تسعى تركيا لتفادي الدخول في نادي الدول الهرمة خلال ذكرى تأسيس الجمهورية عام 2023، بعدما تراجعت نسب الزواج والإنجاب، وارتفعت نسب الطلاق. من هنا، بدأت تحفّز على الزواج من خلال قروض ميسّرة
في عام 2017، انخفضت نسبة الزواج في تركيا 1.4 في المائة عمّا كانت عليه قي عام 2016، والذي شهد تراجعاً عن سابقه بنسبة 3.4 في المائة، ما دفع الحكومة التركية، ومنذ سنوات، للعمل على مواجهة العزوف عن الزواج وتراجع الإنجاب، لتحافظ تركيا على موقعها ضمن الدول الفتية، وتعزيز نسبة الشباب (ما بين 16 و24 عاماً) التي تقدّر بنحو 16 في المائة.
وبدأت حكومة العدالة والتنمية الحاكمة منذ نهاية عام 2002، تقديم إغراءات وتسهيلات وزيادة القروض من دون فائدة ومنح الأزواج هدايا ومكافآت للإنجاب، فضلاً عن تخفيض تكاليف الزواج وتنظيم عدد من البلديات أعراساً جماعية قليلة التكاليف أو مدفوعة بهدف التشجيع على الزواج.
وقدّمت تركيا مطلع العام الجديد، منحاً على هيئة قروض للعروسين المقبلين على الزواج. إذا كنت مواطناً تركياً ورغبت في الزواج، فبإمكانك أن تستفيد من مبلغ 68 ألفاً و559 ليرة تركية (نحو 12 ألفاً و500 دولار). وكتبت وسائل إعلام تركية أن القرض سيمنح مناصفة لكلا الزوجين بهدف تأمين تكاليف الزواج والبيت، شرط أن يكون الزواج هو الأول لكليهما، إضافة إلى البيت. تضيف المصادر الإعلامية أن الرقم الجديد الذي طرحته الدولة في حساب المهر والسكن، سجّل ارتفاعاً بنسبة 23.73 في المائة.
وستتكفّل الدولة وفق القانون الجديد بتقديم قرض للزوجين الجديدين، قدره 68 ألفاً و559 ليرة تركية، مناصفة بين الثنائي، ليكون نصيب الفرد 34 ألفاً و279 ليرة تركية، منها 9 آلاف و279 لمصاريف الزواج، و25 ألفاً للسكن.
يرى الباحث التركي وهبي بايصال أنّ تراجع سعر صرف الليرة التركية وغلاء أسعار الأثاث
المنزلي والمساكن، كانا سببين لتراجع إقبال كثير من الشباب على الزواج، أو التأجيل. لذلك، رفعت الحكومة التركية مساهمتها في الزواج من 7500 ليرة تركية (ألف و274 دولاراً) إلى 9 آلاف و279 ليرة تركية (نحو ألف و688 دولاراً)، ما سيكون برأي بايصال، عاملاً لإقدام بعض الشباب على الزواج، بعدما كان غلاء الأسعار سبباً لتأخير ارتباطهم.
وحول القرض الجديد، يقول الباحث في جامعة ابن خلدون في إسطنبول، إنّ الدولة التركية ستقوم بإيداع مبلغ القرض مناصفة في حساب كلّ من الزوج والزوجة اللذين تزوجا حديثاً، شرط دفع القرض وفق دفعات منتظمة تتراوح ما بين 3 و5 سنوات. ويشير الأكاديمي التركي إلى أن ثمّة شروطاً للقرض الجديد، أهمها أن يكون الزوجان أقلّ من 27 عاماً، وأن يكون هذا الزواج هو زواجهما الأول. ويلفت إلى أن دعم السكن، الذي يبلغ 25 ألف ليرة تركية (نحو أربعة آلاف و500 دولار)، يشترط أن يكون المنزل هو الأول لهما، كما يشترط أن يقوم الزوجان بتسديد القرض وفق دفعات منتظمة على مدى 3 إلى 5 سنوات.
ويكشف بايصال في تصريحات صحفية أن ارتفاع تكاليف الزواج زاد من نسبة المساكنة بين الشباب الأتراك، وهو ما تسعى الحكومة للحد منه، إضافة إلى المساعي الدائمة للتشجيع على الزواج والإنجاب، بعدما فاقت نسبة الأتراك الذين يكتفون بإنجاب ولد أو ولدين 80 في المائة من الأسر، ما دفع الحكومة لتقديم منح مالية ومكافآت للأسر التي تنجب الولد الثالث.
وتتّبع الحكومة التركية عدداً من السياسات لتشجيع الزواج المبكّر، وإنجاب ثلاثة أطفال على الأقل، سعياً لمواجهة المخاوف من أن تدخل تركيا نادي الأمم الهرمة في الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية عام 2023. وتشير الإحصائيات الرسمية التركية إلى زيادة مضطردة في نسب الطلاق، وانخفاض في نِسَب المقبلين على الزواج.
ويقول رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة ابن خلدون في إسطنبول، رجب شان تورك، إن عوامل عدة أدت إلى تراجع نسب الزواج والإنجاب خلال السنوات الأخيرة، لافتاً إلى أن العامل الأساسي هو المال. لذلك، سعت الحكومة إلى تذليل هذه العقبة من خلال تقديم قروض من دون فوائد للراغبين في الزواج، ومنح مالية، وهدايا للعرسان والمواليد، بهدف تقليل نسب العنوسة والمساكنة وما لهما من آثار مجتمعية، خصوصاً في مجتمع إسلامي محافظ كتركيا.
ويشير الأكاديمي التركي في حديث صحفي إلى أن كلفة الزواج في بلاده رخيصة، وتقدر بنحو مائة ليرة تركية في بعض البلديات ولا تزيد عن 300 ليرة تركية (نحو 60 دولاراً) في معظم الولايات التركية. لكن ارتفاع الأسعار الذي لحق بالمساكن والمفروشات والألبسة، خلال العام الماضي، زاد من تردد الشباب في الإقدام على الزواج. وجاءت التسهيلات الحكومية والقروض الميسرة والأعراس الجماعية وحضور رئيس الدولة بعض الأعراس، بهدف تقليل نسبة العنوسة والتشجيع على الزواج المبكر.
ويلفت شان تورك إلى وجود استراتيجية في تركيا هي الحفاظ على فئة الشباب تفادياً للخلل الديموغرافي؛ “نراقب كأكاديميين متخصصين، بالتعاون مع جهات حكومية، ما سببته العنوسة وتراجع الإنجاب في الدول الأوروبية والولايات المتحدة. ونقترح على الدوام حلولاً منها تسهيلات وقروض لأجل الزواج والإنجاب، ومزايا خاصة للمرأة المتزوجة العاملة”.
وكانت الحكومة التركية قد اتخذت خلال السنوات الماضية، إجراءات عدة لدعم المرأة العاملة المتزوجة. وبعد منحها تخفيضاً لساعات العمل إلى النصف في الفترة الأولى بعد الولادة، وتقديم دعم مالي للمرأة العاملة لتوفير من يعتني بطفلها، قدمت الحكومة العام الماضي 2018 أجراً شهرياً لكل جدة تقوم برعاية أحفادها.
وعلى الرغم من أن تركيا تشجع على الزواج والإنجاب، تتشدد بالنسبة إلى الزواج دون السن القانوني البالغ 18 عاماً، وتفرض عقوبات على من يتزوج من قاصر، ولا تستثني سوى بعض الحالات. ويمكن لمن أكمل 16 عاماً أن يتزوج بإذن المحكمة ورضا الوالدين أو الوصي القانوني، ومن أكمل سن 17 عاماً برضى الوالدين أو الوصي القانوني فقط من دون الحاجة إلى إذن المحكمة. ويعاقب القانون التركي المتزوجين دون سن 18 عاماً بالسجن عامين للعريس وأبيه، و16 عاماً في حال أثبت أن العروس مجبرة، وغرامة مالية تصل إلى 6 آلاف ليرة تركية (1105 دولارات).
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]