"انا كلما خرجت من يافا شعرت بالضيق والحزن حتى اعود اليها فألتقط انفاسي " قالها وعيناه تملؤها الدمع , هذا هو حال شبابنا المهمشين القاعدون في المقاهي كأنهم "خُشبٌ مًسندة" , ديكور في الصورة المجتمع , لا يلتفت اليهم أحد كل ما فيهم يبعث في الروح اليأس والضنك , بعيداً عن نمط اللوم والتوبيخ في التعاطي مع قضايا الشباب الذي تعودنا على شتم زماننا وشبابنا ونسينا المثل القائل " نعيب على زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا " .
في كل مرة كنت احاور ابناء جيلي وتحديداً الفئة المهمشة وأقول مهمشة لأن البيئة المحيطة برمجتهم على احتقار ذاتهم وجلد انفسهم حتى بات الفشل روتين ومصيرهم المحتم , رغم اني وجدت احلامهم وعقولهم طلوعة وشغوفة لكل جديد ومختلف واكتشفت كم كنت ظالمً عندما اشتركت باغتيال هذه العقول وهذه الاحلام من خلال اصدار الاحكام المسّبقة بحقهم .
لا يحتاج هؤلاء الا أذناً صاغية ولسانٌ مشجع بكلمات تخلو من المراء والمداهنة ,بلا حواجز واحكام مسبقة تضعهم تحت اقدام الخلائق .
قد سمعت منهم العجب والحقيقة اني انبهرت من هذه الافكار الابداعية التي تجد مصيرها في سلة المهملات ومقبرة الاحلام ,والتي لا تجد من يتبناها ممن يدّعون الصلاح والاصلاح وهم يتزعمون المشهد في مؤتمراتهم واجتماعاتهم الفارغة ,سمعت الافكار العديدة منها الإعلان عن مسابقة سيارات في مسار آمن وتقديم بديل فعال للعربدة على الشوارع وترويع الآمنين , سمعت عن نادي خيالة يرعى شؤون الشباب من هواة ركوب الخيل وسمعت عن مقهى ثقافي بمستوى تثقيفي متواضع يطرح المواضيع المستجدة للنقاش وغيرها من الفعاليات الهادفة .
هناك اكثر من عائق وحاجز منه النفسي ومنه المادي يواجه الشباب , اقل هذه الحواجز تأثيراً هي عدم ابراز الشخصيات الشريفة من المتميزين علميا ومهنيا أو حتى ممن حققوا نجاحا اقتصادي, فقدان القدوة يترك الساحة فارغة للسفهاء والمتملقين من عشاق السلطة والقيادة والحديث في امر العامة , اما اخطر هذه الحواجز فهي المؤسسات التربوية من حيث بُنيتها التي لا تقدم لأبنائنا البيئة التربوية الملائمة لقدراتهم العقلية وخصوصيتهم النفسية , قدرات الطلاب متفاوتة والمربون غير اكفاء للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة وبالتالي تحطيم طموح الطفل عند كل عائق يتوقف الطفل عنده وتحميله بشكل غير مباشر اعباء هذه الاشكالية البنيوية فلا المادة التدريسية ملائمة لمستواه ولا المربي مؤهل للتعاطي مع هذه الحالات وهكذا يلازم الطفل الاحساس بالنقص حتى سن الرشد , فيأتي دور التراكمات النفسية في التصدي له عند خروجه للمجتمع ليواجه اعباء الحياة ومتطلباتها .
لا يسعني في ختام المقالة الا ان اذكر دور المثقف ولو على عجالة وبإيجاز ,المثقفين حسب توصيف عبد الرحمن الكواكبي هم "من ينبهون الناس ويرفعون الالتباس .. فيجمعون الفكر الواعي والعمل بعزم ,يضحون بأعز ما لديهم حفظاً لحياتهم وحياة قومهم من أن يصبحوا أمواتاً متحركين في أيدي أقوام آخرين " لا يوجد بين يدي تعريف أوضح من ودوره في ريادة المجتمع وتوجيه الشباب كتعريف الكواكبي , المثقف برأي وتحديدا في مجتمعنا هو من كسب ثقة العامة وفرض حضوره بحد ادنى من الفكر الموزون والمعلومات العامة , وفوق ذلك كله القدرة على الانخراط في الحياة العامة وليس الانعزال في برج عاجي بعيدا عن قضايا الناس وهمومهم أو كما وصفهم الشاعر فؤاد نجم بأسلوب ساخر :
"يعيش المثقف على مقهى ريش ..
محفلط مزفلط كتير الكلام ..
عديم الممارسة عدو الزحام ..
بكام كلمة فاضية وكام اصطلاح ..
يفبرك حلول المشاكل أوام .. "
صلاح المجتمع مرهون بصلاح الشباب ونهضة الشباب مرهونة بصلاح القيادة محال القلب والجسد في وصف النبي عليه السلام لهم "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]