حديثنا في هذا اليوم فيه إنذار وتحذير؛ حديثنا عن عمل شنيع ومعصية عظيمة، هي من أكبر الكبائر، وأشد الموبقات، لما لها من خطورة وأضرار على الفرد والمجتمع، هذا العمل قد اتفقت الشرائع السماويةُ كلُّها على تحريمه؛ وتجريم فاعله؛ وتوعّدته بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة، هذه المعصية هي الربا؛ يقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [البقرة: 278، 279]، وكفى بهذه الآية زاجراً، فمن الذي يطيق محاربة الله ورسوله؟، وفي آية أخرى بيَّن الله عز وجل أن الربا يجلب العقوبات؛ ويمحق البركات، حيث قال سبحانه: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276] ، نعم فما دخل الربا في مال إلا أذهب بركته، وعرَّضه للنقص والآفات، ليس ذلك فحسب؛ بل إنه يمحق صاحبه، فيقلق راحته، ويكدر حياته، ويضاعف سيئاته. أما إذا انتشر الربا في المجتمع وتجرأ الناس على المجاهرة به وإعلانه، فإن ذلك مؤذن بأنواع من العقوبات الإلهية.
هذا هو حال المرابين في الدنيا، أما حالهم في الآخرة، فقد بيَّنه الله تعالى في قوله: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ [البقرة: 275]، وفي الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الربا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمَّه) صحيح الجامع للألباني، وفي حديث آخر: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية) صحيح الترغيب للألباني، ويقول ابن عباس - رضي الله عنه -: (إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله) صحيح الترغيب للألباني.
عباد الله، لقد بيَّن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -لأمته بياناً شافياً يوضح فيه أين يكون الربا؟ وكيف يكون؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (الذهب بالذهب؛ والفضة بالفضة؛ والبر بالبر؛ والشعير بالشعير؛ والتمر بالتمر؛ والملح بالملح؛ مثلا بمثل؛ يدا بيد؛ فمن زاد أو استزاد فقد أربى؛ الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه مسلم؛ وفي رواية له: ( فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم؛ إذا كان يدا بيد )، قال أهل العلم: هذه الأصناف الستة تسمى الأصناف التي يرد فيها الربا؛ والعلة الشرعية في هذه الأصناف هي في الذهب والفضة كونها كانت نقودًا للناس؛ ولذلك أَلحق أهل العلم بها أيَّ نقود تستجد يتعامل بها الناس كهذه العملات الورقية في هذا الوقت من شواقل وجنيهات ودولارات وغيرها. أما في بقية الأصناف الستة فالعلة فيها أنها قُوتٌ للناس وتُكال وتُدَّخر؛ ولذلك أُلحق بها ما كان له نفسُ علتها، ومعنى هذين الحديثين: أنه إذا بيع أحد هذه الأصناف الستة بجنسه (كذهب بذهب، أو تمر بتمر) فلا بد من شرطين اثنين؛ أحدهما أن يتساويا في الوزن والمقدار؛ والثاني أن يتقابض الطرفان في مجلس العقد؛ فلا يتفرقا وفي ذمة أحدِهما شيءٌ للآخر، ومثاله لو باع شخص ذهبا بذهب أو تمرا بتمر يزيد عليه في الوزن ولو زيادة يسيرة فهو ربا وحرام والبيع باطل، ولو باع ذهبا بذهب أو تمرا بتمر مثله في الوزن ولكن تفرقا قبل القبض فهو ربا وحرام والبيع باطلٌ أيضاً.
وبيَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أن هذه الأصناف الستة إذا بيع أحدها بجنس آخر له نفس العلة (كالنقدية في كليهما) فلا بأس أن يكون أحدُهما أكثر من الآخر ولكن لا بد من التقابض من الطرفين في مجلس العقد بحيث لا يتفرقان وفي ذمة أحدهما للآخر شيء. فلو باع ذهبا بفضة وتفرقا قبل القبض كاملا فهو ربا حرام والبيع باطل…
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]