طرحنا في السابق فكرة الصندوق الوطني كخطوة أو جزئية أساسية في تشكيل منظومة مجتمعية وسياسية مستقلة وعصامية لفلسطينيي الداخل. في المقابل، واجهت هذه الفكرة نقد أساسيّ: أنها غير عمليّة / واقعية. بل هناك من وصفها بفكرة يمكن تنفيذها في كوكب آخر وليس في عالمنا.
أيها السادة الكرام... كان ذلك في تاريخ 29 ديسمبر 1901 عندما قرّر الكونغرس الصهيوني (المركّب من ممثّلي معظم اليهود في شتى أنحاء العالم) إنشاء صندوق إسرائيلي هدفه الأساسي "تخليص" الأراضي في أرض "إسرائيل" وجعلها ملكاً عامّا للشعب اليهوديّ. وعرف الصندوق باسم كيرين كاييمت لإسرائيل (קרן קיימת לישראל).
خلال عقدين من الزمن، ورغم بعض العثرات، أصبح هذا الصندوق من أشرس الآليّات الصهيونيّة الإحتلاليّة. أثبتت الفكرة جدارتها وأنجزت الكثير للمشروع الصهيوني.
الخطير في الأمر، أننا في الداخل الفلسطيني نعيش في واقع مرير ساهم بصناعته هذا الصندوق وفي المقابل لا نؤمن بالواقعيّة والجدوى من مشروع الصندوق الوطني في الداخل.
وهنا تجدر الإشارة إلى بعض الفروقات التي تبيّن أن الصندوق الفلسطيني أكثر واقعية من الصندوق الصهيوني في زمانه ( ونحن متنبهون ان هذا الصندوق سيواجه عقبات كثيرة معروفة لدينا ولكنها قابلة للحل ) :
1. في المراحل التأسيسية كانت الكوادر الصهيونيّة تعمل على إدارة مشاريعها في ألأراضي الفلسطينية من الخارج (ولكم التصوّر صعوبة آليات التواصل في هذه السنوات). بينما نحن مطالبون بالعمل من أرضنا.
2. اليهود في ذاك الوقت عملوا تحت ظرف الشتات في أنحاء العالم. بينما نحن مجتمعون في بقعة جغرافيّة واحدة، لنا وجود قوي وتعداد سكاني لا يستهان به .
3. كان نجاح تنفيذ مشاريع الصندوق في "تخليص" اراضي مرتبط ومعلّق بعوامل خارجيّة وأطراف ثالثة كالعملاء وغيرهم ممن ساهموا بتسريب الأراضي. بينما نجاح مشاريع الصندوق الفلسطيني معلّقة بعامل واحد فقط - أرادتنا. كما ان مشاريعنا أهون بطبيعتها من إنشاء المستوطنات والصراعات والمواجهات فنحن نريد بالدرجة الأولى تنفيذ مشاريع تنمويّة تبني مجتمع عصامي وقادر .
مع وجود هذه المفارقات الواضحة أعتقد أنه لا يمكن تكرار إدعاء عدم الواقعية لهذا المشروع. المسألة الوحيدة هي:
- هل نريد أدوات النضال التكتيكيّة المصنوعة لنا إسرائيليّا أم نريد أدوات نضالية إستراتيجيّة مستقلّة عن المؤسّسة الرسمية الظالمة؟.
- ألم تكفي رسائل المجتمع اليهودي المُعبَّر عنها في قانون القومية أنه لا يعترف بحقوقنا الجماعية على هذه الأرض ولا يعترف بوجودنا أصلا في هذه البلاد حتى نتحرك؟.
- ألم يأن لنا أن نعي أننا إن لم نتحرّك من أجل أنفسنا ونصنع بايدينا لأجلنا نحن لن تعمل مؤسسات هذه الدولة لأجلنا؟.
- الم يحن الوقت من أجل التحرك بشكل عملي لمواجهة التحديات التي تستهدفنا؟.
وهناك الكثير من الأسئلة التي لا بد من طرحها حتى نعي طبيعة المرحلة.
بامكانكم ارسال مواد إلى العنوان : [email protected]