هناك إجماع في الوسط العربي في مدينة يافا أن قضية السكن والتعليم هما القضيتان اللتان يقلقن مضاجع الكثير من أهلنا في يافا. وبقدر ما يتوق الأهل في يافا لإيجاد حل يعالج هاتان القضيتان، تتجاهل السلطة الحكومية والبلدية هذه الحاجة وأحيانا أخرى تعترف بوجودها دون تقديم الحل لها. ولا يمكن طرح مشكلة السكن بدون ربط القضية بالنكبة الفلسطينية عام 1948 حيث أن مشكلة السكن في يافا والمدن المختلطة لها علاقة مباشرة بما حدث عام النكبة من تهجير وطرد أهلنا من يافا بقوة السلاح ودب الرعب بين الأهل والمجازر المتكررة حين أننا نحيي بعد يومين ذكرى مجزرة كفر قاسم التي وقعت عام 1956.
جزء كبير من أهلنا في يافا هم لاجئون في وطنهم والكثير منهم فقد أرضه وبيته في الأحياء المختلفة من يافا وتم هدم البيوت وبيع الأراضي فيما بعد في السوق الحر مع أن العائلات اليافية ما زالت تحتفظ بكوشان البيت، هناك العديد من القصص التي ما زال أصحابها على قيد الحياة ويمكننا سماعها من مصدرها الأول.
لا شك أن المجتمع العربي في يافا قطع شوطا كبيرا في النضال والصمود على أرضه وما زال يعتبر قضية المجتمع العربي في يافا هي قضية وجود تتعدى الحاجة الخاصة والحق الأساسي في السكن، حيث أننا لا نطالب فقط بحل أزمة السكن التي يعاني منها شبابنا ولكن نصر على أن يكون الحل داخل أحيائنا وحول مؤسساتنا التعليمية والدينية.
لفت انتباهي مقال طويل وعريض نشر في جريدة هآرتس في ملحق ( Marker week) الصادر يوم الخميس 27/10/2011 تحت عنوان (( عندما تنمو المصالح التجارية من يريد التعامل مع السياسة)) حيث ورد في المقال عدة معلومات لا بد من التعامل معها لفهم مجريات الأمور في يافا وما يدور في فلك السلطة ونظرتها لما يحدث وسيحدث في يافا في السنوات القريبة.
ومن ضمن المعلومات التي وردت في المقال أن بلدية تل أبيب يافا (مع فصل تام وكامل بين المدينتين) استثمرت ما يقارب مليارد شيكل في مدينة يافا منها 100 مليون في منطقة سوق العتق. سعر متر الإيجار في منطقة السوق هو 180-200 شيكل. السياحة في يافا تجلب كل عام 250 مليون شيكل. ايتسيك أمسلم أحد المستثمرين في يافا يقول أنه نجح ببيع شقتين في يافا كل واحدة بسعر 7 مليون شيكل لمستثمرين من فرنسا ويقول " أن الاستثمار في يافا يعتبر مباركا للعرب أيضا وأن هذا نوع من العدالة الاجتماعية حيث يمكن لعائلة عربية من يافا أن تبيع عقارها في العجمي وتنتقل إلى يافا ج أو إلى اللد والرملة" نغمة نعرفها من الماضي البعيد.
يضيف كاتب المقال أن أزمة السكن تدفع بسكان يافا إلى الزاوية وأن يافا هي عبارة عن قنبلة موقوتة. ووصلت وقاحة مندوبة المكملة أنها تفسر انتمائنا ليافا بسبب ما تقوم به بلدية تل أبيب يافا وهي تجهل أن يافا كانت قبل تل أبيب وبلديتها ولم تكتفي بذلك وتمادت عندما طرحت شرطها على المستثمرين الذين يعملون على بناء أكثر من 400 غرفة فندقية في يافا منها على عظام أمواتنا في القشلة والمستشفى الفرنسي . شرطها أن نكون الخدم لضيوف تلك الفنادق. إلى هذا الحد وصلت وقاحتهم بل وأكثر.
ويضيف الكاتب أن أحداث أكتوبر كانت السبب بسبع سنوات عجاف عانى منها أصحاب المحلات وكأن حياتنا ورزقنا ووجودنا منوط بكرمهم ومنهم علينا من غيرهم كنا بنموت من الجوع.
ان ما تقوم به بلدية تل أبيب يافا والمكملة ما هو إلا مخطط تهويدي واضح. البنية التحتية التي أشرفت عليها المكملة جاءت لتعبد الطريق للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال على حساب أصحاب الأرض الحقيقيين. والمخططات تتجاهل احتياجاتنا. والمكملة ليافا ما هي إلا أداة لتنفيذ المخططات والمشاريع والضحية عرب يافا. من المضحك أن نسمع أن بلدية تل أبيب تعرض الأموال على محرومي السكن في الخيام بدلا من إيجاد حل يعالج قضاياهم علما أن الشركة المسئولة عن أيجاد الحل هي شركة حلميش البلدية. أو كما يقول المثل الشعبي " يقتل القتيل ويمشي بجنازته" . هناك أكثر من 200 عائلة تنتظر حل لأزمة السكن في مكتب الرفاه لأكثر من 5 سنوات وتعلم ذلك شركة حلميش والمكملة ورئيس البلدية والحبل على الجرار. مستهجن موقف بعض المؤسسات من قضية خيمة الاعتصام فبعد غياب استمر لأسابيع طويلة لم نشاهد أحدا منهم ورفضوا المشاركة بالمسيرات والمظاهرات.
ما سر ظهورهم بشكل مفاجئ على الساحة يقترحون على العائلات التي تسكن في الخيام الدعم المالي والمعنوي ويقترحون الجلوس مع شركتي حلميش وعميدار. إن من يحاول أن يراهن على السلطة بإيجاد حل لأزمة السكن فهو يوهم نفسه أولا ومن حوله ثانيا. فبعد أكثر من 63 عاما من التجربة المريرة علينا أن ندرك أن الحل يأتي عندما تتكاتف الجهود ليس فقط بين المؤسسات بل كمجتمع بأسره. أمسى عامل الوقت حاسما وهو لا يخدم قضيتنا لأننا نكرس جهودنا بصراعات داخلية بدلا من الصراع مع السلطة والمستفيد هو الاستيطان اليهودي المتطرف في يافا وقد نوهت سابقا أن القضية لم تعد مسألة تهويد بل تطهيرا عرقيا ممنهجا يعمل تحت غطاء التطوير ولكنه بحقيقته تطهيرا إن كنا نجيد فهم المقروء.
عبد القادر سطل
يافا
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]