لو عرف أبناء يافا ما يحمله هذا الجيل من تاريخ وحضارة ومعرفة وحب لبلدهم الحبيب يافا لما نامت أعينهم ولسهروا الليالي لكي يستقوا من هذا المنهل الذي نفقده يوم بعد يوم.
وقد يرحل عنا قريبا لذا أنصح نفسي وكل الأجيال في يافا أن ترعوا آبائنا وأمهاتنا وأن تعملوا بما فرض الله علينا من إحسان للوالدين. وأن تخصصوا من أوقاتكم لسماعهم فهم يحملون عبئ أبت حمله الجبال وعبق كنسيم بحر يافا وتاريخ كتب بالدم المخلوط بأقدس تراب على أرض الرباط.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]