افتتحت برلين يوم أمس مقر مخابراتها الجديد ليصبح مركز المخابرات الأكبر في العالم، بتأخير 7 سنوات وكلفة أكثر من مليون يورو.
يقع المركز الجديد للمخابرات الخارجية على نقطة حيث كان يقف جدار برلين في وسط العاصمة. ومساحته بحسب المعلومات على موقع المخابرات، تعادل 36 ملعب كرة قدم. ويضم 5 آلاف غرفة و14 ألف نافذة و8 آلاف باب داخلي. وعمل على المشروع الذي بدأ قبل 12 عاما، نحو ألفي شركة. واستخدم في البناء 20 ألف طن من الحديد ومد بداخله 20 ألف كلم من كابلات الألياف الضوئية. وقد انتقل إلى المقر 4 آلاف موظف من أصل 6 آلاف و500 موظف يعلمون لدى المخابرات الفيدرالية.
وتسببت أشجار نخيل حديدية رفعت في ساحات المبنى الخارجية بجدل كذلك بعد اشتباه البعض بإمكانية أن تكون تستخدم للتنصت. ونفى برلمان برلين الأمر وقال إنها مجرد أعمال فنية.
هذه الضخامة كلها تعكس، بحسب المستشارة أنجيلا ميركل التي افتتحت المقر إلى جانب مدير المخابرات، حجم التحديات والمخاطر الأمنية التي تواجه ألمانيا. وكما قالت ميركل فإن ألمانيا تحتاج إلى مخابرات خارجية قوية وفعالة أكثر من أي وقت مضى . وعددت المستشارة مخاطر التنبه للأخبار الكاذبة والهجمات الإلكترونية . وأشارت ميركل إلى أن ملايين الألمان يمكنهم العيش بالأمان بفضل عمل المخابرات.
ولم تغفل ميركل التناقض الواضح بين عدم ثقة شعبها بالمخابرات وافتتاح هذا المقر الضخم. وقالت المستشارة التي كانت تعيش هي نفسها في ألمانيا الشرقية وعانت من المخابرات السرية الشيوعية، أن الـ ستازي كان يستخدم ضد الشعب إلى أن المخابرات الخارجية تخدم البلاد وتخضع للقوانين ومراقبة البرلمان . وأضافت: علاقة عدم ثقة صحية أمر مفيد، ولكن عدم الثقة المفرط يشكل عائقا .
أما رئيس الاستخبارات الخارجية برونو كال الذي افتتح المقر إلى جانب ميركل، فقال إن العالم أصبح مكانا أكثر إرباكا وغير مؤكد ، مضيفا أن هذا الأمر يزيد من أهمية فهم التطورات والأحداث في العالم. واعتبر كيل أن السياسيين بحاجة إلى معلومات وتحليل لما يحصل في العالم، يمكن أن يعتمدوا عليها لاتخاذ قرارات صائبة.
وبحسب ما تناقلت صحف، فإن الموظفين داخل المبنى لا يسمح لهم باستخدام هواتف خاصة أو حواسيب محمولة خاصة خلال ساعات العمل داخل المبنى، كما لا يسمح لهم بالاطلاع على وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم كل التدابير الأمنية المحيطة بهذا المبنى فقد نجح عام 2015 مخربون في دخوله وسرقة صنابير المياه من الحمامات، ما تسبب حينها في أضرار كبيرة وفيضان داخل المبنى. وأطلقت الصحافة الألمانية حينها على الفضيحة تسمية ووترغايت .
ويطالب حزب اليسار المتطرف دي لينكا بشكل مستمر بإلغاء وكالات المخابرات الألمانية الثلاث التي تضم إضافة إلى المخابرات الخارجية، المخابرات الداخلية ومخابرات الجيش. وقبل الانتقال إلى هذا المقر، كانت المخابرات الألمانية مستقرة منذ تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية، خارج ميونيخ في معسكر سابق للنازيين.
وينظر إلى نقل مقرها إلى العاصمة برلين على أنها إشارة إلى أن المخابرات الألمانية ستلعب دورا إقليميا يعكس ثقة أكبر بالنفس. وتأتي هذه الخطوة أيضا في وقت تستعد ألمانيا لتخطي ما كان محرما بعد الحرب العالمية الثانية، وزيادة الإنفاق في ميزانية الدفاع تجاوبا مع الضغوط الأميركية المتزايدة على ألمانيا لرفع إنفاقها الدفاعي ليصل إلى 2 ٪ من الناتج الإجمالي المحلي، تماشيا مع توصيات حلف شمالي الأطلسي. وكانت ألمانيا طوال السنوات الماضية حذرة من زيادة الإنفاق الدفاعي بسبب مخاوف ما بعد الحرب العالمية الثانية من توسع الجيش الألماني وتحوله مرة جديدة إلى قوة عسكرية طاغية في أوروبا. وقبل بضعة أيام أعلنت ألمانيا أنها سترفع ميزانية دفاعها إلى 1.5 ٪ من إجمالي ناتجها المحلي بحلول العام 2024، ويزيد الرئيس الأميركي دونالد ترمب منذ وصوله للبيت الأبيض الضغوط على ألمانيا لرفع ميزانيتها الدفاعية وتحمل مسؤولياتها الكاملة كعضو في حلف الناتو.
وفي العام 2013، كشف إدوارد سنودن الموظف السابق في الاستخبارات الأميركية، أن المخابرات الألمانية الخارجية كانت تشارك في عمليات مراقبة تقودها الولايات المتحدة وتتعاون معها إلى أقصى الحدود. وتسبب ذلك بجدل كبير حينها في ألمانيا، خاصة بعد الكشف عن أن المخابرات الأميركية تنصتت على هاتف ميركل الخاص لسنوات. وكادت القصة حينها تتسبب بأزمة بين البلدين، وعلقت ميركل بغضب بأن الأصدقاء لا يتنصتون على بعض . ولكن بعد ذلك تكشف أيضا أن المخابرات الخارجية الألمانية هي نفسها تنصتت على مسؤولين في الاتحاد الأوروبي والرئاسة الفرنسية، واعترفت المخابرات بذلك.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]